18 عملاً للنحات مصطفى علي في «آرت سوا» غاليري بدبي

«المسافة».. وجوه من الانكسار والأمل

يحوّل النحات مصطفى علي القطع الخشبية إلى وجوه بعقول بشرية متنوّعة تحمل كثيراً من الألم والانكسار. تصوير: أشوك فيرما

يحوّل النحات مصطفى علي القطع الخشبية إلى وجوه بعقول بشرية متنوعة، تحمل الكثير من الألم والانكسار، وكذلك الفرح والأمل. يجسد النحات السوري «المسافة» في أعماله الأخيرة في «آرت سوا» غاليري بدبي، حيث يختزل من خلال الوجوه الحالات البشرية والسياسية للمجتمع الذي ينتمي إليه، فيصور الشرخ بين الإنسان وذاته من جهة، وبينه وبين الآخر من جهة أخرى. وجوه علي في المعرض، الذي ضم أعماله التي قدمها بين 2011 و2014، تحكي حزنها من خلال ملامح مشطورة إلى قسمين، أو عيون مغلقة ومحجوبة عن الرؤية.

تحمل الوجوه التي يقدمها علي الكثير من الغموض، فهو يترك ما تضمره الملامح مبهمة، متعمداً إغلاق عيونها عن الرؤية التي هي النافذة على العالم، فيفتح عيون المتلقي على رؤية تتسع أكثر إلى دواخل ما تحمله الوجوه. تتفاقم حالة الغموض مع بعض الوجوه وتصل إلى مرحلة من الإبهام حيث يصعب تمييز الوجه الحقيقي من القناع. هذه الرؤية تتحدد وتتبلور من خلال الزمان والمكان اللذين يحضران في أعمال علي، إذ يبدو جلياً انعكاس الحالة السورية على أعماله، حيث يضع نفسه في مقام الشاهد على الأحداث وصاحب صرخة في وجه واقع متشرذم، جعل أبناء البلد الواحد في مواقف متعادية وفي خصومة واضحة. يحمل الفنان عبر الوجوه ما يجعل المتلقي في حالة بحث عن الأعماق البشرية والاستماع إلى الأصوات الصادرة عنها من خلال الفضاء الشكلي، والحجم الذي يضعه في المادة، وضمن محاولة للإصلاح عبر لغة جمالية بحتة.

إلهام

يعتبر الفنان مصطفى علي أن الإلهام الأساسي في أعماله متعدد المصادر، منها المرأة، والمشاعر والأحاسيس المرتبطة بالحب والأمل والحزن، وكل المفاهيم الاجتماعية. يعبر من خلال أعمالة عن لغة تحاول أن توجد من الذاكرة ما هو جميل ويقود إلى مستقبل مشع وجميل.

 

سيرة فنية

ولد الفنان مصطفى علي في اللاذقية عام 1956، وهو يعمل ويعيش في سورية. يُعرف علي بمنهجه الفني المتميز، وقد اقتنيت أعماله من قبل مجموعات خاصة ومجموعات فنية عامة، ومنها متحف الشارقة للفنون، والمتحف الوطني في سورية، والغاليري الوطني في عمان. وضعت مجموعة من منحوتاته في الأماكن العامة، ومنها «بوابة سورية»، وكذلك في إيطاليا. شارك في مجموعة من المعارض، وكان له الكثير من المعارض الفردية في العديد من البلدان، منها سورية، ولبنان، وقطر، والسعودية، ودبي، وسويسرا، وباريس، وكندا ولندن، والبحرين.

