فيلم للمصري أحمد عبدالله يتناول شخصيات تبحث عن خيار ثــالث للعيش

الحياة «ديكور» بــالأبيض والأسود

الفيلم الذي تم تصويره باللونين الأسود والأبيض، استطاع أن يدخل المشاهد في دوامة من الأفكار التي تجعله لا إرداياً متيقظاً لكل مشهد، وهو من بطولة خالد أبوالنجا، وحورية فرغلي، وماجد الكدواني، ومن تأليف شيرين دياب في أولى تجاربها السينمائية. أرشيفية

كأن كل شيء مرتبط بخيارين لا ثالث لهما، تطرف أو ديكتاتور، أبيض أو أسود، والقرار دائماً منوط باتجاهين، ما يثقل القلب والعقل والسلوك أيضاً. هذا ما حاول المخرج المصري أحمد عبدالله إيصاله في فيلمه الجديد الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ36 تحت عنوان «ديكور»، ومن عنوان الفيلم من السهل استشعار حكايته، الديكور الذي نقوم بتغييره حسب أهوائنا وحسب ما نملك من معطيات، لكن السؤال: هل هذا الديكور سواء القديم أو الجديد يشبهنا؟ وإلى أي حد نستطيع التعايش معه؟ ومتى ستكون اللحظة التي نهدم فيها كل هذه الألواح الخشبية والمعدنية؟

الفيلم الذي تم تصويره باللونين الأسود والأبيض، استطاع فعلاً أن يدخل المشاهد في دوامة من الأفكار التي تجعله لا إرداياً متيقظاً لكل مشهد، ولكل حوار حتى لا تضيع منه الحكاية، وهو من بطولة خالد أبوالنجا، وحورية فرغلي، وماجد الكدواني، ومن تأليف شيرين دياب في أولى تجاربها السينمائية، بالاشتراك مع شقيقها المخرج والمؤلف محمد دياب، من دون الابتعاد عن الاشارة إلى أن فاتن حمامة بأفلامها كانت حاضرة كبطلة أيضاً بنيت عليها أحداث الفيلم.

فهو يحكي قصة (مها) مصممة الديكور المهووسة بأفلام فاتن حمامة، تظهر كحالمة ومنسلخة عن الواقع، واقع لم ترده، لذلك هربت إلى أحلامها وهلوساتها. الخيار الثالث في الفيلم هو عبارة عن خيار شخصي وخاص لشخصية مها، التي انتهى الفيلم معها والمشاهد لم يدرك فعلياً من هو زوج مها. هي عالقة بين زوجين فعليين، فالمشهد الأول الذي يطل فيه المخرج المصري إبراهيم البطوط ضيف شرف، وفي دور مخرج يريد إنجاز فيلم يتنازل فيه عن الكثير، وهذا ليس من سمات البطوط كمخرج على أرض الواقع، فتح مدارك القصة عن الخيارات المتاحة. هو يقدم بطلة لا تشبه ما يريد اسمها (شهيرة) التي لا تتعاون مع متطلبات الشخصية، لكن المخرج يرضخ لها لعدم وجود خيارات أخرى، في هذه الأثناء تظهر «مها» الشخصية الرئيسة في الفيلم وتحاول لفت انتباه البطوط على أن هذا الشكل سيغير مجرى فيلمه المرتقب، لكن الضعف في المعطيات المتاحة التي يفرشها البطوط تنذر بضعف الإنسان إذا ما وضع بين خيارين.

مها تظهر كزوجة لمصمم الديكور شريف الذي يلعب دوره خالد أبوالنجا، يتشاركان معاً لإنجاز فيلم البطوط، وفي لحظة تبديل الديكور في موقع الفيلم، نرى مها عالقة في منزل تدرك بعدد ذلك أنها زوجة مصطفى الذي أدى دوره ماجد الكدواني وأم لطفلة، تنهار مها مع هذه الحقيقة ويتتبع المشاهد هذا الانهيار تدريجياً، هي تؤكد أنها ليست مدرسة بل مصممة ديكور، وهي متزوجة برجل لا يحب الانجاب فكيف لها أن تكون أماً.

