باحث أميركي: تصفح الإنترنت يؤدي إلى التشتت الذهني وعدم التركيز

توصل الباحث والكاتب الأميركي، نيكولاس كار، بناء على عدد من الدراسات والتجارب العلمية حول نشاط المخ حال تصفح الإنترنت واستخدام محركات البحث في الوصول إلى المعلومات، إلى أن الإنترنت هو نظام يؤدي إلى التشتت الذهني وعدم التركيز، ولا يترك أثراً طويلاً في المخ البشري، إذ إنه لا يُبقي في الذاكرة طويلة الأمد في المخ القدر الكافي من المعلومات الذي يبقى من القراءة التقليدية، مشيراً إلى أن البريد الإلكتروني يشتت الذهن أكثر من 30 مرة في الساعة الواحدة.

وتساءل كار، في كتاب جديد نشره أخيراً، حول ما إذا كانت محركات البحث تساعد على تقليص الذكاء لدى مستخدميها، وما هو نوع المخ الذي تعطينا إياه الإنترنت، لكنه في المقابل تناول العديد من الدراسات التي أثبتت أن هناك العديد من التأثيرات الإيجابية للإنترنت ومحركات البحث.

محرك «غوغل»

وتفصيلاً، طرح الباحث والكاتب الأميركي، نيكولاس كار، تساؤلاً حول ما إذا كانت محركات البحث وفي مقدمتها محرك «غوغل» تساعد على تقليص الذكاء لدى مستخدميها وتجعلهم أغبياء، على حد وصفه.

وناقش كار هذه الفرضية باستفاضة في كتاب جديد مثير للجدل خصصه لهذه القضية، ونشر عنه موقع sciencedaily.com مراجعة مطولة، أوضحت أن الكاتب استعرض في كتابه سلسلة طويلة من البحوث والتجارب العلمية التي تمت في مراكز ومعامل بحثية مختلفة وحاولت التحقق من هذه الفرضية.

وذكر الباحث إحدى التجارب المثيرة للجدل حول طبيعة الإنترنت وتأثيرها في العقل البشري، أجراها أحد أساتذة علم النفس على مجموعة تتكون من ستة متطوعين، منهم ثلاثة محترفين في البحث على الإنترنت وثلاثة مبتدئين، وذلك لدراسة نشاط المخ حال تصفح الإنترنت واستخدام محركات البحث في الوصول إلى المعلومات.

رنين مغناطيسي

واستخدمت في التجربة تقنيات لقياس الرنين المغناطيسي أثناء استخدام محرك البحث «غوغل» وتصفح موضوعات محددة سلفاً، وهي الفوائد الغذائية للشكولاتة وقضاء الإجازة في جزر «جلاباجوس» وشراء سيارة جديدة، إذ أظهر جهاز الرنين مناطق في المخ تتعرض لنشاط أعلى من خلال قياس الزيادة في تدفق الدم إلى هذه المناطق.

وأظهرت المجموعتان (المحترفون والمبتدئون) أوجه اختلاف ملحوظة، فنشاط المخ عند الأشخاص الثلاثة المحترفين كان أكثر اتساعاً من المبتدئين، خصوصاً في قشرة المقدمة الأمامية للمخ المرتبطة بمهام حل المشكلات واتخاذ القرارات، لكن بعد دخول كل من المجموعتين على تلك الموضوعات وقراءة أجزاء نصية منها، لم يظهر القياس أي اختلافات في نشاط المخ بينهما، وكان الدليل هنا يشير إلى أن المسارات العصبية المميزة للمتطوعين المحترفين تطورت بسبب زيادة استخدامهم للإنترنت.

وكررت التجربة بعد ستة أيام من إجرائها للمرة الأولى، لكن هذه المرة مع اشتراط أن تقضي مجموعة المبتدئين ساعة يومياً في البحث على الإنترنت خلال الأيام الستة.

وكشفت التجربة أن نشاط المخ لهؤلاء المبتدئين تغير بشكل ملحوظ، بحيث أصبح يشبه نشاط المخ في مجموعة المحترفين، ثم أعيد تكرار التجربة مع 18 متطوعاً آخر وظهرت النتائج نفسها.

