متخصصان أكدا أن منح تفويض لأعضاء مجالس الإدارة بممارسة أعمال تنافس نشاط الشركــة يخلّ بأعمالها

خبراء: وضع ضوابط مشدّدة ضروري لمنع تــضارب المصالح في «المساهمات العامة»

خبيران اقترحا وضع أي شبهة تعارض المصالح ضمن بنود جدول أعمال الجمعية العمومية للموافقة عليها من المساهمين. تصوير: إريك أرازاس

تباينت آراء خبراء ماليين حول منح اجتماعات الجمعية العمومية لبعض الشركات المساهمة العامة تفويضاً لأعضاء مجالس الإدارة بممارسة أعمال قد تدخل ضمن نطاق عمل الشركة، لكنهم اتفقوا حول ضرورة وجود ضوابط تضمن عدم تعارض المصالح.

وقال خبيران إنه على الرغم من أن قانون الشركات اشترط الحصول على موافقة وترخيص من الجمعية العمومية بممارسة مجالس الإدارات لأي عمل من شأنه منافسة الشركة، إلا أن تلك الضوابط مازالت تمثل مرجعية غير كافية لما يجب أن تكون عليه بيئة الأعمال في الدولة، مؤكدين أهمية أن تبادر الشركات المساهمة العامة، من تلقاء نفسها، بوضع معايير ذاتية لمواجهة تعارض المصالح، تفوق المعايير والضوابط الموجودة في القانون، التي يجب أن تتحول إلى كونها حداً أدنى للضوابط الجديدة.

وأشارا إلى ضرورة إدراج الأعمال والعقود التي بها شبهة تعارض مصالح في بند مستقل ضمن بنود جدول أعمال الجمعية العمومية، وعرض تقرير لمراقب الحسابات الخاص بالشركة عن هذه الأعمال والعقود، للحصول على موافقة «العمومية» عن كل حالة على حدة.

من جهته، قال خبير إن عضوية مجالس الإدارات في الإمارات تختلف عن الدول الأخرى، لأن عضو مجلس الإدارة هو مستثمر أساساً، ويتم اختياره بناء على سابقة خبرته في مجال عمل الشركة نفسه، لافتاً إلى أن عضو مجلس الإدارة في الشركات المحلية ليس موظفاً، وحرمانه من العمل في مجال تخصصه قد يدفعه إلى ترك منصبه، ما يسبب ضرراً للشركة قد يفوق الضرر الواقع على عضو مجلس الإدارة ذاته.

نموذج دبي

وتفصيلاً، قال رئيس الاستثمارات في مجموعة شركات الزرعوني، وضاح الطه، إن «موضوع تعارض المصالح في الشركات المحلية له شقان، أولهما قانوني، والآخر أخلاقي يقع ضمن قواعد الحوكمة في الشركات المساهمة العامة»، موضحاً أن «المادة (‬108) من قانون الشركات الاتحادي رقم (‬8) لسنة ‬1984 وتعديلاته، تنص على أنه لا يجوز لرئيس مجلس الإدارة أو عضو المجلس، بغير ترخيص سابق من الجمعية العمومية، يجدد سنوياً، أن يشترك في أي عمل من شأنه منافسة الشركة، أو أن يتجر لحسابه أو حساب غيره في أحد فروع النشاط الذي تزاوله الشركة، وإلا كان لها أن تطالبه بالتعويض أو باعتبار العمليات التي تداولها في حسابه كأنها أجريت لحساب الشركة».

وأضاف أنه «على الرغم من وجود تلك المادة منذ نحو ‬30 عاماً، إلا أنها لا تعبر عن المطلوب، ومازالت تمثل مرجعية غير كافية لما يجب أن تكون عليه بيئة الأعمال في الدولة»، مؤكداً أهمية أن تبادر الشركات المساهمة العامة، من تلقاء نفسها، بوضع معايير ذاتية لمواجهة تعارض المصالح تفوق المعايير والضوابط الموجودة في القانون، التي يجب أن تغدو حداً أدنى للضوابط الجديدة. واقترح الطه أن «تنشئ الشركات المساهمة نموذجاً تحت مسمى (نموذج دبي)، بحيث يأخذ بواقعية شديدة طريقة وأسلوب الإفصاح الأمثل عن موضوع تعارض المصالح».

