‏‏‏شاعر إماراتي يمزج بين ألوان أدبية في كـــتابه الجديد

عـــادل خــزام..«الحكيم» تحت شجرة المحبّة‏

غلاف «مسكن الحكيم».

‏تخير الشاعر الإماراتي عادل خزام، التحرر من حصار الشكل، وممارسة حرّيته الإبداعية في تجريب لون يتمرد على النمطي والسائد، سبيلاً في كتابه الجديد «مسكن الحكيم»، الذي يضم مجموعة من نصوص المبدع ورؤاه الأخيرة، مصاغة في شكل يقترب من «الكتابة عبر النوعية»، بحيث تسقط ـ على الورقة ـ التخوم الفاصلة بين المقالة والقصة والخاطرة والقصيدة والحكمة المكثفة، وتتحول كل إطلالة لـ«الحكيم» إلى نص تتجاور فيه ألوان أدبية مختلفة.

ويسعى خزام في كتابه الصادر أخيراً عن مشروع «قلم» في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث إلى تقديم خطاب مختلف، شكلاً ومضموناً، عبر شخصية الحكيم الذي يتحول في بعض صفحات الكتاب إلى باحث هو الآخر عن طريق، وطارح للأسئلة، وليس مجرد هادٍ أو ناصح، يفرض عصارة تأمّلاته، ويقدم نتاج سبحاته وراء المعاني والغايات الكبرى، إلى المتلقي.

وتغلف أغلبية نصوص «مسكن الحكيم» الذي يضم 220 صفحة رؤية مبطنة بالروحانية للعالم، ومحاولة صوفية تنشد الوصول إلى جوهر الإنسان دون اعتبار لحدود قطرية، إذ يدعو «الحكيم» دوماً الى المحبة، وجعلها منهج حياة، ولذا كان العنوان الفرعي المفسر للعنوان الرئيس هو «التأمل تحت شجرة المحبة الأكبر من الكون»، ويؤيد قيم التسامح واظهار الامتنان، كما يعلّم الناس فنون العلاج بالطاقة، ويقدم تمارين في هذا المجال.

تحويل النظرة

ويعد المبدع الإماراتي خزام «مسكن الحكيم» محاولة لتقريب مفاهيم تأملية إلى كثيرين، في عصر طغيان المادة، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم» أن «كتابي يعد خطاباً تحفيزياً نحو المحبة والحرية، وأنا مهموم على مستوى المضمون بتحويل نظرة البعض إلى الحياة، إذ أعالج دائماً في كتاباتي موضوعات التغيير نحو الافضل، وضرورة سمو الإنسان بذاته، بل وتخير العلو نمطاً حياتياً على كل المسارات، وهو ما حاولت توصيله على لسان الحكيم في الكتاب، فالحكمة ضالتنا التي نظل نبحث عنها جميعاً»، مشيراً إلى أن الشخصية الرئيسة في «مسكن الحكيم» تحرّض دائماً على عدم الاستسلام، وألا يخضع الإنسان لسطوة ايامه، وان يركل خوفه، ويتحرر من عذابات اللحظة التي يعاني فيها من شيء ما.

ويستدل خزام بإحدى فقرات كتابه وعنوانها «دو» يقول فيها «أنت بحاجة كل يوم لما هو جديد وغير عادي.. انطلق إذن.. اركض في الدروب المستحيلة كي تلامس النهايات.. وكي تكون أول الواصلين إلى الاكتشاف والحقيقة.. وعليك أن تدرك أن كل بداية وكل خطوة يجب أن تكون مسبوقة بالغناء والمرح والقفز.. افتح قلبك وابدأ بنغمة دو في سلم الموسيقى.. فقط قلها وسوف تتابع بقية النغمات في انسيابها مثل الموجات في بحر بلا نهاية هو بحر الحرية التي هي بانتظارك وأنت لا تدرك بعد أنها موجودة وقريبة، أقرب من ظلك إليك».

ويستمر «الحكيم» في عزف لحنه الموسيقي التحريضي، فبعد «دو» تكتمل حركات السلم الموسيقي المتبقية التي تشترك جميعها في محاولة التحليق بالمتلقي وزحزحته عن السكون وعدم الركون إلى واقع مختل.