الإنترنت والمخ

وتساءل كار عن نوع المخ الذي تعطينا إياه الإنترنت، إذ إن هذا السؤال كان مثار جدل كبير في البحوث خلال السنوات الأخيرة.

وتوصلت عشرات الدراسات من جانب علماء النفس والأعصاب والمعلمين إلى النتيجة ذاتها، أنه عند تصفح الإنترنت، تدخل عقولنا بيئة تدعم القراءة بالإشارة والتفكير السريع والمشتت والتعليم السطحي، وعلى الرغم من أن الإنترنت تمنح وصولاً سهلاً إلى كميات هائلة من المعلومات، فإنها تحولنا إلى مفكرين سطحيين وتغير بالمعنى الحرفي للكلمة تركيب المخ البشري.

وكانت أجريت تجربة أخرى أكدت ذلك، إذ اختبر فيها 70 كندياً بهدف المقارنة بين القراءة الخطية الإلكترونية لرواية ما من دون نصوص تشعبية، وبين قراءة الراوية نفسها، لكن بوجود نصوص تشعبية وكذلك قراءة الرواية بالشكل العادي المطبوع وقراءة نسخة رقمية منها، توصلت التجربة إلى أن القراءة العادية والقراءة من دون نصوص تشعبية تقوي الذاكرة وتوفر الوقت.

النص والفيديو

في السياق نفسه، أشار الباحث الأميركي إلى دراسة شملت 100 متطوع قسم بعضهم لمشاهدة عرض تقديمي عن دولة مالي من خلال متصفح الإنترنت، فيما شاهد آخرون نسخة تحتوي على ملف «فيديو»، وآخرون قرأوا نسخة تحتوي على نص فقط.

وانتهت الدراسة إلى أن من قرأ النسخة النصية فقط هم من أجابوا عن الأسئلة بشكل صحيح عن الذين شاهدوا النسخة التي فيها ملف فيديو ووسائط متعددة، وكان العرض التقديمي جيداً من الناحية التعليمية ومن ناحية الفهم، وكذلك في متعة القراءة.

وساق الباحث نتائج دراسة أظهرت أن القراءة بنصوص تشعبية وروابط مصحوبة بصور وملفات فيديو وإعلانات، أسوأ كثيراً من قراءة نصوص إلكترونية لا تحتوي على كل هذا القدر من مسببات التشتت الذهني. كما انتهت الدراسة كذلك إلى أن القفز بين الصفحات والمستندات الإلكترونية يقلل التركيز ويعيق الفهم.

في المقابل، تناول الباحث العديد من الدراسات التي أثبتت أن هناك العديد من التأثيرات الإيجابية للإنترنت ومحركات البحث، تشمل التناسق بين العين واليد وسرعة الاستجابة ومعالجة التأثيرات البصرية كما في ممارسة الألعاب، فضلاً عن أن الإنترنت زادت من وعي بعض شرائح المستخدمين كما حدث في الدراسة البريطانية التي أظهرت زيادة وعي المرأة الإنجليزية بما يتعلق بالمجال الطبي وتناول الأدوية.

المشكلة الأساسية

وبناء على تلك الدراسات وغيرها، انتهى كار في كتابه إلى أن الإنترنت هي نظام يؤدي إلى التشتت الذهني وعدم التركيز، ولا يترك أثراً طويلاً في المخ البشري، إذ لا يبقي في الذاكرة طويلة الأمد في المخ القدر الكافي من المعلومات الذي يبقى من القراءة التقليدية.

وقال كار إن المشكلة الأساسية تكمن في طغيان النصوص التشعبية والأنواع المختلفة من الوسائط، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى نمط من القراءة السريعة على الإنترنت بسبب هذا العدد الهائل من المشتتات الذهنية.

وأوضح أنه يكفي مثلاً أن البريد الإلكتروني يشتت الذهن أكثر من 30 مرة في الساعة الواحدة.

الأكثر مشاركة