هذه الهلوسات هي محك وحبكة الأحداث، يهرب معها المشاهد من ديكور لديكور، مرة تكون في منزلها مع مصطفى وابنتها وأمها، ومرة أخرى تكون مع زوجها أيضاً شريف هذه المرة، لكن ما يجمع بين العالمين هو أفلام فاتن حمامة. ثمة شيء في الفيلم له علاقة بالعقل الباطني والتفكيرالذي لا يعيه سوى الشخص نفسه، ثمة أحلام لا تتحقق الا بنسج خيالات تصنع الابتسامة ولو مؤقتاً، فيلم صعب، وحرفي في أدواته، وطريق إدارة التمثيل مع كل هذه الألواح الخشبية، ليس له علاقة بالعودة إلى زمن الأفلام القديمة، فاللونان الأبيض والأسود اللذان صور بهما الفيلم هما جزء من الحكاية. في كل ديكور تصنعه مها، تقف أمامه وتخاف إلى أين هذه المرة ستكون، نفسيتها بدت محطمة، وهي تحاول إقناع الجميع بأنها العاقلة الوحيدة بينهم، تشعر لحظة بأن ضغط العمل هو الذي سبب كل هذه الهلوسات، ومرة أخرى تشعر بأن مها لم تحقق أحلامها مع زوجها الفعلي فهربت إلى زوج آخر حتى ولم يكن يشبهها.

لا شك أن ثمة فجوات في الفيلم لم يتضح المعنى منها، كعلاقة مها مع ابنتها المفترضة، التي مرت مروراً عابراً، لكن التفسير قد يكون أن هذه الطفلة هي مها نفسها عندما كانت صغيرة وجربت شعور الفقدان عند رحيل والدها.

تستمر التقلبات في الفيلم، ويصغر الديكور أكثر فأكثر، وبين بيت الواقع، والمتخيل، تتوه مها ويتوه المشاهد معها، كل شخص في الفيلم له علاقة مع مها بشكل مباشر هو السبب في تحديد خياراتها.

شخصية شريف الزوج، الذي يحب مها كثيراً كما هو واضح في الفيلم، مؤمن بعدم إنجاب الأطفال لصون كرامة إنسان لا ذنب له في هذه الحياة، تراه في مشهد آخر، وهو متزوج من الممثلة شهيرة ولديه طفل، فقد قرر مصطفى الزوج المفترض الآخر لمها أن يريها الحقيقة، فتعتقد لوهلة أن مها كانت تحلم ربما بأن تصبح ممثلة مثل شهيرة، أو بالأصح مثل فاتن حمامة.

حتى وجود الطفلة في حياتها من زوجها مصطفى، يعطيك لمحة أن مها كانت تحلم بأن تكون أماً لطفل شريف.

الحالة في الفيلم هي الشعور بأنك عالق في وهم، يطلب منك ببساطة أن تحلم، على الرغم من إمكانية مواجهة كابوس فلا شيء مستحيل في الحالة الذهنية المتغيرة. يمكنك تذوق الألوان، ورؤية الأصوات، وحتى تحدي الجاذبية. يطلب منك أيضاً ألا تستيقظ. فكيف تريد أن تستيقظ وتترك حقيقة حيث الجدران لها عيون؟ والواقع هو أن الحقيقة قد تكون بعيدة جداً أو هنا، أو أمامك. يمكنك الحصول على كل ما تريد، إذا كنت حراً، وبالنهاية يطلب منك أن تستيقظ قبل الأوان، أو في الوقت المناسب، أو بعد فوات الأوان، حتى لو كان الاستيقاظ في مشفى نفسي، تستطيع من خلاله محاولة البحث عن الخيار الثالث، وهذا ما حدث مع مها، فقد اتهمت بما يشبه الجنون، وقررت العلاج مع الطبيب النفسي الذي تحتار معها في أي جانب هو، وعندما يقف الزوجان أمامها لتحدد مع من تريد الذهاب، ترفضهما، وتقول من المؤكد أن ثمة شخصاً ثالثاً. حورية فرغلي التي أدت دور مها في الفيلم ظهرت بشكل فاجأ الجميع، حاولت أن توصل أنها ممثلة قديرة بمثل هذه النوعية من الشخصيات المعقدة، رغم أن دلعها المعروفة به كان واضحاً وجلياً، لكنها استطاعت بالفعل أن تقنع الجمهور بولادة خط جديد في حياتها المهنية، أما خالد أبوالنجا الذي كان له حضور كبير في أفلام القاهرة مثل الفيلم الفلسطيني «عيون الحرامية»، ونال عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يؤكد باستمرار قدرته على التنوع بين الشخصيات، وبالنسبة لماجد الكدواني وأدائه المحترف، فمن المنصف القول إنه كان من عناصر القوة في فيلم أحمد عبدالله «ديكور».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر