نعاه اتحاد الكتاب ومؤسسـات وشخصــيـــات ثقافية محلية وعربية

أحمد راشد ثاني.. توقف قلب الشاعر

صورة

بعد أن عانى كثيراً، توقف القلب العليل، استسلم أخيراً بعد صراع طويل مع المرض والألم ومرارات الحياة، معلناً فجأة غياب أحمد راشد ثاني، الذي توفي ظهر أمس في أبوظبي عن عمر يناهز الـ50 عاماً، تاركاً في قلوب محبيه وأصدقائه صدى ضحكته البشوشة المليئة بالأمل والحياة، والتي كانت سلاحه الوحيد في مواجهة ما يعانيه من آلام. وفور إعلان خبر وفاته، تناقلت المواقع الالكترونية والمنتديات الادبية والثقافية الخبر، وامتلأت صفحات محبيه وأصدقائه على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بالدعوات له بأن يتغمده الله برحمته ويسكنه فسيح جناته. وعبر عدد كبير من المثقفين والشعراء العرب عن مشاعر الحزن والخسارة لشخصية إبداعية اتسمت بالخصوصية.

في سطور:

يعد الشاعر أحمد راشد ثاني أحد أبرز الشعراء المجددين على الساحة الشعرية في الإمارات، وهو أيضاً باحث له العديد من البحوث في التراث المحلي والنصوص المسرحية. ولد ثاني في مدينة خورفكان بإمارة الشارقة عام ،1963 وبدأ كتابة الشعر في أواخر السبعينات. خرج ثاني من خورفكان في بداية حياته، ليظل سنوات على صلة بالشعر والمسرح والبحث من دون توقف، وفي الشعر تحديداً أصبح خياره في تجارب لاحقة خيار قصيدة النثر، ويمتلك رؤية نقدية لكل شيء حوله، بجانب تجاربه في الكتابة للمسرح. أصدر الشاعر في عام 1981 كتيباً شعرياً باللهجة المحلية، ثم أعاد نشره في التسعينات تحت عنوان «يالماكل خنيزي.. ويالخارف ذهب!». تواصلت بعدها إصداراته الشعرية، منها: «حافة الغرق»، و«جلوس الصباح على البحر»، و«يأتي الليل ويأخذني»، و«السلام عليك أيها البحر»، وقد تُرجمت بعض قصائده إلى الفرنسية والألمانية، كما اهتم بجمع التراث الشفاهي وتدوينه، وكان يرى أن منطقة الجزيرة العربية تطفو على كنز من التراث الشفاهي.

أمس انتهت معاناة أحمد راشد من مساءات عديدة قضاها من قبل في غرف «العناية المركزة»، على فترات متقطعة، تلك المساءات التي وصفها متسائلاً: «أي مساء ذاك الذي يعيشه المريض وحيداً مع نفسه أو في نفسه؟ أي مساء بليد وشوكي ومائع وقارص وأجوف ذاك الذي يقيضه هذا المساء؟ مساء بلا يوم، بلا صباح، بلا ظهيرة، بلا ليل، بلا حياة، بلا موت، بلا شيء، مساء تعيشه أنابيب رصد نبضات القلب وقياسات الضغط، تشهده الممرضات، وتتفاعل معه أسرة الأرقين أو المتوجعين من الممرضين، مساء تقضي فيه النوافذ والمرايا والأبواب والكراسي سنوات التقاعد، ويعم غرفته سكون خارج للتو أو عائد إلى المقابر». الصراع الطويل الذي خاضه الشاعر مع المرض جعله يتصالح مع أعراض مرضه، وأن يجعلها موضوعاً للكتابة، خصوصاً بعد ان بات يعرفها جيداً، «انتفاخ في القدم، ضيق في التنفس، انقباض في عضلة الكتف، كل هذه الأعراض أو بعضها، إضافة إلى أعراض أخرى، أو من دون إضافة، تجعلني أقرر في لحظة من الليل أو النهار الذهاب إلى المستشفى، أقصد قسم الطوارئ، وأقول أول ما أدخل لمن يسألني، كما لو أنه تعريف بجنسي: أنا مريض بالقلب، وإذا ما سئلت عن الأعراض فسأذكر عرضين أو ثلاثة فتركض نحوي الممرضة بالكرسي المتحرك، وما ان تضع حول يدي ورقة بالاسم والرقم الصحي حتى تهرول بي نحو السرير، حيث ستعشعش على ظهر يدي إبرة (المغذي) المفتوحة، ويمتلئ صدري ببقع رصد نبضات القلب الزرقاء، ويقتحم أنفي إنبوبا الأوكسجين كإطفائيين يكافحان حريقاً».

