تضمنت فنوناً مادية وشفهية وفق حاجات إنسـانية

«دريشة» مفتوح عـلى الفنون البدائية

الحاجات الإنسانية الماضية تنتقل لتصبح تميزاً وتراثا. . تصوير: تشاندرا بالان

هناك علاقة ارتباطية بين التراث والفنون البدائية للإنسان في جميع انحاء العالم، سواء كانت تلك الفنون شفهية أو مادية ملموسة، إذ إن الإنسان في الماضي وعلى مر العصور اكتسب معارفه وصنع ادواته بناء على تلك المكتسبات البيئية في محاولة منه لحماية جسده من العدو، خصوصاً الحيوانات، واعتماده على نفسه في تأمين مأكله ومشربه، فكان لابد له من أن يصمم أدواته، مثل الحراب والسهام والملابس والمسكن.

ولا تتوقف تلك العلاقة بل تستمر منذ ولادة الانسان وحتى نهايته الحتمية، إذ يذهب إلى القبر أو المدفن ومعه فنونه من الأدوات والحلي، وبطبيعة الحال هذا ينطبق على الحضارات كافة، منها الفرعونية والبابلية وحتى ظهور الإسلام، حيث إن الاختلاف في الأديان والمذاهب وتلاها التباين بين الشعوب والقبائل، خصوصاً المتنقلة، مثل البدو الرحل ورحلات المغوليين وانتقالهم من مكان إلى آخر، والتنقلات التي صاحبت الحضارة الإسلامية وتجوالها في الجزيرة العربية، تحديداً بين الخليج العربي والبحر الأحمر والبحر المتوسط، وجنوباً اليمن.

إذ خلفت تلك التنقلات والحضارات سيرة تراثية ضخمة، وفق الدكتور محمد يوسف الذي ناقش العلاقة بين التراث والفنون البدائية، في مقهى «دريشة» المقام ضمن برنامج إدارة الشؤون الثقافية المصاحب لمهرجان أيام الشارقة التراثية، موضحاً أن تلك التنقلات ضمت الكثير من الاختلافات في اللهجات والألوان والملابس وتصاميم البيوت، والتي عادة ما تميل الى الثابت والمتحرك في التنقل من مكان إلى آخر.

مادية وشفهية

دراسة التراث

لعبت الفنون البدائية في الإمارات دوراً مهماً في تثبيت هذا المفهوم المادي والشفاهي، وهي خاصية علاقة الإنسان بالأرض والتمسك بها، من خلال تداول بعض الكلمات والقصائد والتي يعبر عنها وينشدها المشاركون بفن العيالة أو الحربية، إضافة إلى الونّة ونهمات أهل البحر في الغوص وأثناء التجديف ورفع الشراع، كما هو معروف بفن الأنديما ورقص البحارة على ظهر السفينة.

وتابع أن «حكايات الأطفال وخراريفهم في مجال عزز ارتباط الإنسان بأساطير الأولين، مع انتماء هذه الفنون الروائية إلى العالمية وإن اختلفت مسمياتها، ولكنها مرتبطة بالتراث الإنساني، فأغاني الاطفال بالمهد مثل المهاواة وتقاربها في الخليج تعطي القصص نفسها في التاريخ الإنساني لدى الشعوب الأولى مع اختلاف البيئات». وأوصى يوسف في ختام بحثه بأهمية أن تقام دراسة للفنون البدائية، ورصدها كمصدر للتراث من أجل الترابط الإنساني والتماسك بين الشعوب وتدريس الأزياء الشعبية بألوانها في الجامعات وعمل أبحاث عليها، إضافة إلى إعادة دراسة المناهج الوطنية في سبيل حماية الأرض والتراث والفنون على مر الأيام للأجيال القادمة، وتضمين برامج تراثية تؤكد على الفنون الإنسانية البدائية بشكل رسمي بعيداً عن عنصر التسطيح التجاري.

