مذكرات فتاة باكستانية ناضلت لنشر «النور»

«أنا ملالا».. حكاية تتخطى سنوات العمر

صورة

أكبر من مجرد حكاية فتاة، أطلقت عليها جماعة متعصبة الرصاص، لنضالها دفاعاً عن حق نظيراتها في التعليم ببلادها، تبدو تجربة الناشطة الباكستانية ملالا؛ إذ تتخطى التفاصيل سنوات عمر صبية حلمت بمستقبل أفضل، لا تجبر فيه البنات على القعود حبيسات المنازل، محرومات من ارتداء زيّ المدرسة الزاهي، والاكتفاء ببراقع شديدة السواد.

في منتصف نهار يوم الثلاثاء، التاسع من أكتوبر عام 2012، كانت حافلة مدرسية متواضعة تقل فتيات في عمر الزهور، عائدات لبيوتهن بعد يوم حازت فيه إحدى الفتيات النجيبات الدرجة النهائية في مادة الدراسات الباكستانية، وتوقفت الحافلة فجأة، وظهر مسلحان، وسألا: من منكن ملالا؟ ولم يتلقيا إجابة، غير أن العيون رغماً عنها اتجهت إلى الفتاة المقصودة، وانطلقت ثلاث رصاصات، لتدخل إحداها رأس ملالا من جانب عينها اليسرى وتسير 18 بوصة وتستقر في كتفها، تاركة آثاراً في المخ والعين.

نقلت الصبية ذات الملامح الوادعة إلى المستشفى، وتدهورت الحالة، واستعد الأب الذي رأى نفسه مسؤولاً عما حدث لابنته، لسماع نبأ صعب، وطلب من أحد الأصدقاء تجهيز جنازة الابنة، لكن طارت حكاية ملالا إلى أنحاء العالم، ورفعت أيادي الملايين ملتمسة النجاة لتلك الفتاة النموذج.

بين مستشفيات عدة تنقلت ملالا، التي غابت عن الوعي، ونزعت عظمة الجمجمة، كي تترك حيزاً للمخ الذي تورم من أثر رصاصة «الطالباني»، الذي نفذ تعليمات أحد الملالي. تدهورت الحالة؛ ما استدعى نقل الفتاة، بلا عائلتها، إلى مستشفى الملكة إليزابيث في برمنغهام بإنجلترا، حظيت الصبية برعاية، وظل إعلاميون من الشرق والغرب مرابطين على باب المستشفى لعلهم يزفون للعالم خبراً عن الفتاة التي بالفعل تحسنت حالتها، غير أن ابتسامتها الغالية فارقتها، بسبب قطع عصب في الوجه بسبب الرصاصة، والشعر الذي كانت تعتز به الصبية ذهب معظمه بعد الجراحات المتعددة.

تروي مذكرات «أنا ملالا»، التي ترجمها أنور الشامي، وصدرت طبعتها العربية، أخيراً، عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، في 416 صفحة، تجربة الفتاة الباكستانية الأشهر، وفي الوقت ذاته تروي حكاية المكان وتاريخه من قبل ظهور أعداء الحياة في وادي سوات الحافل بالجمال والمناظر الخلابة، قبل أن تشوه كل ذلك جماعة طالبان التي أحكمت سيطرتها على الإقليم، ودخل معها الجيش في مواجهات طويلة، سقط فيها الكثير من الضحايا، خلال الفترة من 2007 إلى 2009. تتطرق المذكرات إلى تفاصيل بالجملة في حياة بعمر الزمن قصيرة، لكنها بكمّ أحداثها، وعمق تأثيرها طويلة.

تتمرد حكاية ملالا، كما صاحبتها، على إرهاب «طالبان»، تنجو من البكائيات الطويلة، والارتهان بوصف التشوه الذي أحدثته الجماعة في البشر والمكان، فثمة تفاصيل إنسانية ترتقي إلى العالم الروائي المتكامل، تذهب إلى ما قبل ميلاد الصبية، في بيئة تعتز بالصبي وتنحر له الذبائح، لكن والد ملالا كان مختلفاً، كان شاعراً ومثقفاً حقيقياً، نذر حياته لنشر نور الحرف بين أبناء واديه سوات، وولدت ابنته بين جدران المدرسة، حيث كان مسكن الأسرة غرفة ملحقة بالمدرسة المتواضعة حينها، والتي كبرت رغم تهديدات طالبان، ونسفها لمدارس، خصوصاً مدارس الفتيات. كما تسلط مذكرات ملالا الضوء على أصل المأساة في وادي سوات، وتربط خيوطها بأشياء أخرى، وقائع كبيرة وجد ذلك الإقليم نفسه متورطاً فيها.

في عيد ميلادها السادس عشر كانت ملالا في نيويورك لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة؛ كتبت الفتاة التي سبقت عمرها الخطاب بنفسها، ووضعت شالاً غالياً عليها، يعود إلى قدوتها السياسية الباكستانية الراحلة بناظير بوتو، وتحكي ذلك المشهد: «ارتديت شالاً أبيض من شالات بناظير بوتو فوق قميص شالوار زهري اللون، وناشدت قادة العالم أن يوفروا تعليماً مجانياً لكل طفل في العالم، قائلة: دعونا نحمل كتبنا وأقلامنا. فهذه هي أمضى أسلحتنا. طفل واحد، ومعلم واحد، وكتاب واحد، يمكنهم أن يغيروا العالم».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/201975%20(1).jpg

يشار إلى أن المذكرات أعدتها كريستينا لامب، التي تعد من أبرز الصحافيات في العالم، إذ اضطلعت بدور كبير في التغطية الصحافية في باكستان وأفغانستان، وألفت خمسة كتب، وفازت بعدد من الجوائز.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/201975%20(4).jpg

تويتر