كتبهم تظهر بعد ندرة وقلة موهبة وتشويه

المعاقون يستعيدون حقوقهم

الكتب الخاصة بالمعاقين تشهداً نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. غيتي

بات الاتجاه السائد في أدب الطفل حالياً، هو الكتابة لذوي الاعاقة، إذ لم يعد هناك الكثير من العقبات والتحديات الجوهرية التي تواجه الكاتب، خصوصاً أن دمج المعاقين (الاعتراض على تلك التسمية)، بات موجوداً في مجالات المجتمع كافة، فما عادت تلك النظرة التشاؤمية والمأساوية تلوح في الأفق.

ولأن التعلم والقراءة حق واجب لكل طفل، فكيف بالطفل المعاق، الذي يحتاج إلى استعادة كثير من الحقوق المسلوبة منه بحجة الاعاقة، إذ إن القراءة والكتابة له حق وليس تكرماً أو شفقة أو عطفاً، لذلك خصص مؤتمر المجلس الدولي لكتب اليافعين الأول لمنطقة آسيا الوسطى وشمال إفريقيا جلسة خاصة بكتب ذوي الإعاقة، تحت عنوان «لكل طفل حق بأن يصبح قارئاً»، كذلك جلسة حول الحوار بين الثقافات وتقبل الاختلاف في كتب الأطفال.

تنوع

وتناولت المؤلفة والناشطة في حقوق ذوي الإعاقة ندى بركات خواجة «تعزيز التنوّع في كتب الأطفال الدامجة»، على اعتبار ان المعاقين هم فئات منتجة أيضاً ومن حقهم أن يتمتعوا بالقراءة كحق واجب، إذ يجب على المجتمع الابتعاد عن النظر إليهم على أنهم أقل شأناً من أقرانهم الأسوياء، وتالياً تجاهلهم وعدم الاهتمام بهم وأخذهم على محمل الجد، وإعادة النظر في تصويرهم تصويراً إيجابياً.

وأكدت خواجة أن كتب الأطفال من ذوي الاعاقة يجب أن تتناول نصوصاً وطبيعة تتناسب مع قدراتهم، إذ يجب تصوير هذه الفئة بطريقة ايجابية عن طريق استخدام المفردات والرسوم المناسبة التي تكسبهم المزيد من الاحترام، لاسيما أهمية الابتعاد عن المفردات والاصطلاحات القديمة التي تصف تلك الإعاقة مثل «الطفل المنغولي» الذي يفترض أن يطلق عليه «الطفل الذي يعاني متلازمة داون».

وتابعت أن «كتب الأطفال أسهمت في تشويه صورة المعاق من خلال ربطهم بالشخصيات الشريرة وتلك المنبوذة من المجتمع، خصوصاً أن هناك كتباً تصور الحالة بشكل مبالغ فيه من خلال النص والرسومات التي غالباً ما تصور المعاق في صورة الحزين والانطوائي والمريض، إذ يجب أن تصور المعاناة وتجاوزها وإظهار الاعاقة بصورة مبسطة، مع توضيح الفرق بصورة ايجابية، كما يجب عدم اظهار المعاق على أنه طفل خارج السيطرة، لأن سوء التصرف عمل مكتسب ولا دخل للإعاقة به، لاسيما أن المعاق قادر على التعلم والتمييز».

‬44 كتاباً

وكشفت الباحثة وعضو اللجنة التنفيذية في المجلس الايراني لكتب اليافعين سحر ترهنده، أنه طوال الـ‬50 عاماً الماضية تبين أن ايران أصدرت نحو ‬44 كتاباً لذوي الاعاقات، وهذا الرقم لا يمكن أن يقارن بالكتب التي تصدر في العالم وإن تشابهت مع إجمالي ما يصدر في دول الجوار، والغريب أن تلك الكتب رغم محدوديتها فإن معظمها مترجم للغة الفارسية من لغات أخرى.

وتابعت أنه «رغم أن الفنانين الايرانيين معروفون بجودتهم في الرسم، فإن الـ‬44 كتاباً الصادرة يعاني معظمها أخطاء فادحة في الرسومات التي أظهرت شخصيات معاقة على أنها مريضة وحزينة، فضلاً عن تصويرهم بأشكال منفرة تميل إلى البشاعة الظاهرة، إضافة إلى عدم توظيف استخدام لغة الاشارة في تلك القصص التي يكون أبطالها من ذوي الاعاقة السمعية»، لافتة إلى أن «نظراً لعدم وجود رسامين جيدين، وأقصد ليس من الناحية التقنية إنما من ناحية التعمق في فهم تلك الاعاقات، باتت قصص الأطفال ذات سطحية واضحة في الرسوم، الأمر الذي يعكس عدم دراية الرسام بحالة المعاق، إذ يرسم المعاق بصرياً بشكل واحد وهو طفل يلبس نظارة سوداء أو ذو عيون مغلقة، والبعض الآخر يرسمها عيوناً بيضاء، أما المعاق ذهنياً فلا يصور بشكل واضح، إنما يرسم بصورة الطفل القبيح، الأهم من ذلك ألا يصور المعاق على أنه بطل خارق أو مسخ يثير الشفقة».

