اعتبروا الهجوم على الجائزة «أحكاماً متسرعة»

كُتّاب «البوكر»: ارتباط العمل الإبداعي بالـســيـاسة يسقطه

السنعوسي يتلقى تهنئة حارة من والدته بعد إعلان فوزه بجائزة البوكر أمس. تصوير: إريك ارازاس

قال الكتاب الستة الذين وصلت أعمالهم إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» ‬2013، ان الكتابة الروائية تختلف عن الكتابة السياسية، لكنها في الوقت نفسه لا تخلو من السياسة في ما تصرح به، أو حتى في ما لا تتطرق إليه، في المقابل عندما يتحول العمل الإبداعي إلى منصة سياسية لابد أن يسقط. منتقدين اطلاق الأحكام على الروايات التي ترشحت بناء على افتراضيات اشكالية من دون قراءة الروايات. وأشاروا إلى أن «البوكر»، وغيرها من الجوائز المماثلة، حركت المياه الراكدة في مجال الكتابة الروائية والنشر كذلك.

وقال الكاتب والروائي، إبراهيم عيسى، صاحب رواية «مولانا»، إن الرواية هي في المقام عمل فني يجب أن يخاطب الوجدان قبل العقل، ثم ينتقل تأثيرها من القلب إلى العقل، وإلا تكون عملاً أكاديمياً بحثياً، لافتاً إلى انه خلال كتابة الرواية لا ينشغل بالرسائل المتضمنة في النص بقدر انشغاله بفنية النص وبما يحمل من أفكار.

كشف المستور

رواية «ساق البامبو» تخطف «بوكر العرب»

أعلن مساء أمس، عن فوز رواية«ساق البامبو» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي بالجائزة العالمية للرواية العربية في عامها السادس. وجرى الإعلان عن اسم الفائز على لسان رئيس هيئة التحكيم لهذا العام، الكاتب والأكاديمي المصري، جلال أمين، في مناسبة خاصة بالجائزة في أبوظبي،و إلى جانب القيمة المادية للجائزة البالغة ‬50 ألف دولار، فإنها تضمن للفائز ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى زيادة المبيعات، وذيوع صيته عالمياً.

واختيرت رواية «رواية«ساق البامبو» باعتبارها الأفضل من بين الأعمال الروائية المنشورة في فترة ‬12 شهراً الماضية، وتم اختيارها من بين ‬133 رواية تقدمت للتنافس على الجائزة من كل أنحاء العالم العربي.وبالإضافة إلى الفائز، تم أيضاً في الاحتفال الذي حضره الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تكريم الروائيين الخمسة الآخرين الذين وصلوا إلى قائمة الروايات الست النهائية. ويُذكر أن كلاً من الكُتّاب الستة، بمن فيهم الفائز، ينال مبلغ ‬10 آلاف دولار. ويُشار إلى أن الأسماء الستة للقائمة القصيرة كانت قد أُعلنت في شهر يناير الماضي في تونس عبر هيئة تحكيم من الأكاديميين والشخصيات الثقافية، التي تتكون من كل من جلال أمين رئيساً، والناقد والأكاديمي اللبناني صبحي البستاني، وعلي فرزات رئيس اتحاد رسامي الكاريكاتير العرب وصاحب ورئيس تحرير الجريدة السورية اليومية المستقلة «الدومري»، والأكاديمية أستاذة الأدب العربي بكلية الآداب بالجامعة الياغولانية في كراكوف، البولندية باربرا ميخالك-بيكولسكا، وأستاذة الأدب العربي ودراسة النوع بجامعة مانشستر، زاهية إسماعيل صالحي. وتحظى الجائزة بدعم «مؤسسة جائزة بوكر» في لندن وترعاها وتدعمها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في أبوظبي، ويمثل عام ‬2013 السنة الأولى لاضطلاع الهيئة بدورها الجديد داعماً للجائزة.