وأصدر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بياناً نعى فيه الراحل، جاء فيه: «ببالغ الحزن وعميق الأسى، ينعى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ابناً من أبناء الإمارات الذين حملوا لواء الريادة في مجال الأدب، وأديباً من أدبائها الذين رفعوا راية التفرد، وروائياً من رواتها الذين حازوا قصب السبق، ومبدعاً من مبدعيها الذين تشربوا حب وطنهم فأخلصوا له، وحملوه بين حنايا قلوبهم، وتلافيف عقولهم، الأديب الإنسان، أحمد راشد ثاني، رحمه الله وجعل الجنة مثواه، الذي وافته المنية إثر مرض لم يمهله».

وأضاف البيان «يعبر رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عن خسارة الاتحاد، وخسارة الإمارات واحداً من مؤسسي اتحاد الكتاب الذين أعطوا الكثير، ولم يطلبوا شيئاً، بل ولم ينتظروا شيئاً، وكان من السباقين في السعي نحو رفع راية وطنه في مجالات الأدب والرواية والمسرحية والشعر، وكان شغوفاً بالتجريب والتحديث والإبداع وصولاً إلى ما يحقق طموحه نحو وطنه وأدب هذا الوطن. لقد كان أحمد راشد ثاني، رحمه الله، أنموذجاً للأديب الصادق مع نفسه، واحتفظ لنفسه بمكانة فريدة بين أقرانه، واشتغل على مشروعه الثقافي بقدر ما أوتي من جهد، وبكل ما أعطي من موهبة، الأمر الذي سيجعلنا نذكره بالخير ونترحم عليه دائماً. وإن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وهو يدرك حجم خسارته، وخسارة الساحة الثقافية في الدولة بفقد هذا الأديب المتميز ليؤمن في الوقت نفسه بقضاء الله، ويسلم بحكمته، وبأن كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. فللفقيد الرحمة، ولأسرته وأحبته ولكتاب وأدباء الإمارات الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون».

ونعت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وأكاديمية الشعر في أبوظبي، الشاعر الراحل في بيان عبرت فيه عن بالغ الأسى والحزن والتسليم لقضاء الله تعالى وقدره، مشيرة إلى مسيرته التي قدم خلالها العديد من الأعمال الشعرية وأجريت على أشعاره العديد من الدراسات النقدية، كما نشرت أشعاره في صحف ومجلات إماراتية وعربية عدة، وشارك في محافل ومهرجانات شعرية وأدبية عربية وعالمية.


من قصيدة لسانُ البئر المقطوعُ

 

 أنتَ أنا الذي لم يعبرْ

الذي ظل غريقاً في الطوفان

الذي ظل أنينا، وظلاً

على شفةِ البحر؟

أنت الذي لم يتكور كصخرةٍ

لم يُنلْ كقِطاف السرقةِ

لم يقفْ كحائطِ المنتهى

لم يحتطْ كبئرٍ في جحرٍ

لم يُحول النجمةَ إلى مخدّةٍ

ولا النبعَ إلى صنبورٍ

لم يرحلْ

لم يعدْ بالرحلةِ

لم يعدْ والرحلة

على ركبتَيهِ

تنثرُ رُمانَ المجهولِ،

وتقرأُ الرملَ بالأجفان؟

لم يعدْ بالثلج ويضعه

كالقميصِ على الصحراءِ،

وبالصحراءِ التي جَالَسَها

على مائدةِ المنفى

وشربَ معها اليأسَ؟

لم يعدْ

كذلك،

لم يعدْ يشربُ

من فمِ الغابةِ،

ولا يأكلُ من وليمة العصفور؟

الأنثى كَسَرتْ سُرّتَهُ،

وأَرَاقتْ فَمَهُ؟

 

قيل لي

[عشتُ للموت - يكادُ الماءُ يعرفُنِي، والبعوضةُ تضرب بيَ الأمثالَ، ومنذ أن سَقَطَتِ السماءُ في رأسِي وأنا أمشي كظل في طريقِ المقبرةِ الملئ بِصراخِ الأشجارِ، وحشرجةِ الموجِ، ونحيبِ الأحجار.

ولم أسمع إلا ما يراني؟ وكدتُ يوماً أغرق في قطرة جعة؟ وناداني في الطابَقِ الألف صوتٌ قيل لي إنّه هو. فسمعت.

حتى لَوْ رأيتُ، ماذا بإمكانِ هر مثلي أن يَفعل؟ ولم أقلْ ذلكَ لأحدٍ؟ كأنني لم أكن هِرّاً من قبلُ، أو كأنهمْ؟

مَنْ هُمْ؟

 

أي موجة

يصفونَ لي الصحراءَ

وينسونَ حبةَ رمل

في موجةٍ مازالت تركضُ

على البحرِ

يصفونَ خطواتي الكثيرة

على شاطئ البحر

بينما لا يعرف البحر

في أي موجة غَرِقْت

تويتر