أخلص لفنه الأثير الرواية حتى قلَّدته «نوبل»

موديانو.. وريث عمالقة الحكي

صورة

حتى من قبل فوزه بـ«نوبل»؛ وصف نقاد الروائي الفرنسي باتريك موديانو، بأنه «إحدى أهم الظواهر الأدبية الحديثة، فهو يشكل تياراً أدبياً خاصاً به، تتضح أبعاده مع كل عمل روائي جديد»، حسب مقدمة رواية موديانو الشهيرة «شارع الحوانيت المعتمة»، التي رأت النور عام 1978، وترجمها إلى العربية محمد عبدالمنعم جلال، ضمن روايات الهلال عام 2009.

فاجأ فوز موديانو كثيرين، خصوصاً من القراء العرب، الذين لجأوا إلى محركات البحث العنكبوتية، لاستكشاف سيرة الكاتب، وكذلك البحث عن أعماله المترجمة إلى العربية، التي لا تعد على أصابع اليد الواحدة، رغم إنتاج الروائي الفرنسي الغزير، علاوة على خزانة جوائزه الحافلة بالتكريمات، خصوصاً من بلده فرنسا، منها الجائزة الأدبية للأكاديمية الفرنسية، عن رواية «شوارع الحرام» عام 1972، بينما حصدت «المنزل الحزين»، التي صدرت عام 1975 جائزة المكتبات؛ فيما نالت «شارع الحوانيت المعتمة» 1978 جائزة الغونكور.

أخلص باتريك موديانو لفنه الأثير الرواية، فلم يبرح ساحتها، ولم تستهوه فنون كتابية أخرى إلا قليلاً؛ لذا راهن البعض على مشروعه، واعتبروه وريث عمالقة الرواية الفرنسية، و«الوحيد من بين المعاصرين الذي يمكن أن يعيد إلى الرواية الفرنسية أمجادها وعظمتها، التي افتقدتها منذ رحيل مارسيل بروست وألبير كامي».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/207172.JPG

تتماس روايات موديانو، التي تخطت الـ20، مع حياته وتحفل بشخصيات تبحث عن هويتها، وتفتش عن تاريخها المسروق أو المفقود؛ ففي رواية «مجهولات» التي ترجمتها إلى العربية رنا حايك، وصدرت عن دار ميريت عام 2006؛ «ضحايا أسر مفككة وعلاقات إنسانية مبتورة، فهنَّ نساء يفتشن عن معنى لحياتهن الخالية منه، هؤلاء هن بطلات موديانو الذي ولد عام 1945، فهو قضى طفولته كمعظم أبطال رواياته في ملاجئ وشوارع ومحطات حافلات باريسية، هو كمعظم شخصياته ذهب ضحية والدين دائمي الترحال. وهو، مثلهم تماماً، قضى حياته مسكوناً بهاجس الفقدان؛ يحاول لمّ أشلاء ماضيه وانتمائه من خلال كتابة مشاهد من حياته الخاصة وأسماء شوارع مرَّ بها، وملاجئ سكن فيها، وشخصيات سكنته حد الألم»، كما ذكرت المتـرجمة رنا حايك في مقدمة «مجهولات».

بينما تتحول رواية «كتيب العائلة» 1977، إلى ما يشبه السيرة الذاتية لباتريك موديانو؛ فتنطلق من زمن الحرب العالمية الثانية، وتسرد حكاية أبوين تزوجا تحت نير الاحتلال النازي، ويغوص المؤلف في ماضيه من خلال صور أبيه الذي يبحث عنه، ويتلمس أخباره بعد اختفائه في شبابه.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/207174.jpg

وتعاود الشخصيات الباحثة عن جذورها الظهور في رواية «شارع الحوانيت المعتمة»، التي تسرد حكاية شخص بلا اسم، تمنحه كل مرحلة اسماً خاصاً، يحيا بلا ذاكرة يسعى لاستعادتها، يطارد ماضيه، وكذلك ماضي زوجته التي تاهت أيضاً في عالم فقدان الهوية، في بلدان عدة، من الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة ففرنسا وإيطاليا «هو في كل هذه البلاد يسمى اسماً جديداً، ويهوى هواية جديدة، كما أنه يلتقي العديد من الشخصيات الذين يكشفون له عن معنى للأحداث شيئاً فشيئاً.. لكن موديانو لا يبلغنا بهذا الاسم، ولا بهوية بطلنا.. فالرواية تنتهي كأن المؤلف قد أنهكته رحلة البحث مثلما فعل بطله، لذا فهو يرفع قلمه فجأة عن الكتابة». وتحفل الروايات بتلك النماذج؛ في ما يشبه وجهة نظر موديانو في الحياة ومصائر كثيرين، ومنهم «أناس غريبو الأطوار لا يتركون خلفهم ما يدل عليهم غير بخار لا يلبث أن يتبخر ويزول. كنا نتكلم، أنا وهوت، أحياناً عن أولئك الناس الذين تتلاشى آثارهم، ثم يظهرون في يوم جميل من العدم، ويعودون بعد أن يتألقوا ببعض البريق، ملكات جمال، عشاق، فراشات، الغالبية منهم، حتى وهم على قيد الحياة لا قوام لهم إلا كدخان لن يكثف أبداً».

يشار إلى أن موديانو، رغم اقتصاره على فن الرواية، أسهم في كتابة سيناريو فيلمي «لاكومب لوسيان» مع لويس ماليه عام 1973، و«رحلة سعيدة» مع جان بول رابيني عام 2003.

 

 

تويتر