وأشار عيسى، خلال اللقاء الإعلامي الذي نظمته هيئة ابوظبي للسياحة والثقافة، مساء أول من أمس، للكتاب الستة في المركز الثقافي بالمسرح الوطني في أبوظبي، وأدارته الكاتبة جومانة حداد، إلى أنها تحاول تقديم الحقيقة، أو ما يعتقد انه الحقيقة، للقارئ، فهي تأخذ بيد قارئها إلى ما وراء الستار في حياة دعاة الفضائيات، وتسرد له الوقائع حتى يدرك ان المشهد مصنوع، وإذا ما اقتنع بالرواية يقوده الاقتناع إلى درجة الوعي بحقيقة ما يدور حوله، موضحاً أن قارئ الرواية لا علاقة له بمشاهد التلفزيون، فغالباً مشاهد التلفزيون لا يقرأ، ويتعامل مع المعلومات والآراء باعتبارها وجبة خفيفة عابرة ربما لا تستقر في ذهنه، بينما الرواية عمل فني متجرد بذاته وخالد في ذهنية القارئ.

أزمات إنسانية

أكد الكاتب السعودي، محمد حسن علوان، صاحب «القندس»، على دور «البوكر» وما يحيط بها من اهتمام اعلامي، وبغيرها من الجوائز الروائية في تحريك المياه الراكدة، وتزايد الإنتاج الروائي في العالم العربي، كما أسهمت في تسليط الضوء على الرواية بوصفها حدثاً ناعماً، معتبراً أن توجه بعض الكتاب للكتابة وفي ذهنهم المشاركة في الجوائز الروائية أمر مشروع، فالكاتب انسان لديه طموح وتطلعات، ولا يجب أن يكون متخلياً عن جميع الرغبات الإنسانية. وأضاف: «ليس بالضرورة ان يكون وراء كل عمل فني هدف نبيل، لكن بشكل عام ليس لدي مشكلة مع النيات طالما كانت النتيجة عملاً مؤثراً حتى لو كانت نيات شيطانية».

وأفاد علوان بأن الرقابة الكلاسيكية تجاوزها كثير من الكتاب الذين يكتبون بشكل جاد، لكن تظل المشكلة في الرقيب الذاتي الذي انعجن مع جينات الكاتب نفسه خلال نشأته، ويحاول الكاتب خلال الكتابة ان يعاند هذا الرقيب، أو أن يخضع لهذا الرقيب بشكل غير واعٍ، لافتاً إلى ان كتاباً كثيرين يعتقدون أن الكتابة من خارج المجتمع هي أسرع وأسهل وصفة للهرب من الرقيب.

وأوضح صاحب «القندس» ان محور روايته كان مجتمع الرياض وعائلاتها من خلال عائلة (غالب) بأجيالها الثلاثة، لكن المشكلات والأزمات التي يتعرض لها العمل أزمات انسانية عالمية، وما عاناه (غالب) من تفكك اسرته وعجزه عن إنجاز ما يعتبره المجتمع إنجازاً، هي في الواقع ازمات انسانية يواجهها كثير من الأشخاص في مجتمعات مختلفة، فالأطار المحلي لا يعني بالضرورة أن الأزمات محلية أو داخلية.

تصنيف مرفوض

رفضت الكاتبة اللبنانية، جنى فواز الحسن، صاحبة رواية «أنا.. هي والأخريات» تصنيف الكتابة النسوية، مشيرة إلى أن المرأة في روايتها لم تكن مجرد أنثى، لكنها كانت الوسيلة الأضعف التي يمكن ان تستعملها السلطة بشكل أسرع وأسهل لإخضاع المجتمع. وكما كانت المرأة خاضعة في الرواية لهيمنة الرجل، كان الرجل يعاني سلطة ما في مكان آخر.