نقرأ في كل وجه يقدمه علي حكاية مختلفة، بعضها يعاني الانشطار الذاتي، وبعضها وجوه مقنعة، وبعضها وجوه تبحث عن وجودها ومكانها، لكل وجه قصته وحكايته التي تأخذ حيزها عبر الخشب الذي ينحته بأسلوب حداثي استقى جذوره من حضارة ما بين النهرين. يترك علي بعض الشقوق والآثار على الوجوه، فيما يطلي بعضها الآخر بالألوان، بينما تأتي المادة البراقة التي أدخلت على احد الأعمال إعلاناً صريحاً بوجود مساحة للأمل والحلم وسط كل ما تحمله الحياة من مآسٍ. تشكل أعمال علي دعوة صريحة إلى محاولة اكتشاف الحقيقة البشرية، الإنسان الذي بداخلنا والذي يعيش حالة سعي دائم للبقاء أولاً، ولبقاء الهوية التي تتشكل من خلال الثقافة والتجربة، والحياة والموت، الأنا والآخر. تتضح كل هذه الإشكاليات الوجودية من خلال السطح الذي تحمله الرؤوس الخشب، فهي تحمل خربشات كثيرة، فتبدو كأنها عملية مناقشة أبدية حول امتلاك الإنسان لأفكاره ولما يقوم به. هذه المنحوتات التي تناقش الهوية والانتماء، يجعلها علي منفتحة على حضارات العالم كلها، فيتخطى بذلك الحدود الضيقة لمفهوم الانتماء. كما تحمل أعماله المسافة بين الذاكرة والحاضر، فهي تلم ألم الماضي وتحاصره بفرح الحاضر وأمل المستقبل.

يخرج علي المتلقي من منظومة النظر إلى الجسد كبنية مادية إلى الدخول لأعماقه، فهو يجيد ويتقن نحت الجوهر والمعنى، فيصبح الجسد الإنساني مجرد أداة تعبيرية. هذه الأداة التي يستخدمها علي هي الأداة الصريحة في الإفصاح عن الذات، لذا نجده شديد الحرص على إظهارها بأشكال ورؤى مختلفة. هذه اللغة الجسدية تصبح أكثر صراحة مع المنحوتات البرونزية، إذ إنه إلى جانب الأعمال الخشبية، يحمل المعرض مجموعة من الأعمال البرونزية التي يقدمها الفنان والتي نحتها بين عامي 2011 و2012، وتحمل المنحوتات أجساداً كاملة تبرز الصلابة التي تكونت من خلال الشظايا المتناثرة، الأجساد التي يقدمها أكثر تعبيراً من الوجوه، حيث اللغة الجسدية والحركات التي يفرضها الإيقاع الشكلي.

وقال علي لـ«لإمارات اليوم»، إن «اختياري للمسافة عنواناً للمعرض أتى نتيجة الحالة المتباعدة التي نعيش فيها، التباعد بيني وبين ذاتي، وبيني وبين الآخر، الذي يؤسفني ويحزنني، وأبذل جهدي كي أعيد اللحمة بينها»، وأضاف «الأزمات في المنطقة عموماً أوجدت هذه الحالة، لذا نحن ذاهبون إلى مكان موحش، وعلينا أن نقرب المسافة». واعتبر أن الواقع التعبيري هو النهج الذي يتخذه، فيلعب على السطح من دون أن يدخل في التفاصيل، ما يجعل العمل يدخلنا عمق العمل من دون الدخول في التفاصيل، موضحاً أنه اتجه إلى الخشب في الآونة الأخيرة، نتيجة إحساسه بالحاجة إلى مادة جديدة، فالخشب يعبر عن الألم واللحمة. ورأى أن الفنان يعبر عن واقعه وألمه لكن ليس بالضرورة أن يعكس الواقع، فمنهم من لم يعبروا إطلاقاً عن محيطهم ومنهم من يخزنها وينتج منها في وقت لاحق، ومنهم من يستخدمها بشكل مباشر، وأوضح انه شخصياً لا يشعر بالسعادة بسبب كل ما يحدث في المنطقة، وهذا لابد أن ينعكس على تجربته، وأردف قائلاً «لابد من الأمل ولو كان الأمل نقطة في سواد كبير لابد من أن يوجد، فلا يمكن أن تكون السلبية مطلقة ومسيطرة تماما علي وعلى أعمالي».

 

 

 

تويتر