الجيل الخامس للمحمول وأدوات «إنترنت الأشياء» وراء الموجة الجديدة. من المصدر

الانتقال من «السحابة» إلى «حوسبة الحافة».. موجة التحول الكبرى المقبلة

خلال السنوات القليلة الماضية، طرحت «الحوسبة السحابية» نفسها كموجة تغيير كبرى في عالم التقنية، حيث جرى بموجبها نقل أعباء أعمال الحوسبة أولاً من مراكز البيانات المحلية الموجودة داخل الشركات والمؤسسات إلى مراكز الحوسبة السحابية الكبرى، التي يقدمها عمالقة التقنية، بينما تلوح في الأفق حالياً موجة تغيير جديدة، تدفع باتجاه الانتقال مجدداً من مراكز الحوسبة السحابية الكبرى، إلى مراكز «حوسبة الحافة» التي تقع على حدود أو حواف الشبكات والبنى التحتية المعلوماتية الكبرى للمؤسسات، ليكون مركز الحوسبة قريباً قدر الإمكان من مصدر البيانات التي تتم معالجتها، لتحسين أداء وموثوقية التطبيقات والخدمات، وتقليل كلفة تشغيلها عن طريق تقصير المسافة التي يجب أن تنتقل فيها البيانات من أماكن توليدها إلى أماكن تجميعها ومعالجتها.

وتحسباً لهذه الموجة الجديدة المقبلة، دعا خبراء ومسؤولو تقنية المعلومات، في المؤسسات والشركات العالمية المختلفة، إلى الاستعداد لهذه الموجة من الآن، والتي يتوقع أن يتعاظم أثرها بحلول عام 2025 وما بعده، حينما يحقق الجيل الخامس لشبكات المحمول انتشاراً أوسع، وتصل نظم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وأدوات إنترنت الاشياء إلى مستوى متقدم من النضج والانتشار.

جاء ذلك في تقرير حديث أعده فريق من الخبراء في مؤسسة «غارتنر» لبحوث تقنية المعلومات، ونشرت مقتطفات منه على غرفة الأخبار في الموقع الرسمي للمؤسسة، ويتوقع مناقشته تفصيلياً في مؤتمر تنظمه المؤسسة تحت عنوان «قمة الأعمال»، في مايو المقبل بمدينة لندن.

«حوسبة الحافة»

ويقصد بـ«حوسبة الحافة» الحوسبة، التي تتم بصورة كثيفة وفورية ومستمرة في أدوات وأجهزة تعتمد بالأساس على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتعلم العميق، وإنترنت الأشياء، وهي بالأساس أجهزة موصولة ومترابطة في شبكات كبيرة وواسعة النطاق، لكنها تقف عند طرف أو حافة الشبكة وليس في قلبها، كما هي الحال في الحاسبات الخادمة. ومن الناحية العملية، يعني هذا توزيعاً جديداً لموارد الشبكة على كمية كبيرة ومتنوعة ومكدسة من البرمجيات على طول الطريق بين مراكز البيانات المركزية، والعدد الكبير المتزايد من الأجهزة المنتشرة حوله، والتي تركز بشكل خاص، لكن ليس حصرياً، على جعل عملية المعالجة تتم على مقربة من الميل الأخير أو حافة الشبكة، على كلا الجانبين، البنية التحتية والجهاز.

وتعتبر السيارات الذكية ذاتية القيادة من الأمثلة البارزة الدالة على «حوسبة الحافة»، حيث إن تلك السيارات سيكون لديها أكثر من 200 من وحدات المعالجة المركزية، وهذا معناه أنها مركز بيانات على عجلات، وأن لديها بيانات أضخم من أن يتم تحويلها إلى مكان آخر لمعالجتها، وتحتاج إلى النتائج لحظياً وفورياً، فمثلاً تريد السيارة أن تعرف فورياً متى تستخدم الفرامل ومتى ترفع السرعة، ومن ثم لن يكون عملياً أن يستخدم كل جهاز أو وحدة معالجة بالسيارة الحوسبة السحابية كمورد للمعالجة والذاكرة، كما هي الحال مع الهواتف الذكية الحالية، التي ترسل كل شيء إلى السحابة لكي تتم معالجتها، وتخزينها والعودة بالنتائج إلى الهاتف.

وينطبق هذا الأمر على ملايين من الأجهزة العاملة بالذكاء الاصطناعي، كالطائرات بدون طيار التي يتم التحكم بها عن بعد والمعدات الطبية و«روبوتات» الصناعة، إضافة إلى المستشعرات والكاميرات المبثوثة في مئات الآلاف من المواقع، والأجهزة المنزلية، وغيرها.

80 % حوسبة سحابية

وتوقع تقرير «غارتنر» أنه بحلول عام 2025، ستكون 80% من المؤسسات والشركات أغلقت مراكز بياناتها المحلية، وانتقلت إلى الحوسبة السحابية، مشيراً إلى أن ذلك يتزامن مع انتشار واسع للخدمات والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وإنترنت الأشياء. وأوضح التقرير أن هذه التطورات ستحدث في إطار مبادرات تقنية المعلومات، التي تتم في الأغلب خارج الميزانية التقليدية للشركات، وتركز بصورة متزايدة على تجربة العملاء مع التطبيقات الخارجية، وعلى التأثير المباشر لتجربة العملاء الضعيفة في سمعة الشركة، إذ يتسبب هذا التركيز الخارجي في إعادة نظر العديد من المؤسسات في وضع بعض التطبيقات، استناداً إلى زمن الوصول إلى الشبكة، ومجموعات تجمعات العملاء والقيود الجغرافية السياسية، ومنها على سبيل المثال قانون حماية البيانات العامة بالاتحاد الأوروبي. وأضاف أنه في بيئة من هذا النوع، سيكون من المحتم أن تتغير طبيعة الحوسبة السحابية، ويوضع حد لشكلها الحالي المعروف، لتتحول إلى ما يشبه العقول الاستراتيجية الكبرى وراء ذلك كله، حيث سترسل لها بيانات قليلة للغاية من الآلات والأجهزة المختلفة، لتقوم السحابة بتحليلها ثم مشاركة ما تعلمته مع كل الأدوات الأخرى، وبهذه الطريقة تساعد في أن يتعلم الجميع من بعضهم بعضاً. وتابع التقرير أنه عندما تصل الأمور إلى هذه الدرجة، ستكون الحوسبة السحابية قد أصبحت من «تقنيات الأمس»، التي تلعب دوراً هامشياً في بيئة «اليوم والغد» التي تسودها «حوسبة الحافة»، التي تدفع بإمكانات الحوسبة إلى أقصى الحدود المنطقية للشبكة من أجل تحسين الأداء وكلفة التشغيل وموثوقية التطبيقات والخدمات، من خلال تقصير المسافة بين الأجهزة والموارد السحابية التي تخدمها، وكذلك تقليل القفزات على الشبكة، وتخفيف قيود الكمون والبطء، وعرض النطاق الترددي لشبكة الإنترنت.

نمو

وضعت مؤسسة «ماركت ستاند» للبحوث والاستشارات تصوراً للنمو المتوقع لـ«حوسبة الحافة»، حيث قدرت أن يصل حجم سوق هذه التقنية عالمياً إلى 672 مليون دولار بحلول عام 2022، مع معدل نمو سنوي مركب يصل إلى 35.5%.

الأكثر مشاركة