«اتحاد الكتّاب» يتذكره والإعلان عن مشروع لأرشفة وتوثيق مخطوطاته وأوراقه

أحمد راشد ثانــي.. طفولة الشعر مشاكـسة الحياة

عامان على رحيل الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني. تصوير: نجيب محمد

في أمسية بعيدة عن الرسميات، قريبة من القلب، احتفى فرع اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في أبوظبي، أول من أمس، بمرور عامين على رحيل الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني، بحضور مجموعة من المثقفين الذين قدموا «قراءات منه وقراءات له».

موت الشاعر

قال رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، الشاعر حبيب الصايغ، في كلمته: «ترى لماذا يجسد موت الشاعر الحقيقة أكثر من غيره، أعني أكثر من موت غيره، والموت هو الموت: صياد ماهر، وحبل من الحيل لا يخفي ابتسامته الماكرة، وهو يلتف على رقاب ضحاياه وقلوبهم؟». مضيفاً: «لا بمناسبة موته، لكن بمناسبة حياته يتكدس أحمد راشد ثاني في الذاكرة كالذاكرة، ناحتاً كأنه الأبد، مكانه ومكانته. هذا الشاعر تأكيد مستمر لطفولة الشعر، ولنضوج فكرة الشعر، وهو الآن، الآن خصوصاً، يفرض وجوده الخاص وإلحاحه الخاص، ويرتسم طفلاً أو يكاد. شاباً أو يكاد. تعرفت إليه للمرة الأولى نهاية السبعينات، وزمن الإمارات مقبل، والوعد يشير إلى جهة الوعد، كان شاباً في الـ17 على أبعد تقدير، لكن ملامحه ملامح طفل.


عاشق‭ ‬حقيقي

أشار‭ ‬علي‭ ‬العامري‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬فترة‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المبدع،‭ ‬فكما‭ ‬هناك‭ ‬خيط‭ ‬رفيع‭ ‬بين‭ ‬المبدع‭ ‬وطفولته‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬نزع‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬كتاباته‭ ‬وأعماله،‭ ‬كذلك‭ ‬تعد‭ ‬الجامعة‭ ‬طفولة‭ ‬ثانية‭ ‬أكثر‭ ‬شغباً‭ ‬ونضجاً‭ ‬ومشاكسة‭. ‬وأضاف‭ ‬"كان‭ ‬أحمد‭ ‬حالماً‭ ‬رغم‭ ‬حياته‭ ‬البرية،‭ ‬وروحه‭ ‬المشاكسة،‭ ‬فكان‭ ‬قلبه‭ ‬قلب‭ ‬عاشق‭ ‬حقيقي،‭ ‬لا‭ ‬يجامل‭ ‬ولكنه‭ ‬يحب"‭. ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬راشد‭ ‬بفكرة‭ ‬توثيق‭ ‬التراث‭ ‬الشفاهي‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تنفيذه،‭ ‬لانه‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الهوية‭.‬

 

في بداية الامسية، التي اقيمت بالمقر الجديد للاتحاد في معسكر آل نهيان بجانب جمعية الصحافيين، قال رئيس الهيئة الإدارية لاتحاد الكتّاب فرع أبوظبي محمد المزروعي، انه سيتم في الفترة المقبلة الإعلان عن ما تم في مشروع أرشفة أوراق الراحل بالتعاون مع دار الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، التي تضم 68 صندوقاً من الأوراق المكتوبة بخط يده، والتي تم تصنيفها تصنيفاً عاماً حتى الآن، حسب نوع الأوراق على أن تستكمل بقية الخطوات في الفترة المقبلة. مشيرا إلى ترحيب مدير دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، جمعة القبيسي، بفكرة المشروع، باعتبارها نواة لمشروع مستقبلي يشمل كل الكتاب الإماراتيين حاليا ومستقبلا، وهو جانب ينقص المكتبة الإماراتية.

أكد رئيس قسم الثقافة والمنوعات في جريدة «الإمارات اليوم»، علي العامري، على مكانة أحمد راشد ثاني كشاعر كبير أكد النقاد على فرادة تجربته الشعرية، إلى جانب كونه باحثاً وكاتباً، ونموذجاً للمثقف الذي يشاكس الحياة والحياة تشاكسه، مثنياً على التفات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات إلى اهمية ألا يقتصر الأمر على الرثاء فقط، فأطلق اسم الراحل على إحدى قاعات مقر الاتحاد في الشارقة، وقام بطباعة رواية «عوشان»، وكتاب عن تجربته مع المرض، إلى جانب الاحتفاء بمكتبة أحمد راشد الخاصة والعمل على توثيق ارشيفه وميراثه الإبداعي، وهو أمر مهم يستحق التقدير.

وأشار العامري إلى أن علاقته بالراحل ترجع إلى منتصف الثمانينات، حيث جمعتهما الدراسة في جامعة الإمارات، ومجموعة من المتحمسين للكتابة والإبداع، الذين عملوا على تأسيس المسرح الحر والمرسم الحر في الجامعة، كما كانوا يتبادلون قراءة كتابات بعضهم بعضاً ونقدها بحيادية بعيداً عن التجريح، وهو ما اثمر بعد ذلك في تجاربهم.

