«الواقع المُعزز».. تقنية تُوفر بعداً إضافياً للعالم الملموس

قد تبدو بعض الأشياء ملموسة صماء وثابتة لا تسمح بكثير من التفاعل المتبادل؛ إذ يمكن رؤيتها ولمسها، وأحياناً تذوقها أو شمها، إلا أنها تبقى ساكنة. وربما يكون هذا أحد ما يجذب الشركات إلى تقنية «الواقع المُعزز» التي تُضيف، بطريقة أو بأخرى، بعداً إضافياً للرؤية، أو طبقة إضافية تفاعلية على ما تراه العين.

وتطمح تقنية «الواقع المُعزز» Augmented Reality إلى التحسين الافتراضي للواقع المادي، بعرض محتوى متعدد الوسائط من مقاطع فيديو، وصور، ونصوص، وأصوات، وبيانات الموقع الجغرافي على ما تراه العين عبر كاميرا الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحية والنظارات الذكية، ما يُقدم البيئة المحيطة للمستخدم بطريقة مختلفة. وتمتد تطبيقاتها من المجالات الصناعية والعسكرية، إلى الصحة والترفيه والتعليم.

ويتزايد استخدام تقنية «الواقع المُعزز» في مجال الإعلانات، وهو مجال يبحث تقليدياً عن أفكار مبتكرة تجذب انتباه المستهلكين وولائهم للعلامة التجارية، ومن ثم أموالهم.

ومثلاً تضمنت الحملة الإعلانية الأخيرة لمشروب المياه الغازية «بيبسي ماكس» في المملكة المتحدة استخدام «الواقع المُعزز»، وفق ما تضمنه تقرير نشره موقع «بي بي سي».

وتضمنت الحملة، التي جاءت بعنوان: «لا يُصدق»، ونظمتها وكالة «أيه إم في ببدو» AMV BBDO، تجربة في شارع «أوكسفورد» في العاصمة البريطانية لندن؛ ففي موقف الحافلات رأى المنتظرون ما بدا هجمات لـ«روبوتات» عملاقة، ونمور وصحون طائرة في الطريق، ما أصابهم بالدهشة وبعض القلق.

وجرى تنفيذ الحيلة من خلال تجهيز مظلة الانتظار بشاشة عالية الدقة، إضافة إلى وجود كاميرا في الجهة المُقابلة تنقل تصويراً مباشراً للشارع، وتعرض الشاشة البث المباشر لصورة الشارع، تعلوه طبقة من الرسوم المتحركة للروبوتات والصحون الطائرة.

وقال رئيس قسم التكنولوجيا في «أيه إم في ببدو»، جريجوري روكينز، إن «الهدف كان تقديم تجربة لا تُصدق في الفضاء العام»، لافتاً إلى أنه أمكن تنفيذ الحيلة باستخدام تقنية «الواقع المُعزز».

وعلى الرغم من توقع «روكينز» لانتشار استخدام تقنية «الواقع المُعزز» في الإعلانات، فإنه يرى أنها لن تحل أبداً مكان الفكرة التسويقية الجيدة. وقال: «مفتاح هذه التكنولوجيا أنه يتوجب عليك وضع المستخدم وليس التكنولوجيا في قلب التجربة».

لكن تقنية «الواقع المُعزز» ليست وسيلة إعلانية جذابة فقط؛ إذ إنها تلعب دوراً متزايد الأهمية في تسهيل الشراء عبر الإنترنت، وتطوير تجارة التجزئة، إذ استعانت بها شركة الأثاث السويدية «آيكيا» في أدلة السلع أو الـ«كتالوج»، وقررت توسيع نطاق التجربة بفضل الاستجابة الإيجابية من المستهلكين.

وتتيح الشركة للمتعاملين تصفح دليل المنتجات لعام 2014، وتوجيه كاميرا هواتفهم الذكية لإحدى قطع الأثاث، ثم توجيهها إلى المكان الذي يختارونه؛ لتظهر لهم صورة مصغرة من المنتج في هذه المساحة، ما يُتيح لهم معرفة مدى ملاءمة الأثاث لمنازلهم أو مكاتبهم.

