نظام جديد للعناوين يهدف إلى تعريف مختلف مناطق العالم

يعيش نحو أربعة مليارات شخص في أماكن لا تحمل شوارعها أسماء محددة، كما تفتقر المنازل إلى أرقام تميزها، وبالتالي يصعب تكوين عنوان صحيح لسكنهم، وهو ما يُبقيهم بعيداً عن الخرائط الرسمية، ويحرمهم من خدمات عدة كالحصول على قرض مصرفي، وتأسيس شركة، وحقوق التصويت، والتمتع بخدمات المرافق العامة والبريد.

وفكّر البريطاني، كريس شيلدريك، البالغ من العمر 33 عاماً، في تقديم نظام جديد تماماً للعناوين يُسهِم في حل مشكلات ملايين الأشخاص، وأسس شركة «وات ثري ووردز» what3words.

وقال شيلدريك إن «أغلب أجزاء إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية تعاني هذه المشكلة»، موضحاً أن محاولة إجراء تعداد للسكان في ظل وجود عناوين مثل «رابع منزل في الشارع» غير فعالة للغاية، وهو ما دفعه للتفكير في شكل مختلف بدافعٍ من إحباطه من استخدام أنظمة الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، وذلك حسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي».

وبالطبع حاولت العديد من هذه البلدان تجاوز هذه العقبة من خلال رسم الخرائط للأحياء السكنية ومحاكاة الأساليب المُطبقة في الدول المتقدمة بإضافة أسماء وأرقام للشوارع، إلا أن ذلك، بحسب شيلدريك، قد يحتاج إلى عقد كامل. وقال: «حاولت أماكن مثل غانا دون جدوى، وتحمل بعض المنشآت خمسة عناوين مختلفة».

ولا تتعارض فكرة «وات ثري ووردز» مع توفير الإحداثيات الحالية المعتمدة على خطوط الطول ودوائر العرض، ونظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس» المُستخدم في تقنيات الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، طريقة لتحديد أي موقع في العالم. وعلق شيلدريك بالقول: «لكن الأخطاء تنشأ سريعاً جداً، كما أنها ليست صديقة للبشر، يتوجب علينا تحويلها إلى رمز جديد، شيء يقول عنه البشر (ذلك سهل حقاً)».

وتعتمد فكرة «وات ثري ووردز» على تقسيم الأرض إلى مربعات تبلغ مساحة كل منها ثلاثة أمتار مربعة، ومنح كل مربع اسماً فريداً يتألف من ثلاث كلمات.

وقال شيلدريك: «في ظل وجود 40 ألف كلمة في القاموس، يتوافر 64 تريليون مزيج، ويُوجد 57 تريليون مربع». ومثلًا يحمل مقر الشركة في غرب العاصمة البريطانية لندن عنوان «index.home.raft».

وبالطبع يلزم أن يحظى نظام «وات ثري ووردز» بتقبل أعداد كبيرة من الأشخاص قبل أن ينتشر على نطاقٍ واسع. ومن المرجح أن يُثبت النظام فائدته في مناطق يفتقر سكانها إلى وسيلة عملية لتعريف الأماكن التي يعيشون بها، وذلك كسبيل للظهور أمام أعين السلطات المحلية، خصوصاً في الخدمات المعتمدة على شبكة الإنترنت التي يُمكنها دمج نظام العناوين الجديد في أنظمتها.

وتُوفر شركة «وات ثري ووردز» خدماتها مجاناً للمستخدمين من خلال تطبيقات تتوافر لنظامي «آي أو إس» و«أندرويد»، لكن يتعين على الشركات دفع مقابل لترخيص التقنية ودمجها في منتجاتها الخاصة، وهو ما أقدم عليه حتى الآن 25 تطبيقاً وخدمة مختلفة، بحسب شيلدريك، الذي أشار إلى أن الشركة لم تضطر إلى تسويق عملها، بل انتقلت أخبارها شفهياً، وناصر البعض الفكرة ونشروها بحماسة.

ولاقت فكرة «وات ثري ووردز» استحساناً في بعض مناطق العالم، ومنها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية التي تضم حي روسينها الذي يُعد أكبر مدن الصفيح في البلاد أو «فافيلا»، ويسكنه نحو 70 ألف شخص. ونظراً للطريقة العشوائية التي نشأ بها الحي، تحول إلى ما يُشبه متاهة مترامية الأطراف من الأزقة والممرات التي تفتقر إلى نظام سليم للعناوين.

وسعت شركة «جروبو كارتيرو أميغو» المحلية Grupo Carteiro Amigo، التي يعني اسمها مجموعة «ساعي البريد الصديق»، لتجاوز هذه العقبة. وبدأت الشركة عملها في عام 2000 واضعةً نصب أعينها هدف أن تُعيد إلى السكان أحد حقوقهم الأساسية، وهو الحصول على الأشياء التي تُرسل إليهم عبر البريد.

ولا يلتزم نظام البريد البرازيلي بتوفير كامل خدماته في المنطقة، الأمر الذي دفع «جروبو كارتيرو أميجو» لتأسيس نظامها الخاص، وحالياً تدفع نحو 4000 عائلة في «فافيلا» 18 ريالاً برازيلياً، أي ما يُعادل ستة دولارات أميركية، كل شهر لتلقي الخطابات والطرود المرسلة إليهم.

وبدأ مؤسس الشركة، كارلوس بيدرا دا سيلفا، التفكير في إنشائها تأثراً بتجربته بالعمل موظفاً للإحصاء يجمع البيانات عن سكان مدن الصفيح، وأدرك حينها أن الكثير منهم لا يعرفون عناوين سكنهم، وسألهم ما إذا كانوا يقبلون دفع المال نظير استقبال البريد في المنزل، وقال إن الردود كانت إيجابية بنسبة 100% تقريباً.

وبعدما اطلع دا سيلفا على فكرة «وات ثري ووردز» أدرك ملاءمتها لاحتياجات شركته على نحو مثالي، وأسس مع شيلدريك مشروعاً تجريبياً لنشر نظام العناوين الجديد عبر أحياء «فافيلا». ويرى شيلدريك في روسينها نموذجاً مثالياً يُوضح الفارق الذي يُحدثه نظام «وات ثري ووردز».

وبطبيعة الحال، كان على «وات ثري ووردز» ابتكار طريقة العناوين باللغة البرتغالية إلى جانب الإنجليزية للعمل داخل السوق البرازيلية. وحالياً يُتاح نظامها للعناوين بثماني لغات تتضمن أيضاً الفرنسية والألمانية والتركية والسويدية والروسية والإسبانية.

وتعمل الشركة على تقديم نسخ باللغات العربية والإيطالية والسواحيلية واليونانية. ويتعاون شيلدريك مع ثمانية موظفين يعملون بدوامٍ كامل، كما يستعين بخبراء في اللغات لفترات قصيرة حين يحتاج لتكوين قاعدة بيانات جديدة من الكلمات. ويُخطط لإضافة لغات أخرى في المستقبل، وقال إن «إندونيسيا هي رابع أكبر بلدان العالم من ناحية السكان، لكنها تفتقر إلى أي شكل من نظم العناوين».

ويتصور شيلدريك استخدامات أخرى لنظام عناوين «وات ثري ووردز» تتخطى التوصيل والبريد، قائلاً: «يُمكنك استخدامها لشيء آخر سوى التوصيل، يُمكن للناس القول (سأقابلك هناك) ويذكر العنوان». وأضاف «إنها طريقة للحياة، حيث تستطيع استخدام عنوان من ثلاث كلمات تماماً، كما يُمكنك استخدام أي عنوان آخر».

الأكثر مشاركة