وتحت عنوان «مرثية سيد الجياد المتعبة»، قرأ المستشار الإعلامي في السفارة المصرية لدى الإمارات شعيب عبدالفتاح، كلمة رثاء للشاعر الراحل، قال فيها: «لم يكن أمراً عادياً ان يكتب فتى في الصف الثالث الإعدادي مسرحية (جزر الواق واق)، ولكن أحمد راشد ثاني فعلها، وجعل الأمر ممكناً وواقعاً، كان الشفيف في سرد سيرته ومسيرته في كتاب (على الباب موجة)، وكان الرقيق المؤثر في بوحه الوجداني في كتابه (ورقة سرير)، الذي زاوج فيه بين بياض أوراق الكتابة، وبياض سرير المرض، وبياض سريرته النقية التي كانت تستشرف الموت والترحال. فبعد رحلة الحزن النبيل أنهى سيد الجياد المتعبة رسالته، عندما اقترب من الثآليل التي في وجوهنا، حدد الندوب، لامس البثور، ثم قال كلمته وانسحب».

وتساءل رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشاعر حبيب الصايغ، في كلمته: «ترى لماذا يجسد موت الشاعر الحقيقة أكثر من غيره، أعني أكثر من موت غيره، والموت هو الموت: صياد ماهر، وحبل من الحيل لا يخفي ابتسامته الماكرة، وهو يلتف على رقاب ضحاياه وقلوبهم؟». مضيفاً: «لا بمناسبة موته، لكن بمناسبة حياته يتكدس أحمد راشد ثاني في الذاكرة كالذاكرة، ناحتاً كأنه الأبد، مكانه ومكانته. هذا الشاعر تأكيد مستمر لطفولة الشعر، ولنضوج فكرة الشعر، وهو الآن، الآن خصوصاً، يفرض وجوده الخاص وإلحاحه الخاص، ويرتسم طفلاً أو يكاد، شاباً أو يكاد. تعرفت إليه للمرة الأولى نهاية السبعينات، وزمن الإمارات مقبل، والوعد يشير إلى جهة الوعد، كان شاباً في الـ17 على أبعد تقدير، لكن ملامحه ملامح طفل».

وعمد الكاتب محمد المزروعي إلى الحديث عن علاقة أحمد راشد بكتاباته وقراءاته، مشيرا إلى أنه من الصنف الذي وصمته الحياة بأن يكون خطة، منشغلا بإصلاح نفسه ولو عن طريق اهتمام بشيء آخر غيرها. وقال: «لم يجد أحمد من يتبادل معه الاهتمام سوى الأدب والكتابة والقراءة، فقد توزعته مهامه الاطلاعية بنهم، على التاريخ والدين من منحاه الفكري، وعلى التوصيف والفلسفة وعلم الاجتماع والنظرية السياسية والمسرح والرواية والشعر الشعبي والقصة والنقد.. لا أريد أن يفهم من ذلك أنني أجعل منه شخصاً موسوعياً، أو أن أمجد شيئاً ما فيه يميزه عن فئة أخرى، إنما قصدت الإشارة إلى حالة التمحيص التي عاشها من خلال تعدد الانشغالات». ورغم ان أحمد راشد لم يتوفر على طرح نظري يشغله خطيا، ويراكم عليه انشغالاته، إلا انه، بحسب ما اشار المزروعي، وبدأب التمحيص كان يستكين لتشظيه المعرفي، وقد كتب بلهجة المكان شعراً يقفز على المقتنيات الشعرية محلياً، ومسرحاً يستبطن بسبق إسرار وتثوير القيم الاجتماعية المنكفئة على مفاهيمها الانغلاقية، مقابل ادعاء بحداثة المجتمع الآن.


«حبيبتي الجزائر»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/987575%20(1).jpg

 

تناول الكاتب والإعلامي الجزائري خالد عمر بن ققه، كتاب أحمد راشد ثاني «حبيبتي الجزائر»، جازماً أن الكتاب يمسّ الجزائريين حتى النخاع، «ويطرح أسئلة لم نتجرأ على طرحها، وأجاب فيه عن أسئلة لم نعرف لها إجابات، وطرح أسئلة أخرى محظورة لم يلتزم هو بهذا الحظر». وذكر بن ققه ان ما يميز الكتاب الذي انجزه رشاد عن زيارته للجزائر في 2007، لتلبية دعوة للمشاركة في احتفالات اليوم الوطني الجزائري، بإلقاء عدد من قصائده، هو تخليه عن الرسميات، وعودته إلى الطبقة الشعبية، وجمعه بين الجدل والهزل، محاولا طرح اسئلة وايجاد اجابات لأمور ربما لا يلتفت إليها المقيم في المكان لاعتياده عليها.

تشظيات العزلة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/987575%20(2).jpg

 

قال محمد المزروعي «كتب أحمد راشد ثاني الشعر الفصيح تفعيلة ونثراً، ودخل في البحث من أبواب الشعر الشعبي، فشغلته جدلية المشافهة والكتابة، وتنطوي مقالاته الصحافية على الانشغال بشخصيات محلية قديمة وحديثة، وثيمات اصلاحية تقترح على المؤسسة الاجتماعية الانتباه للإهدار البشري والزمني والمالي.

تويتر