الهواتف الذكية والتقنيات القابلة للارتداء تُغير مستقبل الرعاية الصحية

ربما لا يختلف كثيرون حول حاجة نظم الرعاية الصحية وطريقة تقديمها إلى التغيير، ويأمل البعض أن تكون التقنية بمثابة عملية إنقاذ سريعة وعاجلة لها، تُغير طرق التشخيص والعلاج ومتابعة المرضى، وحتى أساليب إجراء الأبحاث العلمية، واكتشاف العلاجات.

وتتعلق الآمال بالهواتف الذكية وتطبيقاتها، لتكون مساعداً شخصياً للمرضى وأطبائهم، وكذلك بالمنتجات التقنية القابلة للارتداء، وحتى بأجهزة مستلهمة من أعمال الخيال العلمي.

وأشار تقرير نشره موقع «بي بي سي» إلى استخدام الطبيب دانيال كرافت ـــ الذي يرأس كلية الطب بجامعة «سينجولاريتي» بولاية كاليفورنيا الأميركية، التي تمنح دورات حول دور التكنولوجيا في مجالات عدة ـــ جهازاً قريب الشبه بجهاز «تريكوردر»، الذي ظهر في مسلسل الخيال العلمي «ستار ترك»، وكان بإمكانه تشخيص أمراض مختلفة.

وأوضح كرافت أن الجهاز نموذج مصغر من «تريكوردر»، يمكن وضعه على الجبهة ليتعرف إلى معدل ضربات القلب، ومدى تشبع الدم بالأوكسجين، ودرجة حرارة الجسم، وضغط الدم، ويرسل هذه البيانات إلى الهاتف الذكي.

وتوقع كرافت أن ترتبط مثل هذه الأجهزة ـــ في المستقبل ـــ بوسائط الذكاء الاصطناعي في الهواتف الذكية، وكذلك بأجهزة الحواسيب الفائقة، مثل «واتسون» لتقدم تشخيصات فورية ودقيقة. وقال كرافت: «ربما يقول (دانيال، هذا يبدو سيئاً، عليك الذهاب إلى غرفة الطوارئ)، أو ربما يقول إنها على الأرجح مجرد أنفلونزا، لأنه يوجد الكثير منها في الجوار، وتتطابق هذه الأعراض معها».

وحتى الآن، لا يتوافر مثل هذا الجهاز في الأسواق، لكن تنظم مؤسسة «إكس برايز»، غير الهادفة للربح، وشركة «كوالكوم» للاتصالات، مسابقة لتصميم جهاز مماثل بسيط يُلائم الاستخدام الشخصي، وحالياً يتنافس 300 فريق، للفوز بجائزة قدرها 10 ملايين دولار أميركي.

وربما تقوم تطبيقات الهواتف الذكية حالياً بمهام قريبة من الجهاز المرتقب، فتتوافر تطبيقات لتتبع مرض السكري، والأنظمة الغذائية، والحمل والدورة الشهرية، إضافة إلى أدوات تتبع اللياقة البدنية، مثل أسورة «فول باند»، من شركة «نايكي»، التي تقوم بتتبع النشاط البدني للمستخدم، كعدد الخطوات التي يمشيها، والسعرات الحرارية التي يتخلص منها، وتعرض البيانات عبر الهاتف الذكي. وأيضاً أسورة «أب» من «جاوبون»، التي ترصد نمط نوم المستخدم، وعدد خطواته، وبإضافة الوجبات الغذائية، يحسب عدد السعرات الحرارية ومقدار الدهون المشبعة، ويقترح تغيير العادات اليومية، كما يُقارن أداء المستخدم بأداء أصدقائه أو من يحددهم.

ووصف الدكتور كرافت، الذي يرتدي حول معصمه أربعة أطواق، ترصد نمط النوم ومعدل ضربات القلب والمشي، دور هذه الأدوات بأنها تجعله «الرئيس التنفيذي لصحته»، ويعتقد كرافت أن الأطباء في المستقبل سيوصون مرضاهم باستخدامها ضمن العلاج، بدلاً من تقديم أقراص الدواء.

وفي العام الماضي، بحثت وزارة الصحة في المملكة المتحدة إمكانية أن يصف الأطباء تطبيقات للهواتف الذكية. من جانبهم، يتساءل خبراء الصحة عن دور مثل هذه التطبيقات في مجال الرعاية الصحية، على الرغم من عدم خضوعها للتنظيم، وكانت «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية، قالت في سبتمبر الماضي، إنها ستُنظم عمل عدد قليل من التطبيقات، لتعمل مثل الأدوات الطبية.

