توقع انطلاقها نحو آفاق أرحب لاستنادها إلى أسس متينة

عبدالله بن زايد يؤكد عمق العلاقات التاريخية التي تجمع الإمارات والهند

أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، عمق العلاقات التاريخية التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة والهند، والأسس المتينة التي تستند إليها، للانطلاق نحو آفاق أرحب، مشيداً في الوقت نفسه بالروابط الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، التي تتعزز بالتوازي مع التطور التنموي الذي تشهده الدولتان. جاء ذلك في مقال لسموه نشرته صحيفة «هندوستان تايمز» الهندية، أمس، بمناسبة الزيارة التي يقوم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جمهورية الهند حالياً، سلط فيه الضوء على العلاقات التاريخية التي تجمع الإمارات والهند، والأسس المتينة التي تستند إليها للانطلاق نحو آفاق أرحب. وفي ما يلي مقال سموه.

عبدالله بن زايد:

- مدينة مومباي أو بومباي كانت تمثل نافذة الإمارات نحو العالم.

- حكومتنا ملتزمة بإقامة مراكز رائدة للأعمال والصناعة والنقل.

- لدينا هدف طموح لدفع التبادل التجاري بنسبة 60% خلال 5 سنوات.

- هناك الكثير من الفرص للعمل معاً على الأمن ومحاربة الإرهاب.

- شراكة أكبر في الطاقة المستدامة والتكنولوجيا وتمكين المرأة.

ظل دستور جمهورية الهند منذ بدء العمل به بعد الاستقلال في العام 1947، يحمل بين طياته آمال وتطلعات وقيم الشعب، ويركز على مبادئ العدل والحرية والمساواة والأخوة، كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد ثبّتت في دستورها لعام 1971، ومن خلال استلهامها أقوال ومنجزات مؤسسها وباني نهضتها، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، أنها تقوم على مبادئ متقدمة، تضع السلام والرفاهية والاستقرار والتسامح والوحدة في جوهر علاقاتها مع الدول والحضارات الأخرى.

وعندما يلتقي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، خلال زيارته لها هذا الأسبوع، فإنهما سيتطرقان إلى القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين، والماضي الغني بينهما، وإمكانات تعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.

وقد مثلت مدينة مومباي، أو بومباي سابقاً، فيما مضى البوابة الأساسية لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو الهند، حيث كانت الرحلة التي تستغرق ثلاثة أيام على ظهر القوارب التي تمخر عباب بحر العرب، بمثابة المنطلق نحو التعليم والعلاج والفرص المتزايدة عند التوجه شرقاً. وكانت تلك المدينة تمثل بطرق شتى نافذة الإمارات نحو العالم.

وشكّل هذا الممر المائي المرتكز الأساسي لعلاقاتنا، وأسهم في تنشيط تجارة الأنسجة والأغذية والمجوهرات، ورسّخ بشكل ثابت عملية التبادل الثقافي واللغوي. وعندما كان اقتصاد دولتنا يعتمد بشكل كبير على استخراج اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط، كانت الهند هي المدخل الرئيس لهذا النشاط نحو الأسواق العالمية.

أما اليوم فقد برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كملتقى طرق يجمع بين منطقة المحيط الهندي وبقية أنحاء العالم، وذلك بفضل التزام حكومتنا بإقامة مراكز رائدة للأعمال والصناعة والنقل، تسهم في تنشيط الحركة بين مختلف المناطق، وتوفر فرصاً لا متناهية للتعاون. وبينما لاتزال بعض البضائع التقليدية تشكل جزءاً من علاقاتنا التجارية القوية، فإن الحجم الحالي لهذه التجارة، والذي يفوق الـ59 مليار دولار سنوياً، يوضح أن الروابط الاقتصادية الوثيقة التي تجمع الإمارات والهند تواصل نموها بالتوازي مع التطور التنموي الذي تشهده الدولتان.

