تعرض 12عملاً في «آرت سوا» غاليري بدبي

«شتات» سارة شمة.. وجوه ضائعة تحكي

صورة

إن اختيار الفنانة السورية سارة شمة «الشتات» عنواناً لمعرضها، الذي افتتح أخيراً في «آرت سوا» غاليري بدبي، يضعنا ودون مقدمات أمام الكثير من الحالات الوجدانية، التي نتوغل أعماقها من خلال الوجوه. تطرح الفنانة الشابة، من خلال 12 عملاً، مفهوم الضياع الذي يختلج النفس، حينما يترك الإنسان أرضه. لكن هذا الشتات الذي تتحدث عنه نتيجة معايشة شخصية، لا ينحصر ضمن بقعة جغرافية واحدة، فهو يتحدث عن الإنسان المتجرد من الزمان والمكان، لا يطال هوية محددة، بل أشبه برصد للحزن الرقيق، كما إحساسها بالحياة والموت.

تعيدنا شمة في الوجوه التي تقدمها إلى أسلوب فرانسيس بيكون، الذي يبدو أثره على الفنانة واضحاً عبر توزيع لوني يقوم على الحركة. الوجوه تخرج عن الإطار النمطي، ولا تحمل حالات ثابتة، بل هي غاية في الانفعالية. تروي الوجوه التي تعرضها شمة الكثير من الحكايات عبر طبقات لونية متناثرة، تمتزج لتشكل هذا الأرق الذي يرافق الإنسان في تعاطيه مع ترك الوطن. تتعمد شمة إبراز اللون بقوة وحدة، فهي تجعل اللوحة تبدو صلبة من خلال الطبقات المتعددة الانتماءات اللونية.

تشتت

تركت الفنانة السورية سارة شمة دمشق، وانتقلت إلى بيروت نهاية عام 2012، وذلك بعد أن تدهورت الأوضاع الأمنية في بلدها. انتقلت مع ولديها إلى بلد أمها، بينما يزورها زوجها في نهاية كل أسبوع، متحملاً مشاق وخطورة الطريق. هذا ما تراه شمة تعبيراً واضحاً عن «التشتت»، إلا أنها تعود وتؤكد أن المعرض لا يعكس حال السوريين على وجه الخصوص، إنما حالة «الشتات» المطلق.


تتنوع في لوحات شمة حالات الوجوه التي تعرضها، فهي إما أن تكون واضحة المعالم، أو أنها تخضعها لعملية لونية تشويهية، تجعلها تبدو من خلال الطبقات المتعددة منسحبة من ذاتها. تخرج من اللوحات بعض الصرخات، فيما تبدو جلية حالة البحث عن أرض قد تشبه الوطن. وفي المقلب الآخر نجد غلبة للوجوه الطفولية في المعرض، هذه الوجوه التي تمنح التعبير صدقية أقوى، تتجلى بالدموع التي تنحبس في عيونهم.

 

ليس يسيراً طرح حالات من التشتت، فهذه الحالة الإنسانية التي عانت منها مجموعة من الشعوب، وصلت إلى مجموعة كبيرة من السوريين، بسبب الأحداث السورية الأخيرة، وكانت شمة من بينهم حيث غادرت سورية إلى لبنان مع ولديها، بحثاً عن الأمان. هذا الخيار الذي غالباً يكون غير إرادي يترافق مع مجموعة من الذكريات التي يأخذها الإنسان معه، فتكون رفيقته في رحلته وفي حياته، وهي التي روتها شمة عبر لوحاتها.

رسمت الفنانة معرضها مناصفة بين سورية ولبنان، لكن النظر إلى اللوحات في المجمل، يدخلنا في عالم متصل ومتحد، بحيث يصعب إدراك أيٍّ من المرحلتين من خلال العمل، فيعيش المتلقي في حالة متجانسة البناء الوجداني والانفعالي. هذه الانفعالات تبدو جلية في بناء اللوحة الذي يمتاز بكونه مقسماً إلى طبقات تجعله ثلاثي الأبعاد، وهذا يظهر كثيراً في اللوحات التي تحمل الوجه نفسه في أكثر من حالة. اللافت في حالات الوجوه المعروضة، أنها تبدو متناقضة، وتقودك إلى التفكير في جدلية التقلبات الإنسانية، فتشعر كأنك أمام مشهد سينمائي مبني بعناية، لاسيما التفاصيل التي تغرق اللوحة، فتجعلها عالية التعبيرية.

