فيلم فرنسي عن قضية المهاجرين وبحثهم عن بر الأمان

«سامبا»: مللت من البحث عن اسمي

عندما وصل سامبا إلى مرحلة اليأس، وقرر أن يعود إلى وطنه السينغال، بعد 10 سنوات قضاها في باريس لاجئاً غير شرعي، وقفت أمامه أليس محاولة إثناءه عن هذا القرار ليرد عليها: «مللت البحث عن اسمي، واستعمال هويات لأناس رحلوا، كدت أنسى من أنا، كدت أنسى اسمي»، لتجيبه: «إذا نسيته قف واصرخ بسامبا، فسيعتقد الناس أنك تدعوهم للرقص»، هذا المشهد من فيلم «سامبا» للمخرجين أوليفييه نقاش وإيريك توليدانو، وعرض سابقاً في الدورة الفائتة من مهرجان «دبي السينمائي»، ويعرض حالياً في بعض دور السينما المحلية، وهو من بطولة شارلوت جينسبور، عمر سي، طاهر رحيم،

الفيلم قائم في الأساس على قضية المهاجرين الأجانب، الذين يقصد معظمهم البحر للوصول إلى فرنسا، ومع ارتفاع وتيرة الغارقين من المهاجرين العرب والأجانب، الهاربين من بطش أنظمتهم، ومن الجماعات المتطرفة، وغرق معظمهم، يأتي هذا الفيلم ليحكي جزءاً من معاناتهم، حتى بعد وصولهم إلى بر الأمان، حسب اعتقادهم. تبدأ الحكاية عنما نرى «سامبا» الشاب السينغالي، يعمل في مطعم، ويغسل الصحون، من الوهلة الأولى تدرك تهذيبه وانطواءه، ليتحول المشهد مباشرة إلى مكان يعج بأناس من مختلف اللغات، لتدرك أن هؤلاء تم القبض عليهم من قبل السلطات الفرنسية وتم تحويلهم إلى مكتب العناية بالمهاجرين، يظهر إلى جانب سامبا شاب اسمه ويلسون سيكون له الدور في المشاهد اللاحقة.

سامبا تم القبض عليه، عندما اعتقد أنه، وبعد قرار مديره في المطعم لتثبيته في وظيفة طباخ، يستطيع تقديم أوراق رسمية للحصول على الإقامة الشرعية، لكن ما حدث عكس توقعاته وتم القبض عليه وتحويله إلى دائرة المهاجرين، هناك يلتقي مع شابتين متطوعتين في مثل هذه القضايا، أليس ومانو، قبل هذا المشهد ترى أليس، وهي تتلقى التعليمات من قبل زميلتها مانو بألا تتعاطى مع المهاجرين إلا بشكل رسمي، ولا تسمح لعاطفتها بالانجراف، ولا تمنح رقم هاتفها لأي شخص منهم، وتطبق ثقافة الابتعاد التي تقع فيها مانو نفسها لاحقاً.

سامبا، اسمه ليس صدفة، فهو كناية عن رقصة مشهورة، لكن شخصيته لا توحي بأنه اسم على مسمى، فالفيلم تناوله كحالة فردية ضمن جماعة، والأهم أنه لم يقدمه كنموذج معصوم من الخطأ، فالتعاطف معه نسبي، بل إنك كمشاهد ستجد نفسك متعاطفاً مع غيره من المهاجرين، خصوصاً أثناء التحقيق معهم في مقر الجمعية التي تهتم بهم بعد تهديد السلطات لهم بالترحيل، فلن يمر الرجل الكبير السن الذي يتحدث العربية لأنه من تونس مرور الكرام، وهو يحاول شرح قضيته للمسؤولة أنه هرب إلى فرنسا بعد أن تم قتل أصدقائه على يد متطرفين، ولن يمر الهارب من بطش ونزق رئيس كوريا الشمالية، وهو يستجدي عطف من يحقق معه أن عودته إلى بلاده تعني موته، أما ويلسون الذي يحكي أنه من البرازيل، فقصته مختلفة، لأن المشاهد سيعرف أنه جزائري، واضطر أن يقول أنه برازيلي لأن النظرة إليه كجزائري فيها الكثير من التفريق.