وقالت: «لا أكتب للمرأة أو عنها فقط، ولكني اكتب للإنسان أولاً وأخيراً، ذلك الإنسان الذي يكمن في المرأة كما يكمن في الرجل، ويعاني بداخل كل منهما، كما اكتب للمشترك بينهما، وإن كنت لا أعتبر الكتابة عن المرأة عيباً، لكني أجد أن تصنيف الأدب النسائي مصطلحاً يحمل تحقيراً للمرأة وتهميشاً لها، ومع اعترافي بأن تفاعل المرأة مع المجتمع ليس متاحاً بالقدر نفسه المتاح للرجل، بما قد يؤثر في كتاباتها، وقد يصنع بداخلها حالة كبت تولد نوعاً من الأدب لا يتعدى الانفعالات، لكن مع الوقت بدأت المرأة تخرج من هذه القوقعة، فهي ليست مجرد كيان نسوي، لكنها كيان انساني متصل بالواقع ويحاول تقديم نظرة مختلفة».

قسوة

اعترف الكاتب الكويتي، سعود السنعوسي، بأنه كان قاسياً في روايته «ساق البامبو»، ولكنها قسوة المحب، بحسب ما أشار، مضيفاً: «تقديم أغنية وطنية لا يعني بالضرورة حبي للوطن، ولذلك لم أكن أريد أن أغني لوطني، والقسوة هنا كانت ضرورية جداً حتى أواجه أغلبية مجتمعي بحقيقته التي يعرفها، وأعترف بأنني أثناء كتابة الرواية حين تقمصت شخصية (هوزيه) شعرت بأن هناك خللاً حقيقياً في المجتمع، فكانت مواجهة للنفس، وبقدر ما تألمت أحببت ان اشرك القارئ في هذه المواجهة، وانا اتفهم ان انزعاج البعض من الرواية مصدره وضع المجتمع أمام المرآة لكشف الذات».

كتابات مسيلة للدموع

الكاتب التونسي، حسين الواد، الذي تميزت روايته «سعادته السيد الوزير» بحس فكاهي مميز؛ اعتبر ان الضحك موقف فلسفي تجاه الواقع، وهو سلوك انساني بحت، ومن خلاله يمكن تمرير ما لا يمكن تمريره، لافتاً إلى أن التراث العربي زاخر بالفكاهة بداية من الجاحظ ومروراً بالعديد من الأسماء المعروفة، مضيفاً: «يبدو أننا شغلنا بالكثير من الجد حتى أصبحت كتاباتنا مسيلة للدموع».

أحكام سريعة

انتقد صاحب «يا مريم»، الكاتب العراقي سنان أنطوان، إطلاق بعض الإعلاميين الأحكام على الروايات المرشحة في جائزة «البوكر»، من دون حتى قراءة هذه الروايات، وما تردد عن انحياز الجائزة للشباب، وهي احكام كتبت بسرعة بافتراضيات اشكالية، وكان الهدف من الجوائز هو تكرار وترسيخ أسماء بعينها بشكل عام، معبراً عن أمله ألا يتكرر الأمر نفسه مع الفائزين في الدورات المقبلة.

وعن العلاقة بين العمل الفني والسياسة؛ قال انطون ان العمل الإبداعي عندما يصبح منصة سياسية يسقط «لكن في المقابل لابد أن نتعامل مع السياسة من مفهوم أكثر تعقيداً، فهي صراع بين السلطة والمجتمع، موجود في كل حادثة تحدث، وكل مكان في المجتمع». وعن«يا مريم» قال: «الأمر لا يرتبط بالتشاؤم أو التفاؤل، لكنه غوص في الواقع في العراق مهما كانت درجة مأساويته، حيث نجد أن هناك اليوم ما يقرب من مليون أرملة وأربعة ملايين يتيم، فأحياناً يصبح التشاؤم ترفاً لدى بشر على هذا الكوكب يعيشون واقعاً مثل هذا، أما في ما يتعلق بتفجير الكنيسة في الرواية، فهو يربط بين الواقع المتخيل في الرواية وما يحدث في الشارع العراقي، حيث تقع التفجيرات يومياً في الكنائس والمساجد وكل مكان».

تويتر