وتقدر قيمة الاستثمارات الإماراتية في الهند، والتي تلقت دفعة قوية بفضل المبادرات الاقتصادية الفعالة لحكومة ناريندرا مودي، ومهّدت الطريق أمام النمو المستقبلي للهند بنحو 10 مليارات دولار. ومن المؤمل أن تسهم هذه الزيارة في زيادة هذه الاستثمارات، وكذلك في زيادة إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين، خصوصاً أن طموحاتنا المشتركة نحو الشراكة الثنائية هي طموحات استراتيجية في المقام الأول. وعلى الرغم من أن الهند هي سلفاً أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات، إلا أننا نعتبر الشريك التجاري الثالث للهند، ولدينا هدف طموح لدفع نمو التبادل التجاري بيننا بنسبة 60% خلال خمس سنوات، وهو ما يؤكد الثقة التي توليها كل دولة منا في المستقبل الواعد للدولة الأخرى، وكذلك التزامنا المشترك بالوصول بشراكتنا إلى أعلى مستوياتها. وسيأتي هذا النمو مدفوعاً بالتعاون في القطاعات ذات الاهتمام المشترك، وبالفرص الماثلة أمام دولتينا في مجالات الطاقة وصناعات الطيران والتكنولوجيا وتطوير البنى التحتية. وتمثل التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع بوجه خاص أهم المجالات التي يمكن لقطاعات الأعمال في دولة الإمارات والهند أن تتعاون فيها، مستفيدة من الفرص العالمية التي توفرها. وهناك العديد من الأمثلة على قيام هذا التعاون، أحدها «إنفيكاس»، وهي مؤسسة تتخذ من مدينتي حيدر آباد وبانغلورو مقار لها، وتعمل في مجالات تصميم أشباه الموصلات وتسجيل ملكياتها الفكرية. وقد أقامت «إنفيكاس» شراكة ناجحة مع «غلوبال فاوندريز»، الشركة التصنيعية المملوكة لأبوظبي، التي لديها عمليات في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وسنغافورة.

وإذا ما وضعنا الأعمال جانباً، يجب ألا ننسى الروابط الإنسانية التي تجمعنا، بدءاً من الإسهام الحضاري الملموس والمتواصل للجالية الهندية في الإمارات، ومروراً بالشغف المشترك للأفلام الهندية، والذي أدى لأن تصبح دولة الإمارات موقعاً رئيساً لتصوير أضخم أعمال صناعة السينما الهندية، والتي تعرف ببوليوود. وبارتكاز علاقاتهما على أسس حضارية وتجارية وتاريخية متينة، تتوافر لدولة الإمارات والهند منطلقات ثابتة للانتقال بتلك العلاقات نحو آفاق أرحب، وهذا يعني بالضرورة تكثيف التحاور والتعاون في قضايا مثل الأمن الإقليمي، وهو مجال يشهد بالفعل تعاوناً قوياً بين البلدين، إلا أنه مازالت هناك الكثير من الفرص للعمل معاً بشكل أكبر على العديد من القضايا المرتبطة بالأمن، خصوصاً محاربة الإرهاب، والأمن البحري والإلكتروني، وكذلك لتأكيد الاحترام المتبادل لمبادئ السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

المجال الآخر هو التغير المناخي، حيث تقرّ الدولتان بالتحديات العالمية الجسيمة التي تفرضها هذه الظاهرة، وتنظران إلى تطوير الموارد المستدامة للطاقة كأولوية استراتيجية مشتركة. وسيتم العمل في هذا المجال على المستويات كافة، بما فيها القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية والأكاديمية. وفيما نمضي قدماً في علاقاتنا ونحدد معالم الطريق نحو تعزيز تعاوننا في هذا المجالات ومجالات أخرى ذات أهمية عالمية، نتساءل كيف سيبدو شكل علاقاتنا الاستراتيجية المرتكزة على التوسع الناجح في قيمنا الراسخة والمشتركة؟ في تقديري الشخصي سيأتي النجاح في أشكال عديدة، مزيد من الأمن والاستقرار في المنطقة، وشراكة أكبر في مجالات الطاقة المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة، وتمكين أكبر للمرأة، ومزيد من الرحلات الجوية بين الإمارات والهند، ومزيد من التبادل الأكاديمي والثقافي، ومزيد من الازدهار الاقتصادي، وبالتالي مزيد من التفاؤل ونحن نتطلع إلى مسيرتنا المشتركة.

تويتر