التكنولوجيا تُسهِم في حماية الحياة البرية
تسهم الاستخدامات العامة والعسكرية لتقنيات عدة مثل أجهزة الاستشعار والكاميرات الصغيرة المحمولة والطائرات من دون طيار، فضلاً عن التقنيات المتاحة تجارياً، في حماية بعض أصناف الحيوانات المهدّدة بالانقراض، من خلال تقديم بيانات مهمة وبكلفة ميسورة عن كائنات تعيش في بعضٍ من أكثر مناطق الأرض عزلة.
وعلى سبيل المثال، تستعمل مؤسسة «شادو فيو» ShadowView غير الهادفة للربح، طائرات من دون طيار في أرجاءٍ مختلفة من قارة إفريقيا. كما طورت المؤسسة، التي تتخذ من هولندا مقراً لها، طائرات «شادو روتور» Shadow Rotor، وهي طائرات هيلكوبتر تتضمن أربع دوريات، ويُمكنها القيام برحلات تمتد كلٌ منها ساعة، وهو ما يزيد بنحو ثلاث مرات عما يتيحه النموذج المُتاح للمستهلكين.
ويُمكن لطائرات «شادو روتر» التحليق فوق غابات متشابكة الأغصان، والتقاط إشارات من أجهزة التتبع التي تحملها الحيوانات، وأحياناً من مسافات تبتعد جداً عن قاعدة الحراس المسؤولين عن الرصد البري.
ويسمح استخدام «المركبات الجوية غير المأهولة» أو الطائرات الآلية، بتغطية مساحات كبيرة من الأرض، كما تسمح للباحثين باستخدام شارات أصغر وأقل إزعاجاً للحيوانات، مُقارنة بالأجهزة التي أمكنهم استخدامها سابقاً، ويُساعد ذلك في التغلب على مشكلة حجب أنظمة التتبع المعتمدة على الموقع الجغرافي التي قد تُسببها كثافة الغابات في بعض الأحيان.
ووفقاً للمؤسس المشارك في مؤسسة «شادو فيو»، ستيف روست، فإنه يجري حالياً استخدام هذه التقنية لمراقبة «إنسان الغاب» أو «أورانج أوتان»، وقال: «تُتيح لنا مساعدة الحيوانات دون الضغط عليها».
كما استخدمت المؤسسة طائرات من دون طيار أكبر حجماً وذات أجنحة ثابتة في دوريات مكافحة للصيد غير المشروع في «متنزه كروجر الوطني» في جنوب إفريقيا. وتقترب الطائرات التي تحمل اسم «إيكو رانجر» من تلك المستخدمة عسكرياً أكثر من طائرات الهواة، وتحتاج إلى مدرج أو على الأقل مسار ممتد للإقلاع والهبوط. لكن روست يقول إن التكنولوجيا المتاحة للمستهلكين هي ما تجعل من تطوير طائرات غير مأهولة أرخص وأصغر أمراً ممكناً، وتُتيح استخدامها لمجموعة واسعة من مشروعات حماية الحياة البرية.
وفي السياق نفسه، يُمول «الصندوق العالمي للطبيعة» أبحاثاً عن طيور البطريق تُجريها «هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي» في جزر جنوبي «أوركني» في المحيط المتجمد الجنوبي، ومجموعة من الباحثين الفرنسيين يعنون بتتبع حياة بطريق «آديلي» في القطب الجنوبي.
وزود فريق البحث الفرنسي، البطاريق، بأدوات لتسجيل البيانات وشارات لتتبع الموقع الجغرافي لمتابعة تحركاتها في المياه وخارجها، كما تحمل بعض الطيور أجهزة تتصل بالقمر الاصطناعي «أرغوس»، وهو نظام عالمي شامل لجمع البيانات، ويختص بدراسة البيئة وحمايتها نظراً إلى خروج القطبين، الشمالي والجنوبي، عن نطاق الكثير من شبكات الاتصالات التجارية.
وستُساعد المعلومات التي يجري جمعها في حياة بطريق «آديلي» الذي يُوشك على الانضمام للأصناف المُهددة بالانقراض، ويُواجه أخطاراً كبيرة نتيجة ارتفاع درجة الحرارة على المستوى العالمي، التي تفوق ما تُواجهه الأنواع الأخرى من طيور البطريق.
