«جنرال إلكتريك» تؤكّد حضورها في العصر الرقمي
طالما ارتبطت شركة جنرال إلكتريك بالمنتجات الضخمة وثقيلة الوزن، كالقاطرات والمحركات النفاثة والتوربينات، لكن الشركة الصناعية الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية، عملت طيلة السنوات الماضية على تأكيد حضورها في مجال البرمجيات والمنتجات الصناعية المُزوّدة بأجهزة الاستشعار في محاولة لتحقيق الريادة في عالم «الإنترنت الصناعي».
وعبّر عن ذلك الرئيس التنفيذي للشركة، جيفري إيميلت، خلال سبتمبر الماضي، بقوله إن «جنرال إلكتريك» ستصير واحدة من أهم 10 شركات للبرمجيات في العالم بحلول عام 2020.
وقطعت الشركة، أخيراً، خطوة جديدة في سبيل ابتكار جديد لدورها وصورتها العامة كشركة صناعية في قلب العصر الرقمي. وأعلنت عن نقل مقراتها الرئيسة من ضواحي مدينة فيرفيلد في ولاية كونيتيكت إلى مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس.
ويلفت قرار «جنرال إلكتريك»، التي طالما اعتبرت مؤشراً دالاً على حالة الاقتصاد الأميركي، إلى اتجاه مختلف الشركات التقليدية في جميع المجالات تقريباً إلى إعادة التفكير في عملها وتقديمه بما يلائم العصر الرقمي. ويحمل ذلك فرصاً مهمة بقدر ما يشكل تهديداً خطيراً على الشركات القديمة.
ويظهر ذلك في اتجاه سلسلة متاجر «وولمارت» للتجزئة إلى زيادة استثماراتها في التجارة عبر الإنترنت لمواجهة التحدي الذي تُمثله شركة «أمازون»، كما تُسارع شركات السيارات، مثل «فورد» و«جنرال موتورز» لتحديث إنتاجها وملاحقة ابتكارات شركات أخرى أحدث مثل «تسلا» و«غوغل».
ووصف إيميلت مدينة بوسطن بأنها تُشارك التطلعات نفسها مع «جنرال إلكتريك». وتضم المدينة 55 كلية وجامعة، منها مؤسسات تعليمية مرموقة مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة هارفارد، وجامعة نورث إيسترن.
وقالت «جنرال إلكتريك» إن من بين الأسباب التي جذبتها إلى بوسطن ازدهار استثمارات رأس المال المغامر والشركات الناشئة، إضافة إلى تشجيع الحكومة المحلية وحكومة الولاية للشركات.
ويضم مقر «جنرال إلكتريك» في فيرفيلد 800 موظف، وهم نسبة صغيرة من بين 360 ألف موظف يعملون في الشركة في مختلف أنحاء العالم. وسيضم مقر «جنرال إلكتريك» في بوسطن 800 موظف ومدير أيضاً، لكن سيعملون وسط تجهيزات مختلفة للمقر الرئيس.
وسيضم مقر «جنرال إلكتريك» في بوسطن 200 موظف، إلى جانب 600 من مديري المنتجات الصناعية الرقمية والمطورين والمصممين في تخصصات مختلفة، منها «الروبوتات» وعلوم الحياة وتحليل البيانات.
كما سيكون المقر الجديد أكثر رشاقة وأسرع وأكثر انفتاحاً في ظل التدفق المستمر من الشركاء في مجال الصناعة والمبتكرين والمستهلكين، بما يجعله أقرب الشبه بالشركات الناشئة في المناطق الحضرية أكثر من مقر لشركة في الضواحي المنعزلة، كما كان الحال في الماضي، بحسب ما قال مسؤولون في «جنرال إلكتريك».
ويرى محللون أن خطوة «جنرال إلكتريك» تُناسب اتجاهها خلال الأعوام الأخيرة، وقال المحلل في شركة «بيرنشتاين» للأبحاث، ستيفن وينكر: «يُؤكد توجه (جنرال إلكتريك) نحو التكنولوجيا الرقمية، التزامها الاستراتيجي بذلك خلال العقود المُقبلة».