لا تخشى الفنانة السورية أن تضع نفسها في مكاشفة مع المتلقي، فترسم ملامحها بشكل غير اعتيادي، كأنها تسعى إلى عرض أجمل حالاتها وأسوأ حالاتها، لتفصح من خلال اللوحة عن مجموعة من المشاعر، دون أن تترك مسافة مع الجمهور. رسم الذات عملية يقدم عليها الكثير من الفنانين، لكن تشويه الصورة هي التي يصعب أن يقوم بها الفنان، فهي نوع من التصالح مع الذات، حيث يصبح الفنان على جرأة لإخراج الكثير من الخصوصية وعرضها على المتلقي.

وقالت شمة عن معرضها، الذي يستمر حتى 30 نوفمبر الجاري، لـ«الإمارات اليوم»، إنني «أهتم بالإنسان، وأهتم بتعبير العين والوجه، وهناك الكثير من الوجع والألم، وفي كل الوجوه هناك حالات وجدانية أحرص على أن أظهرها من خلال الملامح». وأضافت «يلفتني الحزن في الوجه الإنساني، واللوحات التي تكون خالية من الحزن لا تجذبني كثيراً، أما رسمي لنفسي فهو يأتي بكل الحالات، لذا أبرز أحياناً تعابير غريبة ومختلفة. وعن تحضيرها للمعرض، قالت «المعرض عبارة عن 12 لوحة، ست من بينها رسمتها في سورية، وست أخرى رسمتها في لبنان، بعد أن انتقلت إلى هناك مع ولديَّ، وبعد انتهائي من المعرض، وجدت أنها تشكل بداية التشتت الخاص بالسوريين، وأيضاً التشتت لكل العالم، فكل الشعوب عانت في فترة ما هذا التشتت». وشددت شمة على أن الفنان يعكس ما يعيشه، وهناك الكثير من الأمور التي نعيشها والتي نعبرعنها، مشيرة إلى أن رسمها للإنسان يحدث بشكل تلقائي، لذا هي لا تعتمد رسم «سكيتشات»، بل تترك مشاعرها تقرر حال المعرض. أما عرضها في دبي، فإنه ليس الأول، إذ سبق أن شاركت في مجموعة من المعارض الأخرى، موضحة أن الفنان يهتم بالانتشار والعرض في كل مكان فيه الكثير من النشاطات، فهذا عامل يجذب الفنانين.


 سيرة لونية

ولدت الفنانة سارة شمة في دمشق عام 1975، في عائلة شجعتها على دخول الفن، وقررت دخول المجال في عمر صغير جداً، حيث إنها حينما بلغت الـ14 من عمرها اتخذت هذا القرار. كان الفن طريقها منذ الصغر، وبعد أن تخرجت بدأت تقدم مجموعة من المعارض في سورية، والدول العربية وأوروبا وأميركا وأستراليا. دعيت شمة للتدريس في مؤسسة أدهم إسماعيل للفنون بدمشق، وقد عملت هناك لمدة ثلاث سنوات. شاركت في لجنة التحكيم لمسابقة في الفنون قدمتها وزارة الثقافة السورية. حازت شمة مجموعة من الجوائز، منها الميدالية الذهبية في اللاذقية عام 2001، وكذلك الجائزة الرابعة في لندن لرسم الوجوه، والأولى في الرسم. توجد أعمال شمة في بلدان العالم المختلفة، منها أعمال اقتنيت في المتحف الوطني بدمشق، وكذلك في مجموعة القنصلية البريطانية بدمشق، ومجموعات خاصة في كندا، والنمسا، ومصر، وفرنسا، وألمانيا، وتونس وتركيا، وقطر، ولبنان، والكويت، والأردن، واليابان، وهولندا، وإسبانيا، وأميركا.

 

تويتر