«إنتل» بدأت تتعرّض لانتكاسات متتالية منذ عام 2015 في مجال الأجهزة القابلة للارتداء. أرشيفية

«إنتل» تستعد لخروج نهائي من سوق الأدوات القابلة للارتداء

تسببت «شركة إنتل الأميركية»، عملاق صناعة الشرائح الإلكترونية عالمياً، بصدمة كبيرة في عالم صناعة الأجهزة الصحية الطبية الذكية القابلة للارتداء، بعدما أعلنت الأسبوع الجاري، إلغاء الإدارة المسؤولة عن تصميم وتصنيع هذه الأجهزة، وتسريح 80% من موظفيها، وتوزيع المتبقين على الإدارات الأخرى في الشركة. وجاء قرار «إنتل» ليشكل نهاية مأساوية لرحلة طموحة، بدأت بأحلام وردية وحملة إعلامية صاخبة في عام 2013، قادتها الشركة ومسؤولوها الكبار، حول هذه النوعية من الأجهزة ومستقبلها، وسوقها المزدهرة الواعدة، ثم بدأت تتعرض لانتكاسات متتالية منذ عام 2015، حتى أفاقت منها على كوابيس، انتهت بشطب ملايين الدولارات التي استثمرت في هذه التقنية.

فراق نهائي

- واجهت «إنتل» في يوليو 2015 مشكلة السخونة الزائدة في «ساعات بيزس».

- «إنتل» أطلقت «مجلس غاليليو» لتنمية مجتمع مطوّرين لبناء نظم قابلة للارتداء.

تراجع كلي

قالت مصادر مقربة من شركة «إنتل الأميركية» لموقع «بي سي وورلد»، إن قرار الشركة إلغاء إدارة الأجهزة الصحية القابلة للارتداء، يعني أن «إنتل» على وشك التراجع عن إنتاج الأجهزة القابلة للارتداء كلية، خصوصاً أنها لم تذكر مطلقاً أي أرقام عن الأرباح المحققة من هذا النشاط في جلسات الإفصاح السنوية عن الأرباح منذ عام 2013.

أنباء هذا التطور اللافت من قبل «إنتل» بدأت بتقرير بثه موقع قناة «سي إن بي سي» الاقتصادية صباح 19 يوليو الجاري، ورد فيه أن «إنتل» ألغت كلية إدارة الأجهزة الصحية الذكية القابلة للارتداء منذ أسبوعين على الأقل، ثم توالت التقارير في معظم مواقع التقنية الكبرى خلال اليومين التاليين.

والمراجعة التي قامت بها «الإمارات اليوم» لملابسات القرار، تشير إلى أن الأمر ليس «وداعاً بين محبين على أمل اللقاء»، لكنه فراق بين مختلفين، كل منهما أعطى ظهره للآخر، وذهب في اتجاه معاكس، إذ إن «إنتل» حسمت الأمر بقولها في أحد التقارير، إن «مجموعة التقنيات الجديدة في الشركة ستركز على تقنية الواقع المعزز»، والمعروف أن هذه المجموعة كانت هي الحاضنة الرئيسة لسلسلة المنتجات الصحية الذكية القابلة للارتداء، وذابت فيها كل الشركات والكيانات التي استحوذت عليها «إنتل» من قبل في هذا المجال.

بداية الأحلام

بدأت «إنتل» تفصح عن أحلامها في مجال الأجهزة الصحية الذكية القابلة للارتداء في مطلع عام 2013، حينما أطلقت ما سمته «مجلس غاليليو» بالشراكة مع شركة «أرديوينو»، بهدف تنمية مجتمع من المطورين لبناء نظم ذكية قابلة للارتداء، وفي مقدمتها النظم الصحية، باستخدام الأجهزة المعتمدة على معالجات فئة «إيه آر إم» مثل منتج «راسبيري بي».

ثم أقدمت عقب ذلك على مبادرة أخرى حملت اسم «إيدسون» في عام 2014، بهدف الوصول إلى وحدات ومنتجات معتمدة على حوسبة «إنتل»، توفر قوة الحوسبة التي تحتاجها الأجهزة القابلة للارتداء، وأجهزة «إنترنت الأشياء» المنزلية مثل الميكروفونات الذكية. وظهر للوجود بالفعل منتجاً يحمل اسم «إيدسون»، ثم قدمت «إنتل» منتجاً آخر هو «جولي» عالي القدرة للمزيد من التطبيقات المتقدمة مثل الروبوتات.

في غضون ذلك، قال الرئيس التنفيذي لـ«إنتل»، برايان كارزانيش، في إحدى كلماته أمام معرض للإلكترونيات الاستهلاكية، إن الصحة واللياقة وحدت الأسواق التي تستهدفها إدارة «إنترنت الأشياء» في «إنتل»، فهي التقنية التي ستمكننا من خبرات وتجارب جديدة، والمنتجات التي ستكون ناجحة في المستقبل.

