تحليل: ربط «الجيل الخامس للمحمول» بفيروس كورونا.. «تخريف علمي»
يبدو أن وباء كورونا لم ينشر الإصابات والوفيات فقط، بل أنشأ مناخاً عالمياً مهيّأ لاستقبال وتصديق الكثير من الأقوال من دون سند، فقد شهد العالم، خلال الفترة الأخيرة ما وصف بأنه أكبر موجة «تخريف علمي»، إثر انتشار مقولات تروج لنظرية المؤامرة، وتعتبر الجيل الخامس للمحمول هو السبب وراء انتشار الوباء عالمياً. ومع ذيوع هذه المقولات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، صدقها كثيرون بمناطق مختلفة، حتى إن بريطانيين قاموا بإحراق العديد من أبراج شبكات المحمول، والاعتداء على مهندسي صيانة الشبكات، بدافع مكافحة نشر شبكات الجيل الخامس للفيروس.
وقام محللو قسم التقنية بموقع «بيزنس انسايدر businessinsider.com»، بتحليل استقصائي حول هذه النظرية، ونشروا نتائجه أخيراً، وتتبعوا تفاصيلها منذ بداية ظهورها، وحتى وصولها للذروة بإحراق أبراج المحمول ببريطانيا، وحدوث تحركات من الجهات الرسمية على أعلى مستوى، ممثلة في اللجنة الدولية للقياسات الإشعاعية والحماية من الموجات الكهرومغناطيسية التابعة للوكالة الدولية للطاقة، وأيضاً المدير الطبي العام في بريطانيا، وشركات المحمول الكبرى عالمياً، وجهات أكاديمية وبحثية رفيعة المستوى، بالتدخل لدحض هذه النظرية ووصفها بأنها «أكبر تخريف علمي» حدث خلال فترة الوباء.
البداية والذروة
بدأ أول حديث عن هذه النظرية من نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا في أواخر يناير عبر منشور ظهر على «فيس بوك» أواخر يناير الماضي، وتحدث عن الأمر بصورة غامضة وسريعة ولم يلقَ تفاعلاً كبيراً. وفي يوم 22 فبراير، حينما جرى تداول صورة لسيدة تستخدم هاتفها المحمول خلف الأسلاك الشائكة عند مدخل مجمع سكني في مدينة ووهان، مركز تفشي الفيروس بمقاطعة هوبي بالصين.
ونشرت الصورة مصحوبة بمنشور على «فيس بوك» يدعي أن «ووهان» في الصين هي المكان الذي بدأ منه الفيروس لأول مرة، وهو المكان نفسه الذي بدأ منه نشر تقنية الجيل الخامس للمحمول. وجاء بالمنشور أن موجات الراديو المستخدمة في شبكات الجيل الخامس، تثبط أجهزة المناعة لدى المعرضين لها، وبعدها تم إعادة نشر المنشور ومشاركته على مجموعة مناهضة لتقنية الجيل الخامس على «فيس بوك»، وبعد ذلك قام «فيس بوك» بتصنيف هذه المنشورات بأنها معلومات مضللة.
وفي 13 مارس، ظهر موقع آخر أكثر انتشاراً على «فيس بوك»، يلقي باللوم على الملياردير الأميركي، بيل غيتس مؤسس وأكبر ملاك شركة «مايكروسوفت»، باعتباره وراء نشر الفيروس، وأن الفيروس في حد ذاته اختراع من خياله للتغطية على الأضرار المادية التي سيسببها الجيل الخامس للمحمول، ولأنه يستثمر أمواله في إنتاج اللقاح الواقي من الفيروس بغرض السيطرة على العالم. وقامت «مايكروسوفت» بإزالة هذا المنشور، ولكن بعد أن تم مشاركته وإعادة نشره آلاف المرات.
وبحلول 26 مارس، كانت النظرية قد تبلورت بصورة أكبر، ونشرت صحيفة تابلويد بريطانية مقالاً عنها تحت عنوان «الفيروس التاجي ومخاوف الجيل الخامس وشبكات واي فاي»، تحدث عن أن هذه التقنيات يمكن أن تكون من العوامل المسرعة للإصابة بالمرض. وبعد هذا المقال، بدأ بعض المشاهير يضخمون هذه النظرية، فقام الممثل وودي هارلسون بنشر جزء كبير من نص يتحدث عن هذه النظرية على «إنستغرام»، وكان نصاً مقتطفاً من مقال كتبه مارتن بال، الأستاذ المتقاعد من جامعة ولاية واشنطن، والذي دفع أيضاً بمقولة أن شبكات الواي فاي والجيل الخامس ضارة بصحة الإنسان.
وكتب هارلسون في التعليق: «لقد تحدث كثير من أصدقائي عن الآثار السلبية للجيل الخامس، ورغم أنني لم أقم بفحصها بالكامل، إلا أنني أجدها مثيرة للاهتمام للغاية». وحصل هذا التعليق على 25 ألف إعجاب خلال وقت قصير.
وخلال الأيام الأولى من شهر أبريل، بلغت هذه النظرية ذروة انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي كافة، ويوم الأحد 5 أبريل، تحولت هذه الادعاءات من مجرد منشورات على شبكات التواصل، إلى تصرفات مادية وفعلية على أرض الواقع، حيث حدثت هجمات بالنار على أبراج وهوائيات لشبكات الهاتف المحمول في كل من برمنجهام وليفربول وبلفاست ببريطانيا، بغرض حرقها، كما تعرض مهندسو صيانة الشبكات لاعتداءات من قبل أفراد من الجمهور، اقتنعوا فعلياً بأن الجيل الخامس للمحمول سبب انتشار الوباء، وتصوروا أن هذه الأبراج ومهندسي الصيانة يعملون على نشره ببريطانيا.
دحض النظرية
وأصدرت اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع غير المؤين «اي سي ان اي ار بي»، التابعة للوكالة الدولية للطاقة، بياناً هاجم هذه النظرية بعنف، ووصفها بـ«الهراء العلمي».
وقال رئيس اللجنة، الدكتور إيريك فان رونجن، إن «الموجات الراديوية المستخدمة في شبكات المحمول من الجيل الخامس أو غيره، موجودة في الطرف المنخفض من الطيف الكهرومغناطيسي، وبالتالي تنتج إشعاعاً غير مؤين، مما يعني أنها لا تتلف الحمض النووي في أنسجة الخلية الحية».
هجوم مضاد
شن أعضاء في الحكومة البريطانية هجوماً مضاداً ضد نظرية الجيل الخامس وعلاقتها بفيروس كورونا ومروجيها يوم الخامس من أبريل، تعليقاً على محاولات حرق أبراج المحمول، وقال عنها المدير الطبي لإنجلترا، البروفيسور ستيفين باويس، إنها أسوأ نوع من الأخبار المزيفة، ومثيرة للاشمئزاز.
من جانب آخر، أصدرت شركات الشبكات المحمولة ببريطانيا بياناً مشتركاً ناشدت فيه الناس عدم الإضرار بأبراج المحمول أو الإساءة لمهندسيهم، لأن هذه الادعاءات لا أساس لها وهي ضارة للأشخاص والشركات التي تعتمد على استمرارية الخدمات، وتعوق صيانة الشبكة الأساسية.