قاومت التحديات ولم تكتف بحظها في الظهور الموسمي بالمعارض

الحرف التقليدية.. رزق الأجــــداد تاريخ أكبر من زوايا الذاكرة

صناعة السفن الخشبية من أهم الصناعات التي تميزت بها الإمارات. أرشيفية

تمثل الحرف والصناعات الجانب المنتج من حياة المجتمع، إذ تتداخل الحرف في مدلولها العام مع مفهوم الصناعات التقليدية، فإذا كان الرعي والصيد والزراعة والتجارة والتطبيب من الحرف، فإن الحدادة والصناعة والحياكة والنجارة تمثل الصناعات.

ري من البئر

قال المواطن علي يوسف الشعرون، إن من أهم الصناعات والحرف اليدوية التي اشتهر بها سكان مناطق الزراعة، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة والأرض «اليازرة»، وهي طريقة قديمة ومبتكرة لري الأرض الزراعية، وقد احترفها سكان المنطقة منذ القدم، وتقوم على استخراج الماء من البئر بالاستعانة بعدد من الأدوات من ابتكار وصناعة أبناء المنطقة أنفسهم. يذكر أن مهنة «اليذاب» أو «الغرافة» هي قيام الإنسان بالغرف من البئر، بواسطة قوائم خشبية وحبل موصول بخشبة طويلة موصولة بوعاء فارغ أو دلو، تصل إلى قعر البئر، ثم تسحب يدوياً عن طريق شد الحبل، وتستعمل الغرافة عادة للبئر القريب ماؤها من سطح الأرض.


مأكولات شعبية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/197672.JPG

قال المواطن علي سعيد الشحي، إن «أهم منتجات التمور التي استخدمها سكان المناطق الزراعية (الدبس)، الذي كان يقوم مقام السكر هذه الأيام، كما كانت هذه المادة تستخدم في صناعة أنواع كثيرة من الحلويات والمأكولات الشعبية، ومن الصناعات التي صنعها الأهالي في المناطق الزراعية قديماً (البثيث)، وذلك بخلط التمر مع السمن والطحين، لتعطي نوعاً من الحلوى لذيذ الطعم».

وإذا كان أهل المناطق الزراعية قد اشتهروا بمهنهم الزراعية وإنتاجهم الزراعي الوفير، إلا أنهم ساهموا أيضاً بشكل فاعل وملحوظ في مختلف المهن البحرية التي كانت تشكل مصدر الرزق الأول لسكان الإمارات.

ودولة الإمارات غنية بتراثها الحضاري الذي ورثته عبر مختلف مراحلها التاريخية والحضارية، ويظهر ذلك بوضوح في تعدد الفنون الشعبية والحرف والمصنوعات التقليدية التي تعكس ذوقاً فنياً وتراثاً غنياً.

وتنوعت الصناعات والحرف في الإمارات، فشملت كل متطلبات الحياة اليومية، وتعددت أشكالها وأحجامها وألوانها وموادها الخام، حسب استخداماتها وأغراضها، ولعل تعدد وتنوع هذه الصناعات أدى إلى تنوع خصائصها الفنية التي عكست ذوق ومهارة الحرفيين، وتنوع ثقافاتهم وأذواقهم.

واضطرت الظروف أهل الإمارات في الماضي لإتقان واحتراف العديد من الصناعات التي لها علاقة مباشرة بالبحر الذي كان مصدر الرزق والغذاء، وكذلك استغل الآباء والأجداد مصادر الصحراء، على الرغم من شح الموارد، وظروف الطبيعة القاسية، في سبيل تأمين سبل الرزق والمعيشة الكريمة.

ونظراً لانسجام الإنسان في الإمارات مع بيئتها المتنوعة والثرية، فقد برزت الكثير من الحرف اليدوية التي امتهنها أهل المجتمع، وبعض تلك المهن لزمت أصحابها في مسمى عوائلهم حتى يومنا هذا.

وتعد الإمارات اليوم في طليعة الدول من حيث الاهتمام بالحرف والصناعات التقليدية الشعبية، إذ أمكن إحصاء أكثر من 30 حرفة شعبية يدوية خلال الدورة الأخيرة لمهرجان أيام الشارقة التراثية مازالت تمارس داخل مجتمع الإمارات، وتمثل مورد رزق للعديد من الناس الذين يمارسونها، حتى لو اقتصرت تلك الممارسة على المناسبات والمهرجانات.

ومن المعروف أن المتغيرات التي طرأت على مجتمع الإمارات المتحدة، نتيجة للطفرة النفطية، تركت كثيرين من جيل ما قبل النفط عاطلين عن العمل، أو غير منتجين، لعدم إجادتهم مهناً أخرى غير التي زاولوها قديماً، ولعل من المفيد التذكير بأن حرفهم التي كادت تندثر لعبت دوراً أساسياً وعاملاً مهماً للاستقرار قديماً.

وبعد ثورة النفط واجهت الصناعات والحرف التقليدية عقبات وتحديات، وبات بعض منها على شفا الانقراض، وبالفعل بدأت حرف بعينها في التلاشي والاندثار مع بداية السبعينات من القرن الماضي، إلا أن هذه الحال لم ترض المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس وباني دولة الإمارات، وعرف مبكراً بنظرته الثاقبة أن منتجات الحرف اليدوية التي كانت سائدة ردحاً من الزمن لا تظهر الآن إلا على استحياء أمام طغيان المنتجات الحديثة المستخدمة في حياة الناس اليومية، محيلة كل المنتجات القديمة إلى زوايا الذاكرة الإنسانية ومتاحف التاريخ، مكتفية بحظها في الظهور الموسمي في معارض التراث والأصالة، أو عند البعض ممن لايزالون يؤثرونها على المنتجات الحديثة.