قصص كثيرة تسمعها في تلك الجمعية بلغات مختلفة، جمع بينها الهرب من بطش أنظمتها ومن الحروب الأهلية، ومن الجماعات المتطرفة.

عودة إلى سامبا الذي يلتقي أليس، ويستشعر المتفرج لحالهما أنه ثمة شرارة حب ستنمو على السطح، ولابد للتطرق إلى شخصية أليس، التي تشكو حالها لسامبا، فهي تعمل منذ 15 عاماً في شركة أغذية، اعتقدت أن حياتها تقف فيها، فلا حب ولا صديق ولا أبناء، إلى أن وصلت إلى مرحلة الإنهاك الذي ترجمته بإنزال جامّ غضبها على زميلها وكسر هاتفه وقلع شعره، فتم تحويلها إلى الطب النفسي، ووجودها في جمعية اللاجئين نوع من العلاج، كي تدرك أن ثمة قضايا أكثر هماً من قضيتها، وبالفعل تتحسن حالة أليس، وتبدأ بتخفيف جرعات أدويتها، وكل هذا بسبب الحب، وبسبب أنها شاهدت معاناة آخرين.

القضاء يقف في وجه سامبا، الذي يعيش مع عمه، ويقرر ترحيله، لكن المشهد كان فيه الكثير من التواطؤ معه، من حيث ردة فعل الشرطية التي قالت له أصبحت حراً، فقال لها إنه تجب عليه العودة، وبابتسامة مبطنة تشعر بأنها قالت له: «تستطيع المكوث لكن انتبه إلى الدوريات»، هذه النصيحة وجهها عمه له أيضاً «من اللحظة يجب أن تستغني عن عاداتك وطريقة ملابسك، يجب أن تقلدهم، سترتدي المعطف، وتحمل تحت إبطك مجلة أو كتاباً، وتركب القطار بطريقة قانونية، من اللحظة يجب أن تشبههم كي لا تتعرض للاعتقال»، لكن ما أن بدأ سامبا تقليدهم، حتى بات يشعر بأن الجميع أصبح يراقبه ويكشف سره، فضاقت به الحال، وقرر خيانة صديقه الذي التقاه في الجمعية وأوصاه بأن يجد له حبيبته، وبعد أن وجدها مارس الحب معها، وهذا كان كفيلاً بأن يظهر سامبا كشخص غير معصوم من الخطأ.

في المقابل، تظهر شخصية ويلسون وهو في الحقيقة اسمه وليد، الذي وقف إلى جانب سامبا كثيراً، حتى أنه دله على طريقة شراء هويات مزورة معظمها لأناس فقدوا حياتهم، وبدأ سامبا في كل عمل يستخدم هوية لشخص غيره، كثرت الأسماء لديه، وشيئاً فشيئاً بدأ ينسى اسمه، كحال ويلسون الذي قرر أنه برازيلي، بعد أن وجد أن أصله الجزائري لن يقربه من المجتمع الفرنسي، إذاً نحن هنا أمام مشكلة الهوية ونظرة الآخرين إلى تلك الهوية، لكن تكاتف بعض السكان المحليين معهم، والذي من خلاله عرف المشاهد أصل وليد ظهر في المشهد الذي يهرب فيه مع سامبا من ملاحقة الشرطة، ويقصدون شقة يطلبون من العاملة فيه أن تخبئهما، فيتحدث وقتها بالعربية، ويكشف سامبا سره.

مشهد الهروب من الشرطة، وتسلق أسطح البنايات، إلى أن أصبحا فوق المدينة، وبرج إيفل يطل عليهما، اختصر كل مشاعر الخوف والقهر والإحباط والقلق، التي تعتري الشباب الذين يقررون في لحظة تتساوى فيها معه الحياة والموت أن يتركوا كل شيء من أجل ما يسمى الحياة، هذا المشهد تحديداً نستطيع القول عنه إنه سينمائياً متكامل العناصر، جمع فيه التمثيل مع الحوار واللقطات التصويرية، ووصلت الرسالة الخالصة للفيلم.