وأوضحت أن «التعاطي الخاطئ في النظر إلى المعاقين داخل المجتمع من خلال أدب الطفل، قد يسهم في إحداث خلل في أدب الطفل، خصوصاً أن هذا الأدب يفترض أن يقوم بعملية تغيير عكسية في تعزيز دعم الأطفال المعاقين، انسجاماً مع الاتجاه العالمي الذي يخطو خطوات متسارعة باتجاه التقدم في المجال التشريعي الخاص بالمعاقين، وتحقيق العديد من التسهيلات الأخرى المتعلقة بحياتهم اليومية، إضافة الى منحهم المزيد من الحرية وتوفير فرص العمل، وإشباع وتلبية الحصول على المعلومة وتشجيع الثقافة من خلال الأدب».

كتاب الكفيف

وأقيمت ورشة عمل تخصصت في مناقشة واقع كتب ذوي الإعاقة، إذ قدم المؤلف والناشر الفرنسي فيليب كلوديه ورقة بعنوان «صور يلتمسها المكفوفون.. تحدٍ يواجه المبصرين»، تطرق خلالها الى شرح تقنية «تيك تايل» الخاصة بكتب الأطفال ذوي الإعاقة البصرية، وهي تقنية تعتمد على وضع أطر مرجعية لمعنى الكتب المصورة، بالنظر لاختلاف ثقافة فهم الأمور بين الطفل المعاق بصرياً والطفل الطبيعي، ولتعميق ايصال الفكرة بشكل اكثر قربًا له وأهمية العمل والانتباه لذلك، واعتبر كلوديه أنه ليس عيباً أن يولد الإنسان كفيفاً، إنما العيب ألا تكون هناك كتب معينة تخاطبه، وهذا مؤشر معيب في الثقافة من حيث الإطار العام.

في المقابل قدم الرسام التونسي رؤوف الكرادي تجربته في التعاطي مع كتب المكفوفين، إذ حاول من خلال جمعيات عدة خلق حال من التواصل مع الأطفال ذوي الإعاقة بين بعضهم من جهة، وبينهم وبين المجتمع من جهة أخرى، وصنع ادوات تعليمية بجهد ذاتي وذلك لغلاء أسعارها، لافتاً إلى أنه بصدد إنتاج كتابين باللغة العربية من ناحية المحتوى، على أن يكون الكتاب والنص والرسم من انتاج العالم العربي، كما عمل على تعميم التجربة من خلال دعوة المعنيين للاستفادة من ورش العمل لتوسيع مساحة الفائدة وتطوير التجربة.

وركزت الخبيرة التربوية والمدربة المصرية نادية أديب في تجربتها بعنوان«كتابة قصصي الخاصة»، على أهمية الانتباه الى معايير كتب ذوي الإعاقة البصرية من خلال العمل على إيجاد الكتاب المناسب للسن المناسب، وان تكون الصور منسجمة مع الواقع من حيث الطول والعرض والحجم، وعدم إغراق الصفحة بالتفاصيل حتى لا تتسبب في تشوش وتشتت الطفل، فضلاً عن أهمية أن تكون الألوان واضحة ومنسجمة مع الطبيعة.

وحول شروط الكتابة لفئة الإعاقة الذهنية، أوضحت أديب «لابد أن تكون الحروف كبيرة عن المعتاد في الكتب المطبوعة، وأن تكون هناك فواصل بين الكلمات، وفواصل أخرى بين السطور، والانتباه الى استخدام لغة بسيطة، والأخذ برأي الطفل في العادة في ما يحب ويتذوق وعدم إجباره على رأي محدد، الأمر الذي قد يتسبب في قتل ملكة الخيال والإبداع لديه».

كلمة عنصرية

أما الجلسة الثانية التي تناولت الحوار بين الثقافات وتقبل الاختلاف في كتب الأطفال، وأدارتها الأديبة والمؤلفة صالحة غابش، فقد تطرقت خلالها المؤلفة أمل فرح إلى أن قبول الآخر كلمة عنصرية وليست معبرة، لذلك يجب أن نختار كلمة «تواصل مع الآخر» وليس «قبول الآخر». وأكدت أن «هناك منافسة بين الجميع في مجال الأدب وتحديداً أدب الطفل، والأدب العربي بريء من رفض الآخر، لكن هل الآخر يتقبل العربي وأفكاره، لاسيما أن العالم العربي مملوء بالمبدعين؟ إلا أن أجهزة الاعلام حريصة على سياده الغربي على حساب العربي». وقالت المؤلفة والباحثة اللبنانية الدكتورة فادية حطيط، إن «مشكلة كتب الطفل العربي أنها تدور حول (الأنا) الثقافية العربية الأصيلة، ولا تهتم بالخروج الى الآخر الذي ربما يكون عربياً من قطر آخر، والمشكلة الأكبر ان الآخر في ثقافة الطفل العربي ليس أكثر من شيء يهدد الهوية والوجود والكيان الثقافي، وأن بناء تواصل حقيقي مع الآخر يستلزم حل هذه الإشكالات في كتب الطفل بالدرجة الأساسية للحصول على نتائج إيجابية تعزز التواصل مستقبلاً مع الآخر»، لافتة إلى أن «كتب الأدب الغربي المخصصة للأطفال، تطرح موضوع الآخر العربي، وتناقش قضاياه، ولا تكتفي بمجتمعاته، بل تنفتح على الآخر، في المقابل فإن تمثيل الآخر في الأدب العربي ضعيف، إذ عوضاً عن التوسع على المدى البعيد بات التمثيل في الأدب العربي يغوص في إبراز الثقافات في الداخل».

تويتر