ولهذا غرس المغفور له الشيخ زايد حب الاهتمام بقطاع الصناعات والحرف التقليدية في جيل اليوم، من خلال اهتمامه بالتراث بصفة عامة، وحرصه على إشراك المرأة في خططه الثرية لإحياء التراث والمحافظة عليه؛ إذ افتتح مركزاً للصناعات التقليدية واليدوية القديمة في عام 1978 بإشراف الاتحاد النسائي العام، وتفرّعت منه العديد من مراكز التدريب على مستوى الإمارات، والذي خصص لكل جانب من جوانب التراث مشغلاً خاصاً به، كمشغل التلي ومشغل الفخار والتطريز اليدوي، ومشغل الغزل وسعف النخيل والسدو.

وسارت القيادة الرشيدة على النهج نفسه؛ فبدعم من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وتوجيهات أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، زاد الاهتمام بالصناعات التقليدية، ما دفع جمعيات ومراكز التراث ومراكز الأسر المنتجة والمؤسسات والأهالي للمشاركة في إحياء هذا اللون من الأنشطة.

من جهته، يقول المواطن محمد خميس بوهارون «اشتهر أهل الساحل بالصناعات البحرية المتعلقة بالأسماك، التي كانت تصدر إلى الأسواق الخليجية والإفريقية، ومنها صناعة المالح في الساحل الشرقي، وصناعة (العومة) التي شكلت مصدراً غذائياً واقتصادياً أساسياً لشعب الإمارات، أثناء كساد تجارة وصناعة اللؤلؤ، إذ استخدمت في الأطعمة وسماداً للمزارع».

ويضيف «تعد صناعة السفن الخشبية من أهم الصناعات التي تميزت بها الإمارات، ونالت قسطاً كبيراً من الاهتمام والشهرة، ولاتزال باقية إلى يومنا هذا، إذ تعد الإمارات من أولى دول الخليج اهتماماً بهذه الصناعة، وأكثرها إنتاجاً للسفن التقليدية وتصديرها إلى الأسواق المختلفة».

من جانبه، يقول المزارع علي محمد المنصوري، إن أهالي المناطق الزراعية (مناطق النخيل) أجادوا المهن والحرف المتعلقة بالنخيل، إذ استخدم سكان المناطق الزراعية معطيات هذه الشجرة السخية لتلبية مختلف احتياجات معيشتهم، لأن هذه النخلة كانت الشجرة الوحيدة التي استفاد الإنسان على مدى مئات السنين من كامل أجزائها، بدءاً من الجذوع إلى الألياف والكرب المحيطة بالجذوع، حتى السعف والجريد، إلى جانب الثمار. ويؤكد أن أهل المنطقة استفادوا منها بشكل كبير، فاستخدموها في مختلف مرافق حياتهم، إذ تعددت الاستخدامات لتشمل كل أجزاء النخلة. ويضيف «صنع أهل المنطقة أيضاً من الجريد أسرّة للنوم، وبعض المقاعد للجلوس، ومهوداً للأطفال، وأقفاصاً للطيور، ومن السعف أو الخوص صنعوا (الخصافة)، وهي أكياس توضع فيها التمور، والحصر (السجاد)، والمخاريف والسراريد والمكانس والمكاب والمهاف والمزامي والجفران، وكل أثاث المنزل وأدواته، أما الكرب فاستخدم علامات لشباك الصيد، وتضاف مع الجريد لصناعة الشاشة، كما كانت وقوداً أساسياً عند سكان المناطق الزراعية، واستخدم سكان المنطقة النوى علفاً للحيوانات، كغيرهم من المزارعين والبدو وأهل المدن».

صناعات من الماضي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/197665.JPG

من الصناعات التقليدية التي اشتهرت في المدن صناعة الأدوات المنزلية النحاسية، وعلى رأسها «الدلال» التي لاقت شهرة خليجية واسعة. وفي ظل هذا الانسجام الإنساني الرائع الذي سطره ابن الإمارات في تفاعلاته مع الظروف الطبيعية والمتغيرات الحياتية المختلفة التي عاصرها، فقد انبثقت عن هذه التجربة الغنية لأبناء الإمارات حضارة إنسانية تنوعت وتعددت في مجالات ثقافية مختلفة، كان من أهمها الفنون الشعبية، والحرف والصناعات التقليدية الخاصة بأبناء الدولة، ويقع على الجيل الجديد مواصلة المسيرة التي بدأها الآباء والأجداد.

فخار

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/197666.jpg

ذكر المواطن أحمد راشد الحيمر، من سكان الجبال، أن المناطق الجبلية شهدت صناعة مزدهرة للفخار، وصل إنتاجها إلى أقاصي الشرق والغرب، وتعد منطقة شمل برأس الخيمة من أكثر المناطق في الدولة قاطبة اشتهاراً بصناعة الفخار وإنتاج أشكاله وأنواعه المختلفة، ولاتزال هذه المهنة تأخذ قسطاً من الاهتمام والرعاية لدى أبناء المنطقة، الذين يؤكدون ارتباطهم الوثيق بتاريخهم وتراثهم، وبصلاتهم التي لا تنقطع مع الماضي التليد الذي سطره الآباء والأجداد.

تويتر