لحظة انفعال مشتركة بين سامبا وأليس، كانت كفيلة بتفريغ كمية شحنات كثيرة كانت بحاجة إلى بر أمان، فكلاهما لديه مشكلاته الخاصة في طريقة الاندماج مع المجتمع، ففي الحوار الذي جمعهما أثناء التحقيق في أروقة الجمعية، تؤكد أليس لسامبا أنه يجب مرور عام على حكم القضاء، كي يستطيع تقديم أوراقه مرة أخرى للجوء الشرعي، فيصرخ سامبا الذي ظل هادئاً طوال مدة الفيلم، ويقول: «أي عام هذا الذي تتحدثين عنه، وأمي تنتظر مني أن أرسل لها نقوداً بسبب الحاج صاحب البقالة، أمي هذه التي شاهدت زوجها يذبح أمام عينيها، وتعتقد أنني أعمل في وظيفة مرموقة»، غضبه هذا جعل أليس ترد عليه بغضب مضاعف «ماذا تعرف عن الحياة، تريد أن تعمل طوال حياتك لتصل إلى حالتي، لا حب لا أصدقاء لا عائلة»، لكن هذه الشعلة هي التي قربت بين قلبيهما وبدأت علاقتهما معاً في تحدٍّ لقوانين الهجرة حتى ولو بالتحايل. تستمر المشاهد وتمر بكثير من التفاصيل، مثل التفصيل الذي جمع بين سامبا وعمه المقيم في فرنسا 25 عاماً في غرفة فقيرة يشاركه إياها سامبا، بلا زوجة ولا أبناء، يفقد هو الآخر وظيفته بعد أن دهمت الشرطة مقر عمله تسأله عن سامبا، فينظر سامبا إليه، ويقول: «وعدتني أن نعود إلى السينغال عودة الملوك»، على أمل أن يعيد البسمة إلى وجه عمه الذي بدأت علامات الإحباط تعتريه.

القصة تنتهي مع خروج صديق سامبا من الجمعية، وحصوله على إقامة لمدة 10 سنوات، هو أدرك بتهرب سامبا منه أنه وجد حبيبته وخانه معها فقرر الانتقام منه، يستدرجه إلى احتساء شراب احتفالاً بالإقامة الشرعية، مع محاولة سامبا الهروب منه بسبب موعده مع حبيبته أليس، حتى يتحجج بأنه يشعر بالبرد فيلبسه صديقه سترته، ويواجهه بالحقيقة ويحاول ضربه، فيثير لفت انتباه الشرطة هو يريد الانتقام منه من خلال ترحيله، وتهجم الشرطة عليهم فيهربان حتى يصلا إلى قناة ماء، كأن مصير اللاجئين دوماً مرتبط بالبحر أو النهر، يلقيان بنفسيهما إليه، ينجو سامبا ويموت صديقه، وتلعب الصدفة دورها عندما قرر سامبا وعمه العودة طوعاً إلى السينغال، يخلع سامبا سترة صديقه ويعطيها لأليس في لحظة الوداع، وفور وصولها سيارتها تكتشف وجود محفظة في السترة فيها الهوية المختوم عليها إقامة شرعية لمدة 10 سنوات في فرنسا تخص صديقه الذي مات، تحاول إقناع سامبا بأن هذه فرصته الوحيدة، ويقرر المجازفة مرة أخرى. وبالفعل تنتهي الحكاية في الفيلم مع مشهدين أولهما أليس وهي عائدة إلى عملها بشكل متوازن وفرح، والثاني مع سامبا الذي أصبح طاهياً في مطعم مرموق، وبات اسمه لامونا على اسم صديقه الذي بلعته المياه.

الخلاصة أنك كهارب من الموت من بلادك إلى بلاد تعتقد أنها ستحتويك، لن يكون سهلاً، ستشقى حسب الفيلم، وستظل هارباً طوال عمرك إذا لم تشرعن وجودك، ستنسى اسمك وهويتك، إلى حين يأتي القرار العادل لإنصافك.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر