دراسة: الاستخدام المعقّد للبيانات يقتضي تغيير طريقة التحكم في استعمالها

رأت دراسة حديثة أجراها فريق من جامعات «نوتنغهام» و«لندن» و«كامبريدج» البريطانية، وجامعة «سانت أندروز» في أسكتلندا، أن الاستخدام المعقد والمتوسع والغامض للبيانات في الوقت الراهن يقتضي تغيير طريقة دراستها والتعامل معها والتحكم في استعمالها، مشددة على أهمية توجه مُصممي التكنولوجيا إلى تطوير نظم تستند إلى أسس أخلاقية.

وكشفت الدراسة التي جاءت بعنوان «التفاعل بين البيانات والإنسان: الوجه الإنساني لمجتمع تقوده البيانات»، أن توازن القوة في نظام البيانات يميل لمصلحة الجهات المسؤولة عن جمع البيانات على حساب الأفراد.

 

حوسبة مندمجة

يجري سريعاً وبشكل متواصل التحول من التعامل مع الحوسبة باعتبارها منتجات منفصلة ومتخصصة، إلى الإقرار باندماجها في مختلف مناحي الحياة اليومية، وهو توجه بدأ مع الاستخدام الواسع للإنترنت، ثم انتشار الأجهزة المحمولة، سواء للاستعمال الشخصي مثل الهواتف الذكية والتقنيات القابلة للارتداء، أو على مستوى أكبر مثل إدارة شبكات المرور والبُنى التحتية والخدمات المالية.

ولفترة طويلة ركزت أبحاث التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر على التفاعل مع أجهزة الكمبيوتر كأجهزة، وهو ما تغير حالياً مع تنامي حجم البيانات وتطور طرق جمعها، إضافة إلى تباين أنواعها بين بيانات يتركها المستخدمون بوعيٍ منهم مثل إعداد الحسابات الشخصية في موقع «فيس بوك»، وبيانات تتولى جهات مخصصة رصدها، كملاحظة مواقع التجارة والمعلنين على الإنترنت لتفضيلات المستخدمين عند التسوق، وثالثة يجري استنتاجها استناداً إلى المعلومات المتوافرة مثل توقع تفضيلات المستخدمين بناء على خيارات أصدقائهم.

 

متاجر «تيسكو»

وفي الواقع يتزايد يوماً بعد آخر كم البيانات وقنواتها من الأجهزة الشخصية إلى المتاجر العادية، على غرار كشف سلسلة متاجر التجزئة البريطانية «تيسكو» في عام 2013 عن استعانتها ببرمجيات لتمييز الوجوه ضمن الكاميرات في 450 من متاجرها في المملكة المتحدة، تسمح لها بتحديد معلومات عن المتسوقين مثل تخمين ما إذا كانوا ذكوراً أم إناثاً، وكذلك الوقت الذي أمضوه في النظر إلى الإعلانات المعروضة على الشاشات.

وتضمن العمل تسليم «تيسكو» هذه البيانات للمعلنين، ليتسنى لهم دراسة تأثير إعلاناتهم. وشبه بعض المعلقين التجربة بالفيلم الأميركي «تقرير الأقلية» الذي يصور عالماً يُحاط فيه الأشخاص بالإعلانات المُخصصة تبعاً لشخصياتهم. وأثارت التجربة تساؤلات حول الخصوصية، ومدى فهم المستهلكين لهذا النوع من البيانات، وموافقتهم على استعماله، وآليات التحكم في البيانات بعد جمعها.

 

الإنسان والبيانات

وحاولت دراسة، أجراها فريق من جامعات «نوتنغهام» و«لندن» و«كامبريدج» البريطانية، وجامعة «سانت أندروز» في اسكتلندا، تقديم مفهوم للتفاعل بين الإنسان والبيانات كمجال بحثي جديد، يرون فيه مزجاً بين علوم الكمبيوتر والإحصاء وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد السلوكي.

واعتبر الباحثون أن الاستخدام المعقد والمتوسع والغامض للبيانات في الوقت الراهن يقتضي تغيير طريقة دراستها والتعامل معها والتحكم في استعمالها. وحددت الدراسة ثلاثة محاور رئيسة ترتبط بالتفاعل بين الإنسان والبيانات ينبغي للجهات، التي تتصل بجمع البيانات وتحليلها، التركيز عليها.

ويهتم المحور الأول بجعل البيانات والتحليلات المتصلة بها شفافة وواضحة للأشخاص العاديين، وهو ما وصفه فريق البحث بوضوح البيانات وسهولة قراءتها، وذلك بهدف فهم المستخدمين بياناتهم التي تصل للمنظمات والشركات، والطرق المُحتملة لاستخدامها والتوصل إلى استنتاجات تعتمد عليها، وتأثيرات هذا الأمر.

وربما يكون من السهل إطلاع المستخدمين على عملية جمع بيانات عنهم، لكن يصعب إلى حد كبير فهم تأثيرات جمع البيانات وعمليات المعالجة التالية. ويتعارض هذا الفهم مع حقوق الملكية الفكرية للشركات التي تجري هذه التحليلات، إضافة إلى احتمال عدم وضوح جميع هذه الآثار تماماً خلال عملية جمع البيانات.

ويتطرق المحور الثاني إلى إتاحة القدرة للمستخدمين على التحكم في البيانات المتعلقة بهم والتفاعل معها، أو إدارتها، ويعني ذلك أن يتمكن الأشخاص من الاشتراك أو الانسحاب من برامج جمع البيانات متى رغبوا في ذلك، فضلاً عن تمكنهم من تصويبها إذا ما تبين لهم خطؤها أو صارت قديمة. ويتطلب تحقيق هذا الأمر تطوير آليات سهلة وبسيطة الاستخدام للتعامل مع البيانات، وهو ما لم يوجد لغاية الآن.

ويعتمد المحور الثالث على إتاحة المجال للمستخدمين لتغيير خياراتهم بشأن البيانات مُستقبلاً، وهو ما يطلق عليه فريق البحث «القابلية للتفاوض». وتحقق هذا الجانب فعلياً مع إقرار «محكمة العدل الأوروبية» لما يُسمى بالحق في محو البيانات أو «الحق في النسيان» في مايو من عام 2014، الذي يسمح للأشخاص بطلب حذف معلومات تتعلق بهم من نتائج البحث على الإنترنت ضمن شروط معينة.

واعتبرت الدراسة أن توازن القوة في نظام البيانات يميل حالياً لمصلحة الجهات المسؤولة عن جمع البيانات على حساب الأفراد، وهو ما يحتاج إلى تصحيح. وربما تكمن النتيجة العامة للدراسة في ملاحظة التطور السريع للمجتمع الحالي الذي تُوجهه البيانات، لاسيما مع تنامي الاهتمام بمجال البيانات الضخمة. كما ينطوي هذا على إشارة لدور الحكومات، خصوصاً مع الكشف عن جمع هيئات حكومية، مثل «وكالة الأمن القومي» الأميركية و«هيئة مقر الاتصالات الحكومية» و«هيئة الخدمات الصحية الوطنية» في بريطانيا، قدراً ضخماً من البيانات.

ولفتت الدراسة إلى أهمية توجه مُصممي التكنولوجيا إلى تطوير نظم تستند إلى أسس أخلاقية. وعلى الرغم من الاتفاق على هذا الهدف واستحقاقه للعمل، إلا أنه لايزال تحيط به الكثير من التساؤلات والمُشكلات التي تتعلق بتفاصيل بلوغه.

 

الأكثر مشاركة