الروائي السوداني يسرد حكايات جديدة

«قلم زينب».. أمير تاج السر يعاود النبش في السيرة

أمير تاج السر يلوّن بالمفارقة عوالم «قلم زينب». أرشيفية

بـ«قلم زينب»، يعود الروائي السوداني أمير تاج السر إلى جزء جديد من سيرته، ينبش مبدع «صائد اليرقات» و«العطر الفرنسي» في أعماق الذاكرة، ليسرد حكايات جديدة، شاغلها الأكبر ليس طبيباً حديث التخرج، يهوى الشعر فحسب، بل نماذج متعددة، بسطاء يتحايلون على حياة قست عليهم، في بيئة حافلة بالمتناقضات.

أعمال

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/201931.jpg

ولد أمير تاج السر عام 1960، وحصل على بكالوريس الطب من جامعة طنطا في مصر، ويعمل طبيباً حالياً في قطر، وظهرت روايته الأولى بعنوان «كرمكول» عام 1988، ثم توالت بعد ذلك روايات «سماء بلون الياقوت»، «نار الزغاريد»، «عواء المهاجر»، «صيد الحضرمية»، «مهر الصياح»، «زحف النمل»، «توترات القبطي»، «العطر الفرنسي»، وكتابا سيرة هما «مرايا ساحلية»، و«سيرة الوجع»، وديوان شعري بعنوان «أحزان كثيرة».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/555.jpg

تطلّ شخصيات «قلم زينب» التي صدرت حديثاً عن منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف، بوجوه متعددة، بشر من لحم ودم، وليسوا كائنات مجففة، استدعتها على الورق ذاكرة أمير تاج السر، لتلفظ أنفاسها بعد قليل من القراءة، ويكمن في هذا سر الشخصيات الروائية جميعها لدى أمير تاج السر، وليس هنا في هذا الجزء من سيرته فحسب؛ إذ تبدو الشخصيات حالات متجسّدة، تدّب على الأرض وتسعى بين عيني القارئ، تذكّره بنموذج مرّ عليه، تعيده من جديد، بصورة غير متطابقة ربما، ولكن الشخصية تتمرد على الورق، وتنطلق من بين دفتي الحكايات، لتحيل إلى عالم واقعي، خشن وجارح.

وكما يمنح صاحب «توترات القبطي» عناية لشخصيات ذكورية، لا يهمل في المقابل (سهلة أو سماسم، وهويدا الشاطئ، وعواطف التي تبرأت من اسمها وشكلها في مجتمع ذكوري)، وأخريات بالجملة عابرات، لا يقسو عليهن الكاتب، ولا يحاول أن يحمّلهن جريرة ما، يقلّب نساء «السيرة»، باحثاً عن ملامحهن الظاهرة والباطنة، لتأتي الشهادة وصفية بعمق لا تطلق أحكاماً، إلا أنها تدين المناخ العام، والبيئة التي قست على الجميع، وتركت آثارها فقراً ومرضاً وأطفالاً مجهولي الأنساب.

واللافت أن المفارقة حاضرة بقوة في «قلم زينب»، تلّون عوالمها بسخرية مرّة، تحاول أن تخرج لسانها للواقع الكئيب، تصير السخرية حيلة كتابية، كما هي حال كثيرين من شخصيات العمل الذين يتحايلون على الحياة. ففي لحظة ما يجد الطبيب الشاب خلاصه من مطاردات سماسم، ويفكر كيف يسوّق لها عريساً آخر، ليفاجئ بردة الفعل، كما روى: «أخبرتها بوضوح وصوت هادئ جداً، بأنني لا أكرهها كما تظن، ولا أكره أي مريض آخر يتردد على عيادتي، وأنني مخطوب لإحدى قريباتي في العاصمة منذ كنت في العاصمة منذ كنت طالباً ثانوياً، لكنني عثرت لها على رجل مثالي سيسعدها بلا شك، لأنه أحبها منذ أول مرة رآها فيها.. تلك اللحظة رأيتها تبكي، دموع متشابكة كخرز معقود، خرجت من عينيها الملونتين، وصنعت خطين أشبه بجرحين عميقين وسط تلك الزينة. لماذا تبكين؟.. لا أصدق أن أحداً أحبني.. لا أصدق.. دعه يحضر إلى البيت.. يحضر حالاً. ثم نهضت واقفة وكانت على شفتيها ابتسامة واسعة جداً».

لا يبرح الدكتور أمير تاج السر في «قلم زينب» بورتسودان، يدخل القارئ معه المستشفى الكبير في المدينة، حيث تلقى الطبيب الناشئ تدريبه الأول، ويمر به عبر أحياء المدينة الساحلية، وربما أقسام شرطتها، ليتتبع ذلك «المحتال» الذي أهدى الراوي «قلم زينب» الذي كتب فصول الحكاية، بل وتفرّع إلى 20 قلماً في ختام العمل، تعد بأجزاء جديدة من السيرة التي ستنتقل إلى محل آخر، حيث ودع الطبيب بورتسودان، راحلاً بأمر حكومي إلى مستشفى طوكر، لتكون خاتمة «قلم زينب»: «في الصباح كانت العربة الحكومية التابعة لمستشفى طوكر الريفي تقلني في الصحراء بعيداً، وسط خلاء جاف، ورمال متشعبة في شكل تلال عالية، أراقب السراب الذي أخاله ماء، وعدداً من الرعاة يبحثون عن كلأ لماشيتهم لن يجدوه، وبين الحين والآخر، تمرق بجانبنا عربة مسرعة يتبادل سائقها التحية مع سائقي بإطلاق النفير العالي المتقطع. كان بحوزتي أكثر من عشرين قلماً من ماركة قلم زينب، اشتريتها من سوق شعبي مررنا به قبل مغادرة المدينة، وأنوي استخدامها في الكتابة».

 

 

تويتر