ومع إقرار العضو المنتدب الاستشاري لشركة «أكسنتشر تكنولوجي لابز»، ماري هاميلتون، بمنافع مثل هذه الأدوات، إلا أنها أشارت إلى بعض الإشكاليات المحيطة بها مثل المسائل المتعلقة بالخصوصية، ورغبة المرضى في مشاركة بياناتهم مع الطبيب، ومدى دقة هذه البيانات.

ومع ذلك، لا تقتصر ملامح العلاج ـــ في المستقبل ـــ على دور الهواتف الذكية وسوارات تتبع اللياقة البدنية، بل يُتوقع أن تُغير التكنولوجيا عمل الأطباء أنفسهم، وكانت شركة «أكسنتشر» للأبحاث والتطوير قد أجرت، أخيراً، مع شركة «فيليبس» نموذجاً تجريبياً لاستخدام جراح لنظارة «غوغل غلاس»، التي يمكن أن توفر له متابعة العلامات الحيوية للمريض، والاستفادة منها في إتمام العملية الجراحية، من دون الحاجة إلى إبعاد نظره عن المريض. كما أشارت هاميلتون إلى إمكانية أن تُقدم نظارة «غوغل غلاس» للأطباء بيانات المرضى، أثناء جولاتهم في أجنحة المستشفيات.

ويمكن لدمج المنتجات التقنية القابلة للارتداء، وما تولده من معلومات أن يُتيح للأطباء التأكد من التزام المرضى بتعليماتهم، ما قد يُسهِم في تخفيض أقساط الرعاية الصحية والتأمين، ومثلاً تُحصل شركة «بو هيلث» للتأمين أقساطاً مخفضة، من الأشخاص الذين يثبتون التزامهم بنمط حياة صحي. ويذهب البعض إلى مدى أبعد، ويرون أن التكنولوجيا ستُغير تماماً طريقة تقديم العلاج وإجراء الأبحاث، وكان الشريك المؤسس في شركة «صن مايكروسيستمز»، فينود كوسلا، قال العام الماضي ضمن مؤتمر صحي، إن التكنولوجيا ستقوم في المستقبل بـ80% من ما يقوم به الأطباء حالياً، واعتبر كوسلا أن تعلم الآلات سيُوفر أداة تشخيص أكثر كفاءة ودقة، وأرخص كلفة.

من ناحيته، رأى الدكتور دانيال كرافت، أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، بوجود روبوتات تقوم بعمل أطباء التخدير، وتطبيقات تلتقط صوراً للعلل الجلدية، ويمكن أن يفوق أداؤها مختصي الأمراض الجلدية.

كما يُنافس الحاسب الفائق «واتسون»، من شركة «آي بي إم»، في مجال تشخيص السرطان، وسمحت الشركة في فبراير الماضي للمستشفيات باستئجاره، للاستعانة به في ما يتعلق بالأورام، ما يجعله عقلاً إضافياً لمساعدة الأطباء، بفضل قدرته على استيعاب وتحليل قدر هائل من البيانات.

وفتحت الحواسيب والإنترنت الباب أمام طرق جديدة لأبحاث الأمراض وعلاجاتها، وكمؤشر إلى ذلك، اكتشف الأميركي جاك أندراكا، المولود عام 1997، حينما كان في الرابعة عشرة من عمره، طريقة جديدة غير جراحية، وأقل كلفة لفحص سرطان البنكرياس، بالاعتماد على البحث في «غوغل»، ومختبر جامعة «جونز هوبكنز».

وربما تتيح الأدوات الجديدة فرصاً أكبر أمام علم المواطن، الذي يُشير إلى مشاركة أشخاص غير محترفين في إنجاز البحوث العلمية بوسائل، منها جمع البيانات، وتحليلها والتطوع في التجارب العلمية. ويُدير البروفيسور رايموند ماكولي أول مختبر للاختراق الحيوي «بيوهاكينغ» في الولايات المتحدة، ويجمع المفهوم بين مبادئ الأحياء والقرصنة لأغراض أخلاقية.

ويمكن للأشخاص العاديين الدخول إلى المختبر، وتنفيذ بعض التجارب العلمية. وأشار ماكولي إلى أن الأشياء التي مثلت قبل سنوات قليلة مشروعات كبرى لحكومات وجهات أكاديمية، يمكن أن يُنفذها الآن طلاب المرحلة الثانوية في منازلهم.

وأياً كانت الهيئة التي ستكون عليها الرعاية الصحية في المستقبل، وبصرف النظر عن التفاوت الهائل بين الدول المتقدمة والنامية، فمن شبه المتفق عليه أنها بحاجة إلى إجراءات إصلاحية شاملة، تجعلها أكثر جودة وعدلاً وشمولاً، وتحقق لها استفادة أفضل من التكنولوجيا الحديثة.

 

الأكثر مشاركة