شركات التكنولوجيا الأميركية بين العقود الحكومية وحماية بيانات المستخدمين

رفضت شركة «أبل» الأميركية طلب محكمة أميركية تقديمها المساعدة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لفتح هاتف «آي فون» يعود إلى أحد مهاجمي حادث إطلاق النار في مدينة «سان برناردينو» في ولاية كاليفورنيا الأميركية في نوفمبر الماضي، وكتب الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، تيم كوك، خطاباً مُؤثراً، حذّر فيه من التأثيرات بعيدة المدى التي تتجاوز هذه القضية، في وقت أبدى فيه المدافعون عن الخصوصية قلقهم من «أبواب خلفية»، قد تستخدمها سلطات إنفاذ القانون للسيطرة على بيانات المستخدمين، في حال رضخت «أبل» للطلب الحكومي، وقلق شركات أخرى من تأثير ذلك في العقود الحكومية التي تحصل عليها.

ردود فعل

وجاءت ردود شركات التكنولوجيا الأخرى مزيجاً من الصمت والدعم الحذر، إذ كتب الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل» الأميركية، سوندار بيتشاي، على «تويتر» قائلاً: «إن طلبات سلطات إنفاذ القانون اختراق أجهزة المستهلكين وبياناتهم، ربما تُمثل سابقة مُثيرة للقلق».

وسرعان ما أصدر «تحالف إصلاح المراقبة الحكومية»، الذي يجمع شركات: «أبل» و«غوغل» و«فيس بوك» و«مايكروسوفت»، بياناً عاماً لم يشر إلى قضية «أبل» أو خطاب كوك، لكن ذكر أنه لا ينبغي أن يُطلب من شركات التكنولوجيا وضع «أبواب خلفية» في منتجاتها تسمح بوصول السلطات الحكومية إلى البيانات.

أما الرئيس التنفيذي لشركة «تويتر»، جاك دورسي، فقال: «إن شركته تُساند (أبل) وكوك». كما أصدرت «فيس بوك» بياناً لم يتحدث صراحة عن موقف «أبل»، لكنها قالت فيه: «إنها ستُقاتل بضراوة الطلبات التي تشترط إضعاف الشركات لأنظمتها الأمنية».

وكانت مواقف بعض الشخصيات الشهيرة في «وادي السيليكون» أشد وضوحاً في دعم موقف كوك، منهم الرئيس التنفيذي لتطبيق التراسل الفوري «واتس أب»، جان كوم، الذي تمتلكه شركة «فيس بوك»، والذي كتب في «فيس بوك» مُتحدثاً عن إعجابه بموقف كوك حيال الخصوصية، وقال: «لا يجب أن تسمح بتأسيس هذه السابقة الخطيرة، فاليوم حريتنا وتحررنا عرضة للخطر».

عوامل معقّدة

ويُسلط تنوّع الردود الضوء على المجموعة المُعقّدة من العوامل التي تُؤثر في مواقف شركات التكنولوجيا من الطلبات الحكومية لبيانات المستخدمين، في عصر يلي ما كشف عنه المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية، إدوارد سنودن، عن ممارسات مراقبة حكومية واسعة النطاق.

وربما ترغب بعض الشركات في إبعاد نفسها عن دائرة الاهتمام قدر الإمكان، لتجنب التحوّل إلى أهداف، في ظل الحملات الصاخبة للانتخابات الأميركية العام الجاري، كما تخشى شركات أخرى اتخاذ مواقف صريحة قد تُعرّض تعاقداتها مع المؤسسات الحكومية للخطر.

وقال المحامي السابق لشركة «مايكروسوفت» ووزارة العدل الأميركية، توم روبين، إن «المسألة ذات أهمية بالغة ليس للحكومة و(أبل) فقط، وإنما لشركات التكولوجيا العملاقة الأخرى».

«أبواب خلفية»

وتعهد كوك بمقاومة طلب المحكمة الاتحادية مساعدة الشركة لمكتب التحقيقات الفيدرالي في تخطي الإجراءات الأمنية في هاتف «آي فون»، ويخشى كوك من إضعاف الامتثال لأمر المحكمة كثيراً للحماية التي تُوفرها «أبل» لخصوصية المتعاملين معها، في وقت يُحذر فيه محامون ومدافعون عن الخصوصية من أن نجاح الحكومة في القضية قد يقود إلى طلبها من شركات التكنولوجيا إتاحة «أبواب خلفية» في منتجاتها للسلطات المسؤولة عن إنفاذ القانون.