وذكر أن «أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة يجب أن يبادروا من تلقاء أنفسهم بالإفصاح عن أي نشاط به شبهة تعارض مصالح ضمن تقرير الحوكمة، لاسيما أن عنصرين رئيسين، من المبادئ الستة للحوكمة، يتعلقان بمجالس إدارات الشركات».

وشدد على أن «مفتاح نجاح مبادئ حوكمة الشركات يستند إلى إيمان أعضاء مجالس الإدارات بمبادئ الحوكمة والشفافية، وأن يسمو بتقاليد أخلاقية تفوق الضوابط القانونية المطلوبة»، مشيراً إلى أن «التزام مجالس الإدارات بالشفافية والمعايير الراقية يعد جزءاً مهماً من جذب الاستثمارات الأجنبية التي تراقب سلوك مجالس إدارات الشركات التي تختارها للاستثمار فيها».

دليل الممارسات

من جهته، قال خبير الإدارة، الدكتور جمال الشحات، إن «تعارض المصلحة ينشأ عندما يكون عضو مجلس الإدارة متأثراً بمصلحة شخصية أثناء أدائه مهام منصبه في مجلس الإدارة الموكلة إليه»، مشدداً على أهمية أن يفصح أعضاء مجلس الإدارة أمام المجلس عن علاقاتهم الأسرية أو أي ظروف قد تؤثر في استقلاليتهم.

وطالب الشحات، المسؤولين في الشركات المساهمة العامة الالتزام بالضوابط المقررة في دليل أفضل الممارسات الصادر عن ديوان المحاسبة في الإمارات، الخاص بمجالس الإدارة في المؤسسات الحكومية لاسيما وجود سجل للمصالح.

وأوضح أن «سجل المصالح هو ملف لتدوين مصالح أعضاء مجلس الإدارة غير المتعلقة بالمؤسسة، ومنها على سبيل لمثال العضوية في مجالس إدارة أخرى، أو تولي مناصب إدارية في شركات أو مؤسسات تجارية مملوكة من قبل أعضاء مجلس الإدارة، وغيرها من المصالح المالية»، مبيناً أن «سجل المصالح يتيح مراجعة العلاقات والظروف التي يمكن أن تؤثر في استقلالية رأي عضو المجلس، وتؤدي إلى تعارض في المصالح».

وذكر الشحات عدداً من الأمثلة على تعارض المصالح، ومنها أن يكون عضو مجلس إدارة هو أحد موردي بعض المواد للشركة مثل الخامات أو المعدات، أو أن يكون مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بأحد الموردين أو المتعاملين مع الشركة (كأن يكون قريب أحد الموردين للشركة أو يرتبط بصلة نسب معهم).

وأشار إلى أن «وجود تعارض في المصلحة يفقد عضو مجلس الإدارة أهليته عضواً في المجلس، لذا لا يجب عليه الاستمرار في المنصب»، لافتاً إلى أن «ديوان المحاسبة نظم عملية متابعة مسألة تعارض المصالح عبر إلزام أعضاء مجالس الإدارة بإعداد تقارير حول تغيرات الظروف وإرسالها إلى الأشخاص المكلفين باستلام ومراجعة حالات تعارض المصالح في أسرع وقت ممكن، مع الالتزام بتحديث سجل المصالح بشكل مستمر أو عبر تصريحات ربع سنوية».

واقترح الشحات تطبيق تجربة وزارة التجارة والصناعة السعودية، التي طلبت من جميع الشركات المساهمة أن تدرج في بند مستقل، ضمن بنود جدول أعمال الجمعية، طلباً للموافقة على الأعمال والعقود التي يكون لعضو مجلس الإدارة مصلحة مباشرة أو غير مباشرة فيها، أو مشاركة عضو مجلس الإدارة في نشاط من شأنه منافسة نشاط الشركة أو الاتجار في أحد فروع نشاط الشركة.