عن الشكل

أما بخصوص الشكل المفتوح لنصوص «مسكن الحكيم» الذي تتداخل فيه الأساليب فيوضحه خزام قائلاً «تخيرت ذلك النمط تحديداً لاسباب عدة، لعل من أبرزها محاولة التجريب والتحرر من السائد، فكيف يدعو المبدع إلى الانطلاق فيما هو مقيد إلى لون ما، والأهم هو الابتعاد عن الشكل الكلاسيكي للقصيدة المعاصرة سواء في صورتها التفعيلية أوحتى النثرية»، لافتاً إلى انه رغم ان تجارب الحداثيين قامت بهدف الثورة على النمط الثابت، إلا انها مع كرور الأيام وتكرار النصوص، تحولت إلى شكل إبداعي تقليدي، وإلى نمط شبه وحيد، بل صار كثيرون يجترون من بعضهم بعضاً دون اقتراح جديد.

يرى الشاعر الإماراتي أن حرية الشكل منحته تعددية وثراءً في تشكيل نصوص «مسكن الحكيم»، إذ عمل على الإفادة من كل الألوان الأدبية، بل ومستويات اللغة المختلفة في كل لون، مستطرداً «يجد القارئ تطبيقات مختلفة في نصوصي الأخيرة، إذ حاولت الجمع بين أساليب شتى، وأفدت بداية من القصيدة، مروراً بالسرد القصصي، ووصولاً إلى السينما، وطريقة تقطيع المشاهد كما نصنع حين نكتب سيناريو ما».

يقول خزام في أحد نصوصه التي يختلط فيها القص بالشعر في فقرة بعنوان «العاشقة»: «من وراء خمسة أبواب سمعناها تغني.. العاشقة التي تحولت إلى مرآة للقمر، ولا تعرف حتى اليوم ما هي الشمس.. إنها الفتاة المسجونة في ليل الأوصياء.. كل ليلة تحلم بمن يشدها إلى خارج الأسوار كي ترقص في الحقول وتقفز في سماء العشق ملكة متوجة على زمنها.. ملكة تنحني لها الفراشات، وتخجل عند مرورها الوردة.. يدها بيد من تحب، وقلبها عامر بنبض الكون والطبيعة.. أنا الغناء الصامت.. قالت.. أراقب الربيع على الستارة.. والنجوم سوداء في السقف.. وجداول الماء تحتي في سجادة.. تعال خذ بحلمي.. اريد ان أركض في القصيدة.. أن أطير في بياض الورق.. وأن أتلاشى كلمة.. كلمة..».

تواصل

ويكشف خزام عن أنه حين كتابة نصوصه الأخيرة كانت تشغله إشكالية التواصل مع المتلقي، ومحاولة التماس مع القارئ الذي صار يستشعر وحشة حين مطالعته كثيراً من القصائد الملغزة، مضيفاً «حاول (الحكيم) أن يقترب من الجمهور، وان يقدم خلاصة تأملاته وتجاربه دون تعالٍ او ألغاز، وأن يطرح أفكاره في بساطة كي يتواصل مع أكبر عدد ممكن من القراء، إذ أرى أن أغلبية القصائد الجديدة صارت تخاطب النخبة وقلة من البشر، لذا عملت على كسر ذلك الحاجز في كتابي كي أتواصل مع القارئ العادي، وليس المختص فحسب»، منبهاً إلى أن الحكيم كما يسبح في تأملاته ويقتنص معاني بعيدة من سماوات قصية، فكذلك يقترب من أمور حياتية، ويناقش تفاصيل ومشكلات يومية قد تغيب عن كثير من الأدبيات «إذ يجد القارئ نصوصاً عن التعليم، والفلاح، والجندي العربي، والأعياد، ويوم الحب، ورؤى نقدية في مشارب شتى، عن الكراسي والسلالم والنوافذ والأبواب وكرة القدم وغيرها من الأمور التي صرنا كأننا لا نراها في حياتنا بعد تكرار مشاهداتها».

ويشير صاحب «مسكن الحكيم» إلى أنه غمرته سعادة حين قابله قراء ذوو ميول مختلفة خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، وناقشوه في الكتاب، ما جعله يستشعر بأن «مسكن الحكيم» قد لمس مناطق مختلفة عند المتلقي العادي والمتمرس، وهو ما كان يترجاه خلال إعداده نصوص الكتاب. ‏

تويتر