أما فريق «هيئة المسح البريطاني للقطب الجنوبي» فسيبدأ قريباً بتتبع طيور البطريق الامبراطوري في شبه جزيرة «جيسون» في القارة القطبية الجنوبية. ويصف مدير البرنامج القطبي في «الصندوق العالمي للطبيعة»، رود داوني، المحيط المتجمد الجنوبي، بأنه واحد من البحار الكبيرة التي لاتزال تحتفظ بطبيعتها الأصلية في العالم. وأوضح أن هدف البرنامج يكمن في «تصميم شبكة من المناطق البحرية المحمية» في المحيط المتجمد الجنوبي.
ومن شأن المعلومات التي تجمعها الهيئة البريطانية، المساعدة في تطوير استراتيجيات لحماية طيور البطريق الامبراطوري في وقتٍ يشهد ذوبان الجليد القطبي الذي يعيش فيه.
وتستعين «الجمعية الملكية لحماية الطيور»، وهي هيئة خيرية بريطانية، بالوسائل التقنية ذاتها مثل أدوات التتبع رخيصة الكلفة، والكاميرات المُصغرة، والطائرات من دون طيار لإنجاز أعمالها الرامية إلى المحافظة على الطيور وبيئاتها الأصلية.
وتستخدم «الجمعية الملكية لحماية الطيور»، الأقمار الاصطناعية، لتتبع طائر النسر أحمر الرأس الذي تراجعت أعداده بنسبة 90% خلال الفترة الممتدة بين عاميّ 1992 و2007. ولفترة كان الاعتقاد السائد أن سبب تعرض هذا النوع للخطر يرجع إلى استخدام أحد الأدوية لمعالجة الماشية في جنوبي آسيا، لكن الجمعية سعت للتحقق من السبب الحقيقي لوفاة طيور النسر ذي الرأس الأحمر.
ومن خلال أدوات تتبع الموقع الجغرافي، أمكن للجمعية تتبع جثث الطيور، ومن ثم إجراء تشريح طبي للكشف عن سبب الوفاة. وتبين خطورة دواء «ديكلوفيناك» Diclofenac.
وقال المدير الرئيس للأبحاث في «الجمعية الملكية لحماية الطيور»، جاي أندرسون، إن «دواء (ديكلوفيناك) سام بدرجة لا تُصدق لبعض أنواع الطيور الجارحة على الأقل». واعتبرته مجموعة الأبحاث السبب، فيما دعاه الدكتور أندرسون «التراجع الكارثي» في عدد الطيور.
وتستعين «الجمعية الملكية لحماية الطيور» بأجهزة تعقب الموقع الجغرافي لمراقبة طائر «الفلروب أحمر الرقبة» الذي يقضي فصل الشتاء في الجزر الشمالية لاسكتلندا، وساد الاعتقاد بهجرة الطائر إلى المحيط الهندي. واستخدمت الجمعية أجهزة للتعقب تحمل اسم «مستشعر ضوء بالموقع الجغرافي» وتزن 0.7 غرام فقط.
ومن خلال دراسة بيانات أدوات التعقب التي تحملها الطيور، تبين أن طائر «الفلروب أحمر الرقبة» يُهاجر إلى مسافة أبعد جنوباً، ويصل إلى جزر «جالاباجوس» قُبالة ساحل الاكوادور في أميركا الجنوبية، التي يمر خلالها خط الاستواء.
واعتبر الدكتور أندرسون أن تطوير التقنيات المعدة للمستهلكين أفاد المجموعات العاملة في مجال حماية البيئة، التي تحتاج لجمع معلومات حول الحيوانات، وذلك من خلال توفير أدوات أصغر حجماً، وأخف وزناً، وذات بطاريات تدوم لفترات أطول. كما سمح خفض التكاليف للمجموعات وفرق الأبحاث العاملة في الحياة البرية، بتركيب مزيد من أجهزة الاستشعار لعددٍ أكبر من الحيوانات، على غرار مشروع يهدف إلى متابعة تناسل الطيور البحرية في بريطانيا. ولفت أندرسون إلى إمكانية شرائهم لأجهزة التتبع المتاحة تجارياً للاستخدام العام، وتعديلها كإضافة بطارية مختلفة، وقال: «نستطيع تكوين صورة لسلوك 1500 طائر بهذه الطريقة».