مجموعة خيرالدين جمعة الصادرة عن «ورق»

«وشم بربري».. نقشٌ قصير بعكس التيار

الكاتب التونسي خيرالدين جمعة. أرشيفية

بكثير من المفارقات الختامية، ووعي يستعيد دروب القرية وزمانها العفي، وبساتين الرمان والنخيل والرياحين، تتلّون مجموعة «وشم بربري» للكاتب التونسي خيرالدين جمعة، التي صدرت عن دار ورق في دبي.

من جديد؛ يعود صاحب «أكاذيب أمي الخمس»، إلى القصة القصيرة، سابحاً عكس تيار «زمن الرواية»، معلناً تمسكه بفن هجَرَته أقلام بالجملة، ناقشاً جديده في مجموعة «وشم بربري» التي تضم 18 قصة قصيرة.

مشروع متأنٍّ

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/24672_EY4_22-10-2014_p33%20(3).jpg

رغم عمرها القصير نسيباً، إلا أن دار «ورق» التي أسستها الكاتبة عائشة سلطان، تحرص على رفد المكتبة العربية بإصدارات منتقاة، تنم عن مشروع متأنٍّ يبحث عن الإبداع المغاير داخل الإمارات وخارجها.

يشار إلى أن الدار كانت قد وقّعت عقداً مع القاص خيرالدين جمعة لإصدار مجموعته «وشم بربري».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/24672_EY4_22-10-2014_p33%20(2).jpg

بلغة غير قلقة، ونَفَس هادئ، يعالج المؤلف أقاصيصه، لا يعلو صوته، في الغالب، حتى في اللحظات الحرجة يظل محافظاً على عهده، كي ينجو من فخ الصراخ والخطابية؛ ففي قصة «ورأ العنب» التي قد يتحمل مضمونها شيئاً من هذا القبيل، لا يقع خيرالدين جمعة في مصيدة الضجيج، يمسّ الأزمة في سورية عبر حوار طفولي بريء، عاكساً جانباً من ظلال المأساة في الشام، منطلقاً من حادثة صغيرة إلى همّ عام، مثيراً الكثير من الشجن والألم عبر «ورأ العنب».

كما تحفل مجموعة «وشم بربري» بالعديد من النماذج والشخصيات؛ بعضها تكرر بإطلالات مختلفة، لكنها تتلاقى في رسم ملامح من مجتمع يحمل خصوصيته؛ لكن تبقى وجوه التشابه مع بلدان أخرى حاضرة، فثمة وجوه في القصص، يمكن رؤية همومها وأحلامها البسيطة على امتداد المساحة ما بين المحيط والخليج، في أي بقعة من الوطن العربي.

بين محطات تونسية عدة، تتنقل قصص «وشم بربري» مكانياً، لكن تبقى القرية حيزاً مفضلاً، صاحبة حظ أوفر، تستولي على أغلبية المجموعة، وتنتمي الشخصيات إليها؛ حتى حينما تكون في المدينة تبقى القرية مأوى أخيراً لها، ومحطة للرجوع. ولا يعني ذلك خلو المجموعة القصصية من فضاءات أخرى؛ فالكاتب خيرالدين جمعة الذي يقيم في الإمارات، ينوّع في أمكنته، إذ تحضر أبوظبي والعين في المجموعة، عبر أكثر من صورة، أخفها أن أغلبية تلك القصص قد رأت النور هنا في الإمارات، إذ حرص الكاتب على تذييل قصص بالأمكنة التي كتبت فيها.

قدر الكاتب ربما؛ أن يفتش عنه القارئ بين الجمل والكلمات، لاسيما حينما يتخيّر ضمير المتكلم، فتسقط الحواجز، ويظن القارئ أن السارد هو الكاتب، وأنه لا توجد فواصل حقيقية بين المبدع وأبطاله.. وقد يكون ذلك قدر خيرالدين جمعة في مجموعته الجديدة، التي لجأ في معظم قصصها إلى ذلك «الضمير الصعب»، علاوة على عودة قصص عدة أيضاً إلى زمن حميم، ومحاولة استدعاء ملامح صبي تشكلّت في حيز ما من تونس، وتبدو غير قصة متشابهة في تفصيل سمات ذلك الصبي، بل يمكن ضم حكاياته لتتحول إلى «نوفلا» تصلح جنيناً لرواية ممتدة الصفحات، متماسة الملامح والأجواء.

ومن قصة «كاره المطر»: «.. أصبحت وحدي، بدت لي غرفة الدرس كبيرة جداً، أحسست بانقباض مرير في صدري وكأن شيئاً يمنعني من التنفس، وضعت يدي بين ساقي ودسست رأسي بين كتفي مرتعداً حزيناً، اقترب معلمي من طاولتي لم أشأ أن أنظر إليه أو أن أحرك جفني، خفت أن أبكي، وفجأة وقبل أن أن يكلمني وقفت، ابتعدت عنه قليلاً، تقدمت نحو الباب بخطى مبتلة خفيفة وقلت لمعلمي: سيدي، أبي ينتظرني هناك عند سور المقبرة.. وأشرت بيدي ناحية المقبرة، لمحت نظرات الاستغراب في عينيه، خاصة بعد أن أطل من النافذة، ولكني لم أترك له مجالاً، فقد اندفعت ومحفظتي على كتفي، أقفز بين البرك والمطر يغسلني.. دخلت إلى المقبرة وكأن السيل دفعني إلى هناك، عندما سمعت معلمي يصيح من ورائي: إلى أين تذهب؟ أين أبوك؟ عند ذلك توقفت رغم المطر والريح، التفتت إليه وأجبته باكياً وأنا أنتفض بعصبية وأصرخ: لقد مات يا سيدي.. مات.. مات».

يشار إلى أن العمل الأول للكاتب خيرالدين جمعة صدر في عام 2012، وهو رواية بعنوان «صفحات المهزلة» عن دار «الغاوون» اللبنانية. وله مجموعة قصصية أولى بعنوان «أكاذيب أمي الخمس»، بالإضافة إلى «وشم بربري» التي رأت النور حديثاً.

تويتر