وأكد أهمية أن يبلغ رئيس مجلس الإدارة، الجمعية العمومية أثناء انعقادها، باسم العضو صاحب التعامل، وطبيعة وشروط ومدة ومبلغ التعامل، وأن يرفق بالتبليغ الموجه إلى اجتماع الجمعية العمومية تقرير مراقب الحسابات الخاص عن هذه الأعمال والعقود، مشيراً إلى أهمية ألا يتم الاكتفاء بالتصويت على هذه المعاملات ضمن الموافقة على تقرير مجلس الإدارة، وإنما يتم التصويت على كل حالة تعارض مصالح على حدة.

ضوابط حكومية

وأشار خبير الإدارة، الدكتور جمال الشحات، في ما يخص الضوابط القانونية لمواجهة تعارض المصالح لدى الشركات المساهمة العامة، إلى إمكانية تطبيق الضوابط ذاتها المتبعة لدى الحكومة الاتحادية، قائلاً إن «من أهمها المادة (‬71) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (‬11) لسنة ‬2008 بشأن الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية، التي نصت على أنه يجب على الموظف خلال تأدية واجباته الوظيفية تجنب أي تضارب قد يقع في المصالح بين نشاطاته الخاصة ومصالح الحكومة وعملياتها»، وأضاف أن «المادة ذاتها نصت على أن يتجنب الموظف أي عمل يمكن أن تثار بشأنه أي شبهات بتضارب المصالح»، مشيراً إلى أن «القانون حدد بشكل خاص تجنب الاشتراك في أي عملية أو قرار رسمي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في نجاح متعهد أو مورد يكون من أقاربه حتى الدرجة الرابعة، والاشتراك في أي قرار قد يؤدي إلى منح أي منافع أو أراضٍ أو تراخيص لأي من أقاربه حتى الدرجة الرابعة، إضافة إلى الاشتراك في أي عملية أو قرار رسمي يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في نجاح مورد أو متعهد أو مشروع يكون الموظف شريكاً فيه بأي شكل كان، ويؤدي إلى حصوله على نسبة أو حصة أو منفعة مادية مباشرة أو غير مباشرة، واستغلال منصبه الوظيفي، أو تسريب أي معلومات حصل عليها بحكم عمله، لتحقيق أهداف معينة، أو الحصول على خدمة أو معاملة خاصة من أي جهة كانت».

أمر طبيعي

بدوره، رأى الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد السامرائي، أن منح تفويض لمجلس إدارة الشركة بممارسة أنشطة قد تدخل ضمن نطاق عمل الشركة يعد أمراً طبيعياً، لكنْ شريطة عدم وجود تعارض للمصالح، عازياً ذلك إلى أن «أغلبية أعضاء مجالس الإدارات في الشركات المساهمة في الإمارات هم مستثمرون أساساً، ولديهم أعمال خاصة، واختيارهم لمجلس الإدارة يأتي بناء على سابق خبرتهم وعملهم في النشاط ذاته الذي تمارسه الشركة».

وأوضح السامرائي أن «هناك فروقاً بين عضوية مجلس الإدارة في الإمارات وبين الدول الأخرى، لأن عضو مجلس الإدارة المواطن في الشركات المحلية ليس موظفاً، وهو يمثل قيمة مضافة للشركة، وخروجه من المجلس قد يضر بالشركة بقدر أكبر من الضرر الواقع عليه شخصيا».

وأشار إلى أن «ضمان عدم وجود تعارض للمصالح هو دور رئيس، يجب أن يضطلع به المساهمون خلال اجتماعات الجمعية العمومية، إذ يمكن للمساهم، الذي يشك في وجود تعارض للمصالح يضر بالشركة، أن يعرض الأمر على اجتماع العمومية أو أن يلجأ إلى القضاء»، لافتاً إلى أن «المشكلة الرئيسة في أسواق المال المحلية أن أغلبية المساهمين لا يعرفون الحقوق الكثيرة التي كفلها لهم القانون لمحاسبة أعضاء مجالس الإدارات، لذا يصبح رئيس مجلس الإدارة هو المسيطر على مقاليد الأمور في اجتماع (العمومية) بعكس الوضع الطبيعي في الدول الأخرى».

تويتر