ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة

أفلام إماراتية تعدت المحلية

صورة

عرضت ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، مجموعة من الأفلام لمخرجين إماراتيين وغيرهم، ضمت أفلاماً لمخرجين إماراتيين تناولوا موضوعات خارج الدولة، ومخرجين عرب مقيمين في الدولة. ومن ضمن هذه الأفلام التي تحكي الحالة التي تعدت المحلية فيلم «كشك» للمخرج الإماراتي عبدالله الكعبي، الذي اختار أن يكون أبطاله من إيران، والحكاية تصب ظلالها على النفس البشرية، التي من الممكن تعديل صوابها إن أخطأت، عبر امرأة طاعنة في السن، تعيش في منزل معزول عن العالم، في منطقة باردة، تجمع الحطب كل يوم لتشعر بالدفء من جهة، ولأمل رجوع ابنها الغائب من جهة أخرى، هذه المرأة التي ترتدي الزي الفلكلوري القديم، المزركش بالحلي، تلتقي صدفة شاباً في تلك المنطقة المعزولة، تشعر لوهلة بأنها يجب أن تتعامل معه كابن، وهذا الغريب لص يريد الاستيلاء على ما يمكن أن تملكه، يساعدها في جمع الحطب، وبإحساس أمومي تدعوه ليشعر بالدفء في منزلها، بل وتقصد الماعز كي يشرب من حليبها، حتى أن الماعز لم تقدم سوى وعاء واحد، فأعطته له، ولم تشرب، في هذه الأثناء كان الغريب يبحث عن شيء ثمين ليسرقه، وبالفعل استطاع أن يحصل على قلادتها الذهبية، يشرب الحليب، وقبل انصرافه تفتح صندوقها وتنتبه بطريقة خجلة إلى اختفاء عقدها، ومع ذلك تتناول النقود المعدنية وتعطيها للغريب ثمناً لمساعدتها في جمع الحطب، هذا الموقف حرك ضمير الغريب، الذي غادرها وعاد في الليل جامعاً لها الحطب، وملقياً بقلادتها على عتبة خيمتها، يعيد هذا الموقف الأمل إلى قلب الأم في عودة ابنها يوماً ما. الفيلم مصور بشكل جميل واحترافي، وخلال 13 دقيقة، واللغة فيه سلسة، وتعابير وجه الأم بحد ذاتها حكاية.

ومن ضمن الأفلام المشاركة أيضاً في هذه الفئة «أبومحمد»، للمخرجة الفلسطينية المقيمة في الإمارات هبة أبومساعد، التي اختارت أن تحكي عن والدها الذي توفي العام الفائت، وكانت تأمل أن يشاهد الفيلم قبل رحيله. اختيار هبة للممثلين كجميل عواد، وعبدالمنعم عمايري، وجولييت عواد، كان قريباً من الحالة التي استطاع الممثلون تجسيدها، فكيف لها أن تترجم مشاعرها الخاصة على تلك الوجوه بردات أفعالها وتعاطيها مع الشخصية الرئيسة فيه (أبومحمد)، رجل صلب، عنيد، معتز بتاريخه، إضافة إلى كل هذا فالقرار دائماً يجب أن يعود له، حتى في طريقة وقوعه، التي وجد فيها الطريقة المثلى ليجمع عائلته من جديد، فمحمد الكبير الذي يتشاجر دائماً وأبداً مع شقيقه، يوضح أن علاقته مع والده تشوبها الندية، فقد غادر منزلهم ورحل إلى إمارة أخرى، والأم تلك التي تقع دائماً بين أبنائها ونظرة زوجها التي تهابه، كانت واضحة من خلال لقطة فنية استطاعت أبومساعد أن توصلها بسلاسة. القصة ببساطة تبدأ مع أبومحمد صاحب محل صغير لبيع أنتيكات، طريقة جلوسه من خلف المكتب وسماعه لمقطوعات عالمية تعطي انطباعاً بأن الرجل صاحب مزاج، لا يشبه تفاصيل وجهه الجامدة وصوته غير الحنون، حتى عندما رن الهاتف لم يجب من أول رنة بل انتظر، فهو يعي أن زوجته على الخط تدعوه للغداء الذي أصبح جاهزاً. لديه طريقته الخاصة في تعاطيه مع المشاعر، يجيبها بأنه قادم، وفي طريقه يقع أول وقعة له أمام باب عمارته، هذه الوقعة جعلت من ابنه محمد يهرع إليه، لكن هذا لم يمنعه من الشجار مع شقيقه، وصوتهما أيقظ والدهما، الذي تعامل بالرغم من مرضه مع المسألة كعادته، قوياً، وغير مستعد للطبطبة، في التالي يعرف المشاهد أن ثمة لعبة قريبة من قلب (أبومحمد) عبارة عن راعٍ وخرافه، يهتم بها وبتنظيفها، بتأني من قضى عمره يتساءل عن الهدف، الحنية في طريقة تنظيفه لخرافه هي مشاعره الأصيلة تجاه أبنائه، كأنه يقول إن المطلوب من الابن أن يدرك هذا دون التعبير عنه من خلال الأب، يقع الوقعة الثانية، ويستيقظ هذه المرة ليرى ابنه الكبير ينام على الكرسي جانبه، هنا بدأت لعبته الحقيقية بأخذ مفعولها، هو أدرك أنه مهما كان حاداً ثمة من سيأخذ بيده، وفي النهاية وفي محله الصغير، ومن خلال مشهد أدرك المشاهد فيه أن اقتراب أبومحمد من الموت بات وشيكاً، تمثل بصورة سينمائية جميلة، اختارتها أبومساعد من خلال لعبته المفضلة (الراعي والخراف)، فأثناء صعوده السلم لإرجاع خرافه للحظيرة بعد تنظيفها، يقع الراعي، النظرة بعينيه كانت كفيلة بتلخيص حكايته، إذ أدرك أنه هو الذي وقع، يقوم بحلاوة روح ليصلب طول الراعي من جديد، فيقع مرة ثانية، وتكون هذه وقعة أبومحمد الثالثة في الحقيقة. النهاية لم تكن متوقعة، لوهلة تشعر بأنك ستشاهد مشهد موت أو جنازة، لكن أبومحمد المراوغ بمشاعره لم يقبل بذلك، ففي الوقت الذي يقول له ابنه بضرورة وجوده معه في الحمام، يسرع من خطواته كطفل صغير، ويقفل باب الحمام عليه، يسمع أصوات الشجار مرة أخرى بين الأبناء، ويسمع صوت زوجته وهي تحاول تهدئة الأمر، فيقوم بطريقة ذكية بإسكاتهم، ويلقي شيئاً في الحمام، ويسترق السمع لردة الفعل فيشعر بالنشوة التي لها علاقة بعلاقته المتينة رغماً عن مظاهرها العكسية، وينتهي المشهد بابتسامة أب منتصر.

تويتر