أكد يوسف أن «تلك الحضارات وفنونها لم تذهب أدراج الرياح، بل بقيت آثارها موجودة، سواء المادية والشفهية، على اعتبار الفنون إرثاً حضارياً مادياً على شكل مبانٍ وملابس وأدوات ومصوغات وأوانٍ، أو شفهية مرتبطة بالأغاني والموسيقى والشعر والأدب والقصة والحكاية الشعبية والإيقاعات وحكايات الأطفال إلى آخر الفنون الإنسانية المعروفة، التي تعد الوسيلة الترفيهية الوحيدة».

وتابع أن «تلك الفنون قد تغير من حالتها ولغتها، ولكن محورها هو الإنسان والطبيعة، وفي الحقيقة يتبادر إلى الذهن سؤال آخر، هل هذه الفنون وجدت لتكون فنوناً منذ بدايتها؟ أم أن الباحثين والمتتبعين اعتبروها تراثاً، خصوصا فيما لو عرفنا أنها مرتبطة بالحاجة الاستهلاكية البحتة، ولأيماننا الكامل بأن كل موروث هو ناتج حاجة الإنسان له، ومع الوقت تطورت هذه الحاجة واصبحت متوافرة وسهل الحصول عليها، لكنها أصبحت تراثاً مادياً وشفهياً، لذلك هي الحاجة أوصلتها إلى التراث حالياً».

لافتاً إلى أن «إنسان الغابة والصحراء والبحر، فكروا كثيراً في تحقيق الأمن من الطبيعة من خلال أوراق الأشجار والقماش والجلود، وتلوين جسده للتمويه بألوان تساعده على اصطياد فريسته، ومعها تطورت فنون البراقع والأقنعة الرجالية والنسائية، وبالتالي تحولت الحاجة الاستهلاكية الجمالية، لتصبح تراثاً في الوقت الحالي».

حاجات إنسانية

وأكد يوسف أن «وجود الأواني الفخارية وألوانها وتصميمها وزخرفتها أعطى الكثير من الدلالات عن المراحل الزمنية وإن كانت بدائية، ولكنها وجدت بتلقائية خطوطها الأولية البدائية، ويمكن أن تميز عصراً وقرناً في مرحلة زمنية، كما أن انتقال هذه الأواني إلى القبور والمدافن لإيمان السابقين بالحياة بعد الموت، منحها دلالات أخرى، والتركيز على الأواني والفخاريات والحلي مع الوقت انتقل لتصبح الخطوط والنقوش جزءاً من التراث يتبادله الناس على أساس الموضة وتصاميم تراثية، كما هي حاجة الناس للتميز».

وأشار يوسف إلى أن «الحاجات الانسانية الماضية تنتقل لتصبح تميزاً وتراثاً، منها نقوش جدران المقابر الفرعونية القديمة التي نتجت عنها رسومات وخطوط وأشكال ونقوش، انتقلت من جدران الكهوف إلى القماش والخيم والبيوت والقصور الملكية، لذلك هي ابتدأت كحاجة اجتماعية ودينية لتصبح الآن تراثاً يتداول في كثير من الدول، وبتسلل المراحل ارتبط ذلك الموروث بالجانب الثقافي لتلك المناطق».

وظهر كذلك التطور في صناعة السجاد في العالم، وأصبحت هذه السجادات نوعاً من التراث، خصوصاً مع ارتفاع سعرها باعتبارها صناعة تراثية يدوية، إذ تمثل تواصلاً مع الفنون البدائية حتى اصبحت صناعة تراثية مع وجدانية صانعها، سواء امرأة أو رجل، وكثيراً ما نقلت حكايات القبائل والملوك، والتي تصور لنا الصيد والفروسية، كما هو الحال في الجداريات والمعلقات، ويسبق ذلك صناعة الإنسان الأول لملابسه، وعادة ما تكون من جلود الحيوانات والزواحف، واستمر تطورها، ومع اكتشاف الآلات وانتشار المصانع أصبحت هذه القطع الأصلية التي صنعت يدوياً تراثاً مادياً يحاول الكثير تقليدها لارتفاع أسعارها.

تويتر