وأشار مدير تسويق «آيكيا» في المملكة المتحدة وأيرلندا، بيتر رايت، إلى الاستجابة الإيجابية الهائلة لدليل المنتجات الجديد، لاسيما في المملكة المتحدة، ما دفع الشركة إلى توسعة الدليل بأكثر من ثلاثة أضعاف؛ فبدلاً من عرض 90 منتجاً، يتضمن دليل المنتجات الجديد من «آيكيا» 300 منتج.

وفي تجربة مشابهة، وسعياً للجمع بين المتاجر التقليدية والإلكترونية، أتاحت متاجر التجزئة «أرجوس» للمستهلكين، ضمن تطبيقها للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، الاطلاع على 300 منتج بدعم من تقنية «الواقع المُعزز»؛ إذ يمكن للمستهلكين مسح الصفحات المتعلقة لتشغيل مقاطع فيديو، وعرض نماذج ثلاثية الأبعاد، وألعاب، ومسابقات.

واعتبر الرئيس التنفيذي للجانب الرقمي في الشركة الأم «هوم ريتايل غروب»، برتراند بودسون، أن بناء جسر بين القنوات المادية والرقمية يُمثل أولوية رئيسة للشركة.

وفي ما يتعلق بتحسين الشراء عبر الإنترنت، قدم «الواقع المُعزز» أحد الحلول لمشكلة تجربة الملابس والنظارات وأدوات التجميل قبل الشراء، وهو ما يُمكن أن يُوفر الكثير من الوقت والمال.

وتتيح شركة «تراي لايف» TryLive، التابعة لشركة «توتال إيمرسون» المتخصصة في تقنية «الواقع المُعزز»، للمتسوقين، تجربة النظارات عبر أجهزة الكمبيوتر المحمولة، دون الحاجة لزيارة المتاجر المتخصصة.

وبحسب ما قال مدير مبيعات «توتال إيمرسون» في المملكة المتحدة وشمال أوروبا، كمال رسول، فإن طريقة «تراي لايف» تعتمد على عرض كاميرا الكمبيوتر «ويب كام» لوجه المستهلك على الشاشة، ومن ثم تُظهِر عليه صورة ثلاثية الأبعاد للنظارة.

من جانبه، لفت الرئيس التنفيذي وأحد مؤسسي منظمة AugmentedReality.org غير الهادفة للربح والمعنية بتطوير التقنية، أوروي أنبار، إلى فائدة «الواقع المُعزز» في التسويق؛ لما يتيحه من مشاركة أكثر للعلامة التجارية مقارنةً بالإعلان التقليدي.

وقال إنه «بدلاً من مجرد النقر على رابط، أو الإعجاب بصفحة (فيس بوك)، أو مشاهدة إعلان تجاري، فإن المستهلكين يتفاعلون مع المنتج الفعلي نفسه».

وربما تكون تجربة شركة «بليبار» Blippr مثالاً على الأشكال غير التقليدية من الإعلان، ويتيح تطبيقها للمستهلكين عند مسح المنتجات والملصقات أو الإعلانات بواسطة هواتفهم الذكية، استدعاء تجارب تفاعلية مباشرة على الشاشة؛ فمثلاً يُظهر معلومات عن السفر في الوقت الحقيقي عند تمرير كاميرا الهاتف على بطاقة «أويستر»، أو لعبة تفاعلية بتمريره على عبوة مشروب «بيبسي»، وكذلك معلومات وخيارات للشراء بتمرير الكاميرا على إعلان منشور في صحيفة.

ولا تقتصر فوائد «الواقع المُعزز» على جذب المستهلكين فحسب، بل يرى المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «بيلبار»، أمباريش ميترا، أن تطبيقاتها يُمكن أن تُوفر للشركات قدراً هائلاً من البيانات المفيدة.

بدورها، اعتبرت مديرة أبحاث في شركة «غارتنر» لبحوث التكنولوجيا، أنجيلا ماكنتاير، أن من شأن تقنية «الواقع المُعزز» أن تسمح بتدريب العمال على استخدام الأنواع المختلفة من المعدات أثناء عملهم، عوضاً عن التدريب السابق الذي يجري على نطاق ضيق جداً.

واستدركت أن معظم استخدامات تقنية الواقع المُعزز في مجال الصناعة لاتزال في مهدها، قائلة: «أعتقد أن الأمر قد يستغرق بين ثلاث وخمس سنوات حتى نشهد استخدامها في التصنيع على نطاقٍ واسع».

الأكثر مشاركة