وعلى مدار سنوات ظلت «جنرال إلكتريك» في طليعة الشركات الصناعية الساعية إلى استخدام بيانات أجهزة الاستشعار والبرمجيات لجعل الآلات أكثر ذكاءً، والسماح لها باستخدام قدر أقل من الوقود، وتوقع للأعطال قبل حدوثها. وكثيراً ما أطلق مسؤولو الشركة على ذلك «الأعمال الرقمية الصناعية».
ويُمثل الاتجاه الرقمي لشركة «جنرال إلكتريك» جزءاً من تطورها في ضوء تركيزها على الاستثمار في الجانب الصناعي من عملها، وتقليص حجم ذراعها المالية عقب الأزمة المالية. وافتتحت الشركة في عام 2011 وحدة منفصلة للبرمجيات في مدينة سان رامون في ولاية كاليفورنيا، ويعمل فيها 2000 شخص.
وكانت «جنرال إلكتريك»، انتقلت إلى مقرها في فيرفيلد في عام 1974، وشهدت تلك الفترة مغادرة الكثير من الشركات الرئيسة مدينة نيويورك باتجاه الضواحي التي تُوفر مستوى أقل من الضرائب وتكاليف المعيشة، فضلاً عن مدارس عامة جيدة. وتحدثت «جنرال إلكتريك» للمرة الأولى عن تفكيرها في تغيير موقع مقرها الرئيس في يونيو الماضي، بعدما طلبت ولاية كونيتيكت زيادة الضرائب لسد العجز في موازنتها.
وأعطى ذلك حافزاً لشركة «جنرال إلكتريك» للتعجيل في اختيار مقر جديد، لكنها ذكرت أخيراً أن إدارتها بدأت في دراسة الدور الملائم للمقر الرئيس وموقعه لفترة تتجاوز ثلاثة أعوام. ولم تُحدد «جنرال إلكتريك» بعدُ عنوان مقرها الجديد، لكنها أوضحت أنه سيقع في منطقة «سيبورت» Seaport جنوب بوسطن، وتُمثل المنطقة مركزاً للاستثمار في شركات التكنولوجيا والتكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية.
وتُوفر ولاية ماساتشوستس ومدينة بوسطن حزمة من الحوافز لتشجيع الشركات. وفي بيانات صحافية تُرحب بانتقال «جنرال إلكتريك» إلى المدينة، قال حاكم الولاية، تشارلي بيكر، وعمدة بوسطن، مارتن والش، إن الولاية أتاحت حوافز تصل إلى 120 مليون دولار كمنح وبرامج أخرى، كما وفرت بوسطن 25 مليون دولار كإعفاء على الضرائب العقارية.
ووافقت ماساتشوستس وبوسطن على إجراء تحسينات على المواصلات في منطقة سيبورت، وتأسيس مركز ابتكار يجمع باحثين من «جنرال إلكتريك» ونظرائهم في الجامعات.
ومن المُقرر أن يبدأ انتقال موظفي «جنرال إلكتريك» إلى مقر مؤقت في بوسطن خلال صيف العام الجاري، على أن يكتمل الانتقال إلى المقر الرئيس في عام 2018.
ونسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى مصدر على صلة بالمفاوضات لا يُسمح له بالحديث علناً قوله إن «جنرال إلكتريك» رغبت خلال المفاوضات المالية في جعل الانتقال إلى مقر جديد دون تكاليف، لكنها لم تسعَ لاتفاقات بشأن الضرائب تستمر عاماً بعد آخر.
وذكرت «جنرال إلكتريك» أنها بدأت الاختيار بقائمة أولية تتضمن 40 موقعاً، واستبعدت سان فرانسيسكو لأسباب منها ارتفاع تكاليف المعيشة فيها واختلاف توقيتها عن الساحل الشرقي للولايات المتحدة بثلاث ساعات، ما يُمثل مشكلة في التواصل مع فروع الشركة في قارة أوروبا.
وفي حين قدمت مدن مثل نيويورك عروضاً كبيرة وقع الاختيار في النهاية على بوسطن، بحسب ما قال المصدر. ولم تُقدر «جنرال إلكتريك» حتى الآن الخسائر في الوظائف في ولاية كونيتيكت بسبب نقل مقراتها، إذ تُوظف الشركة 5000 شخص في الولاية، يعمل منهم 800 موظف في مقراتها.