لكن وراء المواقف الظاهرة، يوجد عدم ارتياح بين بعض الشركات المُتحالفة مع «أبل» تجاه فكرة المراقبة الحكومية، إذ أقرّ جميع الشركات ضمن «تحالف إصلاح المراقبة الحكومية»، منها «أبل»، بامتثالها غالباً لطلبات السلطات لبيانات المستهلكين بموجب أوامر المحكمة.

موقف عدائي

وفقاً لبعض الأشخاص المطلعين على المحادثات الجارية بشأن القضية، لا يُخول لهم الحديث علناً، فإن بعض الشركات في التحالف تعتبر موقف «أبل» في هذه القضية عدائياً أكثر مما يجب. وانتقى «إصلاح المراقبة الحكومية» كلمات بيانه الأسبوع الماضي بعناية شديدة، وذكر أن شركات التحالف «تظل ملتزمة بتوفير المساعدة التي تحتاجها سلطات إنفاذ القانون، مع حماية أمن المتعاملين ومعلوماتهم».

كما أن هناك خلافاً بشأن أسلوب إدارة «أبل» للقضية، إذ قال الرئيس التنفيذي لشركة «فيكترا نتووركس» Vectra Networks لأمن المعلومات في كاليفورنيا، جونتر أولمان، إن «طلب الحكومة الأميركية مساعدة (أبل) في فتح قفل هاتف (آي فون) الخاص بأحد مرتكبي هجوم (سان برناردينو) يُشبه طلبات سابقة»، ورأى أن «أبل» تبدأ معركة عالية المخاطر دون داع، من خلال تصوير فتح قفل الهاتف، مثل وضع «باب خلفي» شامل في منتجاتها.

وأعرب أولمان عن قلقه بأن استخدام «أبل» حجة الخشية من استخدام أبواب خلفية لرفض طلب «مكتب التحقيقات الفيدرالية»، قد يُفقدها الحجة القانونية، وهو أمر قد يكون له تداعيات واسعة النطاق على قطاع الأمن برمته. ورأى أولمان أنه في حال صورت «أبل» القضية كمسألة تقنية، فستكون فرصة خسارة الاسئناف محدودة جداً، بدلاً من تصنيف القضية ضمن الخاصة بمكافحة الإرهاب.

عقود حكومية

كما شكك أنصار الخصوصية حول الأسباب التي جعلت «أبل» على استعداد للمخاطرة، باتخاذ موقف أكثر جرأة نحو ما تعتبره تجاوزاً من سلطات إنفاذ القانون، منها عدم حماسها للأعمال المشتركة مع المؤسسات الحكومية خلافاً لبعض منافسيها.

ومثلاً، ترتبط «أمازون» باتفاق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتولي عملياتها في الحوسبة السحابية. فيما أثنت «مايكروسوفت» على إعلان وزارة الدفاع الأميركية تحديث أنظمة تشغيل أجهزتها إلى نظام «ويندوز 10». ومع ذلك، اختلفت «مايكروسوفت» مع الحكومة الأميركية حول قضايا، منها تخزين بيانات المستهلكين خارج الولايات المتحدة.

وقال رئيس مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية المعني بالدفاع عن الخصوصية، مارك روتنبرج، إن «بعض شركات التكنولوجيا قلقة بعض الشيء حيال اتخاذ موقف، خشية التأثير سلباً في فرصها في الفوز بعقود حكومية».

ويُفسر بعض المدافعين عن الخصوصية موقف «أبل» بشأن قضايا الخصوصية القوي، بعدم اعتماد أعمالها على جمع معلومات المستخدمين عبر الإنترنت، كما هي حال غيرها من شركات التكنولوجيا، مثل: «غوغل» و«فيس بوك» و«تويتر».

وفي خطاب حول الخصوصية نُشر على موقع «أبل» عام 2014 قارن تيم كوك بين سياسات الخصوصية في شركته، التي تجني معظم أرباحها من مبيعات الأجهزة، مثل هواتف «آي فون» وأجهزة «ماك»، وسياسات شركات الإنترنت التي تعتمد مكاسبها على الإعلانات.

ويرى البعض في موقف «أبل» الحازم انعكاساً لرؤية كوك حول الخصوصية باعتبارها حقاً إنسانياً، إذ قال الأستاذ المساعد في القانون في «جامعة واشنطن» ريان كالو: «أعتقد حقاً أن لدى رئيس (أبل) التنفيذي إيمان بمسائل الخصوصية والشخصية».

الأكثر مشاركة