يستند إلى قصة حقيقية تدور في قرية إثيوبية

«ديفريت».. عن العنف الموجّه ضد المرأة

صورة

من الأمور التي تعد ميزة من قبل الأفلام التي تعرضها المهرجانات بشكل عام، أنها تضع يدها على جرح الشعوب، خصوصاً البعيدة التي تبتعد عنا جغرافياً مثلاً ونبتعد عن همومها، فتقترب أكثر إلى هؤلاء وإلى قضاياهم من خلال معرفتهم عبر الأفلام التي يقدمونها تحديداً والتي تتناول قصصاً واقعية، وهذا ما حدث مع فيلم «ديفريت» الإثيوبي، للمخرج الأميركي من أصل إثيوبي زيريسيناي بيرهانة ميهاري، الذي قدم فيلماً يحكي قصة الفتيات بقرية تبعد عن أديس أبابا ثلاث ساعات، حيث تتعرض الفتيات هناك للخطف والاغتصاب حين ترفض العائلات تزويجهن.

هذا ما حدث مع الطفلة هيروت وعمرها 14 عاماً، المفعمة بالحياة وحب التعلم، وهي الأذكى بين قريناتها في الفصل، عندما علمت أن أستاذها رشحها لتترفع الى الصف الخامس، كانت فرحة وترقص في الحقول، الى أن حاصرها مجموعة من الرجال يمتطون الأحصنة وقاموا بخطفها.

لمحة

عندما مضت هيروت ليلة مع المحامية في منزلها سألتها: لماذا لم تتزوجي؟ فكانت الاجابة «كنت في قرية مثلك، وكدت أتعرض للخطف كثيراً، لكن أشقائي الخمسة كانوا حماية لي، فقررت قصد المدينة ودراسة القانون، والزواج يأتي عندما نكون جاهزات له حسب مقاييسنا وليس مقاييس الرجال»، فهيروت اعتبرت ــ حسب بيئتها ــ أن المحامية لم تتزوج لأن صيتها سيئ، أو أنها ليست عذراء.

الفيلم المستند إلى قصة حقيقية شغلت الرأي العام في إثيوبيا، يحكي العنف الجنسي الذي يعد سلطة بيد الرجال، فالرجل يحب هيروت، وتقدم لها بهدف الزواج منها، لكن والد هيروت وهيروت رفضا العرض، لأن هيروت ببساطة تريد أن تكمل تعليمها وتقصد المدينة للالتحاق بالجامعة، لكن الشاب يريدها، فلجأ إلى عادات وتقاليد مجتمعه التي تعطيه الحق في خطف الفتاة واغتصابها، لأنه ببساطة رجل وله السلطة في ذلك رغماً عن أنف عائلة الفتاة.

بعد مشهد اغتصاب الطفلة، وشعور الشاب بتحقيق ذاته، وتبجحه أمام أصدقائها في هذه اللحظة، تستطيع الطفلة سرقة بندقيته وتهرب، لكن الشاب وأصدقاءه يلاحقونها وهي تصرخ أنها لا تريد سوى العودة إلى حضن أمها، لكن لا مجيب، وعند وقوفها في لحظة لم تعد فيها قادرة على الفرار تقوم بقتل الشاب. هيروت، هذه الطفلة لم تظلم فقط بسبب عادات وتقاليد المجتمع الذي بات يطالب بقتلها ودفن جثتها بجانب الشاب، بل من السلطة ايضاً التي شككت في عمرها، وجاءت بطبيب تابع لها ليقول إنها في الـ18، كي يقوموا بإعدامها، في هذه الأثناء ومن خلال المشاهد الأولى في الفيلم تظهر شخصية لمحامية تدير مؤسسة للدفاع عن النساء من العنف الجسدي والجنسي الذي يتعرضن له، تقرر المحامية الشابة أن تدافع عن هيروت أمام سلطة لا تتقبل النساء الجامعيات، بل وتقوم بالتضييق عليهن حتى لا يحققن أي انتصار في المحاكم.

لكن المحامية تقوم بكل جهدها لإخراج هيروت من السجن، لأنها تحتاج الى مستشفى لعلاج يدها المكسورة، والمدعي العام يحاول التملص من هذا الطلب إلى أن يأتيه أمر من أديس أبابا بوجوب التنفيذ، وهنا تبدأ المعركة بين محامية هيروت والسلطة التي اتفقت مع القرية على عدم إرسال أي شاهد يقف إلى جانب هيروت، وهذا من شأنه صعب الموقف على المحامية، فالخوف سيد الموقف بهذه القرية التي يقرر كبارها ما يجب حدوثه، ومع وجود جانب من عائلة الشاب التي تريد القصاص بقتل هيروت تتبعثر الأوراق ويزيد الخوف.

تقرر المحامية وضع هيروت في بيت للأيتام، تدرس فيه إلى حين موعد المحكمة، وكل يوم يمر تزيد العقبات في وجهها، خصوصاً عندما رفعت قضية على وزير العدل، فقام بدوره بإقفال مؤسستها وسحب رخصتها، فلم تعد قادرة على الدفاع عن هيروت، ويقوم المدعي العام في القرية باقتياد هيروت الى السجن.

القضية التي رفعتها المحامية على وزير العدل والمرتبطة بقضية هيروت، جعلت المسألة تصل إلى الصحافة، ما شكل رأياً عاماً في إثيوبيا، التي تعاطف غالبية سكانها مع قضية هيروت التي كانت تنقل جلساتها عبر أثير الإذاعة، وهذا الضغط أجبر وزير العدل على الاستقالة، لكن الصحافة تؤكد أنه أقيل.

الفيلم جميل بكل مكوناته البصرية والتمثيلية، والطبيعية فيه حاضرة من خلال تلك الوجوه السمراء التي تجابه كل ما له علاقة بالحد من إمكاناتها، الغضب حاضر والأمل أيضاً، والعدالة أخذت مجراها أخيراً، وانتصرت هيروت بقضيتها واعتبرتها المحكمة غير مذنبة، لكن هذا لم يشفع لها في قريتها التي قرر كبارها نفيها، فغادرت الى المدينة.

في المشهد الأخير في الفيلم، الحضور صفق كثيراً لهيروت، خصوصاً عندما قررت أن تمضي في شوارع المدينة وحدها تعي تماماً ما تريد من هذه الحياة.

تويتر