اختراع نظام جديد لتدفئة المباني
في ظلّ التناقص المُستمر في مصادر الطاقة التقليدية، وارتفاع تكاليفها، يسعى العلماء إلى إيجاد مصادر جديدة، وتوفير طُرق مُنخفضة الكلفة لتغذية المباني والمُدن.
وتجري أبحاث ضخمة حول ما يُعرف بالطاقة المُتجددة، أي تسخير مصادر الطبيعة في توليد الطاقة، على غرار أشعة الشمس والرياح والبقايا العضوية، وغيرها من المجالات التي توفر مصادر طاقة غير مُتناهية، ويمكنها التعويض عن المصادر التقليدية التي قد تنضب خلال العقود المقبلة.
ويعاني استثمار الطاقات المُتجددة صعوبات على غرار أنها لا تتوافر دائماً، كما أنها تتطلب استثمارات أولية ضخمة تحتاج إلى وقت طويل لاستردادها، لذلك يعمل العديد من الباحثين على ابتداع طرق بسيطة، لكنها فاعلة في توفير استهلاك الطاقة.
وتستهلك المباني الكبيرة كميات ضخمة من الطاقة في سبيل توفير التدفئة الضرورية لقاطنيها، إذ يُقدر استهلاكها للتدفئة بنحو 20% من استهلاك الطاقة الكلي في المُدن، على الرُغم من أن نحو نصف هذه الأبنية غير مشغول، وذلك حسب إحصائية تابعة لمعهد ماساتشوستس للتقنية MIT.
وتعمل مُختبرات «Senseable City Lab»، التابعة للمعهد، عبر مشروعٍ جديد على تقليص مُستويات الطاقة الضائعة، عبر نظام لتوجيه حُزم حرارية يُدعى نظام «التدفئة الموضعية» Local Warming.
ويستخدم النموذج الأولي من هذا النظام مصابيح من نوع «ليد» LED ليوجه حزماً من الأشعة تحت الحمراء على الأشخاص الموجودين في هذه المباني مُباشرةً.
وتأتي فائدة هذا النظام بأنه يدفئ الأشخاص مُباشرة، على عكس نُظم التدفئة التقليدية التي تدفئ المباني كاملةً، بغض النظر عن وجود أشخاص بداخلها أم لا، ما يتسبب باستهلاك كميات كبيرة من الطاقة.
ويتم تعليق نظام التدفئة الجديد على السقف في المباني الضخمة، ويأتي مدعوماً بنظام تعقب يتم تفعيله لاسلكياً، وعندما يكتشف النظام وجود إنسان في المبنى، فإنه يوجه حزم الأشعة تحت الحمراء إلى الأسفل ليدفئ بقعة مُحددة.
ووصف البروفيسور لدى مُختبرات «Senseable City Lab»، كارلو راتي، نظام التدفئة الجديد بأنه يوفر ما يشبه «الشمس» ضمن المباني الضخمة لتدفئة قاطنيها.
وتتم تجربة النموذج الحالي من نظام التدفئة الجديد في معرض الفنون الإيطالي Venice Architecture Biennale حتى نوفمبر المُقبل، ويضم هذا النموذج ضوءاً كبيراً لبث الأشعة تحت الحمراء، مُحاطاً بمرايا قابلة للدوران تستطيع توجيه وتركيز حزم الأشعة نحو المنطقة المطلوبة.
ويأتي هذا النموذج بقياس كبير للغاية، فهو مُصمم للعمل ضمن المباني التجارية الضخمة والمتاحف وما شابهها، أي أنه لا يصلح للتركيب في المنازل العادية، لكن يأمل راتي أن يتم تصميم نماذج مُستقبلية منه، تأتي بقياسات مُناسبة من خلال تزويدها بمصابيح إنارة نوع LED صغيرة وذات منظر مُناسب للتركيب في المنازل.
ويُعد استخدام نظام التدفئة الموضعية فاعلاً للغاية في المباني الضخمة التي يوجد فيها الإنسان بكثافة مرتفعة، إذ من الأفضل في هذه الحالة إيقاف تشغيل نظام التدفئة المركزية الخاص بالمبنى، وتشغيل النظام الجديد الذي يدفئ الجميع دفعة واحدة، وبشكلٍ فوري.
وأشار راتي إلى أن استخدام نظام التدفئة الموضعية يُعدّ مُمتازاً في المساحات الكبيرة المُهواة، مثل رُدهات المسارح والفنادق على سبيل المثال، كما يُنصح باستخدام هذا النظام في المناطق الواسعة التي لا يُمكن توقع درجة الازدحام فيها، إذ يقوم النظام بتدفئة الإنسان في حال وجوده، أما في حال غيابه فلا يوجد داعٍ ليعمل النظام ويستهلك الطاقة.
ويسهم نظام التدفئة الموضعية بخفيض استهلاك الطاقة بمعدل 90%، في حال وجود شخصين فقط في المكان، مُقارنة مع أنظمة التدفئة التقليدية.
ويُعد نظام التدفئة الموضعية الحالي نموذجاً مُبكراً للغاية، لكنه يغري الحكومة الأميركية بالاستثمار فيه وفي مشروعات مُشابهة، إذ تدرس وكالة الطاقة للأبحاث والمشروعات المُتقدمة رصد مبلغ يعادل نحو 30 مليون دولار لتمويل أنظمة تحكم وتطوير مشروعات في مجال التدفئة الحرارية الموضعية.
وتحظى هذه الأبحاث باهتمام بالغ، نظراً للتوفير الكبير في الطاقة الذي تجلبه معها، إذ يتم تطوير نماذج عدة للتدفئة الذاتية، منها ما هو قابل للارتداء، ولا يقتصر الأمر على التدفئة فقط، بل تجري أبحاث عدة حول تطوير نُظم للتبريد الموضعي كذلك.
وفي حال تم التخلص من الاعتماد على أنظمة التدفئة التقليدية في المباني الضخمة، فإن هذه الأمر من شأنه أن يحدث تغييرات كبيرة في فن عمارة الأبنية وتشييدها، وذلك حسبما أشار المتحدث باسم وكالة الطاقة للأبحاث والمشروعات المُتقدمة الأميركية.
ولايزال من المُبكر الحديث عن الآثار التي ستنجم عن اعتماد أنظمة التدفئة الموضعية في المباني، إذ يجب أولاً أن يتم التركيز على إيجاد طُرق وتقنيات لجعل هذه الأنظمة عملية أكثر، وأقل كلفةً، حسب راتي.