وصفت معرض الشارقة بـ «العالمي في كل شيء»

فدوى البستاني.. أمينة علــى 114 عاماً

صورة

أمينة على 114 عاماً، بصمود نبيل تواصل حكاية بدأت في سنة 1900، خطّ سطرها الأول الجد، وتعهّدها الأب، وتحرسها الحفيدة فدوى، سليلة أسرة البستاني، التي لا تحتاج إلى مقدمات طويلة للتعريف بها، فكل من تعامل مع الحرف، تكفيه كلمة «البستاني»، ليتذكر دار النشر العريقة، وكذلك الأسرة التي أسدت الكثير للعقل العربي.

بكثير من التقدير، وقليل من «عتاب المحب»، تتحدث الناشرة فدوى البستاني عن الشارقة ومعرضها للكتاب، إذ تحرص على الحضور سنوياً منذ نحو عقدين، تختص «عرس الإمارة الثقافي» بجديدها كل عام، تتذكر أولى مشاركاتها، حينما كان المعرض في «إكسبو» القديم، وقراءها الأوائل الذين يحرصون على التزود من دارها بكل جديد: «في هذه الأثناء وقفت الناشرة لترحب بحرارة ومعرفة قديمة بأمّ إماراتية برفقة ابنتها، وقالت الأم التي تعد من قراء الدار: إنها بحثت عن البستاني طويلاً في المعرض». وتشير فدوى إلى صداقات طويلة مع «ولاد البلد»، وأبناء الإمارات الطيبين الذين يقصدونها؛ ثقةً بما تحمله من كتب كل عام في معرض الشارقة للكتاب، لذا لا تفوّت دورة، وتحضر بنفسها، وترجئ كل مشروعاتها، التي تتعارض مع توقيت المعرض.

«صامدون رغم المعاناة والسباحة ضد التيار».. هكذا لخصت فدوى البستاني حالها وحال كثير من الناشرين، خصوصاً بعدما مر بالمنطقة من أزمات، إذ كانوا هم في مقدمة من دفعوا الثمن الكبير، مشيرة أن «هموم صناعة النشر بالجملة، لاسيما في الفترة الأخيرة، إذ يحمل الناشرون الكتب على ظهورهم، ويطوفون بها بين المعارض، تسويقاً ونشراً للمعرفة، وفي النهاية يحصدون ربحاً متواضعاً، مقارنة بسواها من المشروعات التي تجنى أموالاً طائلة».

«إحياء كتاب من العدم»، أمر تراه فدوى البستاني من أصعب الصناعات، خصوصاً بعدما «بات الكتاب في ذيل الاهتمامات»، مشيرة إلى مراحل وتفاصيل كثيرة لا يتصورها القارئ حينما يمسك بالكتاب بين يده، بداية من تخيّر المادة وانتقائها، مروراً بمراحلها التنفيذية والطباعية، وصولاً إلى طرح الكتاب وتسويقه والعمل على نشره بعد ذلك من قبل «أناس يعملون وحدهم دون دعم من أحد، وبمنافسة من مؤسسات كبرى».

لا تخفي فدوى البستاني أنها ربما تبالغ في الحلم، حينما تتمنى ما تطلق عليه «دعماً ومساندة قومية»، ونظرة خاصة لمن يعدون أنفسهم «أمناء على تغذية العقول والقلوب»، معتبرة أن الناشرين «المحترمين» هم شركاء في مقاومة «الجهل والتعصب والتطرف، وكل آفات العصر التي ضربت عقول البعض». وأوصلت بعض البلدان إلى حالة من الدمار، لأن ذلك هو السبيل لإخراج أجيال بعقول نيرة «تنبذ العنف والتوحش». وقالت «أحلم بحملة قومية نزيهة تشجّع الناشر، وتتبنى تسويق الكتاب، والعمل مع مؤسسات كبيرة، لأن الناشر حالياً أشبه ما يكون في مهمة مستحيلة، والله وحده يعلم إلى متى سنظل صامدين».


البداية من هناك

استشعرت فدوى البستاني أزمات العقل العربي، ورأت أن البداية ينبغي أن تكون من الأطفال والناشئة، لذا توجهت منذ سنوات إليهم، وقدمت الكثير من الإصدارات والسلاسل، عن الوطن، والسلوكيات، والرواد والرائدات، والبيئة والمحافظة على كوكب الأرض، كما قدمت كتباً عن ذوي الإعاقة، وغيرها، وحظيت بالعديد من التقديرات والجوائز.

وفي سنة 2001، حصدت سلسلة «اقرأ معنا» في ستة أجزاء، جائزة أحسن ناشرة، ما ساعدها على تكملة الحكاية مع الصغار، وفي الآن ذاته، لم تتوقف عن العناية بالإصدارات الأخرى، والمحافظة على التراث النفيس من الكتب النادرة، التي تتميز بها دار البستاني.

تراب الفجالة

في ثمانينات القرن الماضي، تخرّجت فتاة هادئة في الجامعة الأميركية، وبينما ظن كثيرون أنها ستتوجه للعمل بمؤسسة كبرى، فاجأتهم بوقوفها في دارالنشر بمنطقة الفجالة، وسط الكتب الصفراء، و روائح الأحبار والأوراق. تعجب البعض، حسب فدوى، التي تروي أنهم قالوا لها: «شابة بمؤهلاتك تنزل إلى مكتبة مليئة بالتراب»؛ فكان الرد أن «المكتبة المتربة أدخلتني أحسن الجامعات وعلمتني، وآن الأوان لأرد لها الجميل».

 

تويتر