صفقة «بيزس ساينس»

تنفيذاً لهذه الرؤية استحوذت «إنتل» على شركة «بيزس ساينس» للساعات الذكية في مارس 2014، في صفقة لم تعلن أرقامها المحددة، لكن التقارير تحدثت عن قيمة راوحت بين 100 و150 مليون دولار. وفي ذلك الوقت كانت «بيزس ساينس» تمتلك 7% من سوق الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، المخصصة لتتبع حالة اللياقة البدنية، وكان لديها منتج واحد رئيس بارز في سوق المستهلكين هو «ساعة بيزس» لتتبع اللياقة البدنية، التي تتصل بلوحة عرض بيانات شخصية عبر الإنترنت، لتشجيع المستخدمين على إدراج الخيارات الصحية المفيدة في نمط حياتهم. ومن حيث المواصفات، فإن هذه الساعة تقيس الخطوات التي يخطوها الإنسان طوال اليوم، والسعرات الحرارية التي يحرقها، وجودة النوم، والقياسات الفسيولوجية الأخرى، مثل معدل نبض القلب، وتقوم بتجميع هذه البيانات وتحليلها، ثم تقترح على صاحبها تلقائياً نصائح ومخططات صحية، لتحقيق أهداف صحية جديدة، ليقوم الشخص بمحاولة تحقيقها. كان من المخطط أن تأخذ الصفقة «إنتل» إلى مكانة أفضل في مجال الساعات الذكية، من خلال تطوير وتدعيم منتج راسخ في السوق، ولديه حصة واضحة وتقنية متاحة بالفعل، كما أن الساعة الذكية وفريق التصميم الخاص بها، يمكن أن يكون منصة لـ«إنتل» لبناء تصميماتها وميزاتها الخاصة.

تقنيات متعددة

إضافة لذلك كله، اهتمت «إنتل» بتقنيات أخرى منها الأجهزة القابلة للارتداء، المخصصة لمراقبة ومتابعة حديثي الولادة والرضع، ومنها سماعة رأس «غارفيس»، وشريحة إيدسون الذكية. وبدا أن «إنتل» في طريقها للحاق والمنافسة مع المنافسين الذين دخلوا بالفعل سوق الأجهزة القابلة للارتداء بأجهزة الاستشعار والأدوات المختلفة، فـ«شركة كوالكوم الأميركية» تقوم بتوريد وإمداد معظم العاملين في هذه السوق بأجهزة الاستشعار، كما أن الشركات الكبرى مثل «سامسونغ» و«إل جي» أصبح لديها بالفعل أجهزة قابلة لارتداء، وأشيع أيضاً أن «غوغل» على طريق إنتاج ساعة ذكية جديدة.

وفي يونيو 2015، استحوذت «إنتل» على شركة «ريكون»، وهي شركة تصنّع شاشات عرض يمكن ارتداؤها لراكبي الدراجات. وقال مؤسس الشركة، دان ايزن هاردت، إن «إنتل» تعتبر الشريك المثالي لـ«ريكون»، فهي تتشارك معها في الرؤية الخاصة بالأجهزة القابلة للارتداء. ووصلت رحلة الأحلام إلى ذروتها مع إنشاء «إنتل» إدارة جديدة، أطلقت عليها «مجموعة الأجهزة الجديدة»، وهي جناح صمم لعمل دور كبير في سوق الأجهزة القابلة للارتداء الواعدة جداً والمزدهرة، وفي مقدمتها الأجهزة الطبية الذكية القابلة للارتداء.

رحلة تراجع

في يوليو 2015، بدأت «إنتل» تستفيق على كوابيس تعترض رحلة أحلامها مع الأجهزة الطبية الذكية القابلة للارتداء، حينما واجهت مشكلة السخونة الزائدة في «ساعات بيزس»، التي أبلغ أنها ظهرت في 0.2% من الساعات المطروحة منها في السوق، وأن السخونة الزائدة تصل لمرحلة حرق الجلد أو ظهور بثور وندب. وانتهى الأمر بقرار من «إنتل» بسحب كل «ساعات بيزس» من السوق، وإصدار بيان تطلب فيه من جميع المستخدمين والمشترين والمالكين لهذه الساعات بإعادتها إلى الشركة، والتوقف فوراً عن ارتدائها. وتوالت التداعيات حتى انتهت بصدور قرار في أغسطس 2016 بإيقاف إنتاج هذه الساعات، وإيقاف الدعم الفني المقدم للبرمجيات العاملة فيها. توالت الكوابيس بعد ذلك، ليصدر قرار بإلغاء منتجات «ريكون»، ثم إلغاء «مجلس غاليليو»، ثم مبادرة «إيدسون» ومنتجاتها، لتصل الأمور إلى ذروتها العكسية، ويحدث الفراق بالقرار الأخير الذي ذكر تقرير «سي إن بي سي» أنه ألغى تماماً إدارة الإجهزة الصحية القابلة للارتداء، وفي مقدمتها أدوات تتبع حالة اللياقة البدنية، والساعات الذكية.

الأكثر مشاركة