قناة بنما واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية والإنشائية على مر العصور. رويترز

قناة بنما «خط المواجهة» في الحرب التجارية بين أميركا والصين

تُعد قناة بنما بالنسبة لمزارع من ولاية نبراسكا الأميركية، أو لتاجر تجزئة في نيويورك، بمثابة الهواء الذي تمكن ملاحظته عندما يصبح مفقوداً فقط، وقد لاحظ المزارعون ذلك في عام 2023.

وأدى الجفاف إلى انخفاض مستويات المياه في القناة، ولهذا لم تتمكن السفن التي تحمل الصادرات الزراعية الأميركية من استخدامها.

وتشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 25 و30% من صادرات الحبوب الأميركية تمر عادة عبر القناة. وخلال فترة الجفاف، لم تمر أي سفينة عبر القناة. وارتفعت تكاليف الشحن، وانخفضت أسعار المنتجات الزراعية.

لكن في النهاية عاد المطر، وارتفع منسوب المياه واستأنفت السفن مرورها من القناة التي عادت إلى سابق عهدها كممر طبيعي بالنسبة للسفن الأميركية.

والقناة توفر العديد من الفوائد الاقتصادية، لكن الأمر الذي يحظى بالتقدير هو الجهد الجبار الذي يتم بذله في القناة، وتعد القناة، بلا شك، واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية والإنشائية على مر العصور.

وأثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل بداية العام الجاري عندما تحدث عن إمكانية استرجاع القناة، ويعود ذلك جزئياً إلى أن الموانئ الواقعة على طرفيها مملوكة لشركة مقرها هونغ كونغ.

وتنافس شركة استثمار أميركية على شراء هذه الموانئ، بينما تشترط الصين أن تمتلك شركة صينية 51% من أسهمها.

وهذا ليس آخر جدل مرتبط بقناة بنما، ولم يكن الشعب البنمي سعيداً بسيطرة الولايات المتحدة على القناة، والمنطقة الموجودة فيها التي يبلغ عرضها نحو 10 أميال. وفي عام 1977 وقّع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر على اتفاقية لاستعادة السيطرة على قناة بنما بحلول عام 1999.

وتعد قناة بنما بالنسبة للشركات العالمية قضية عادية، لكنها بالنسبة للقوتين العظميين حالياً وهما الصين والولايات المتحدة تمثل صميم اهتمام الدولتين.

ومن ناحية أخرى، تعد بنما جنة لعشاق مراقبة الطيور، ومؤخراً، رجعت أنا وزوجتي من رحلة إلى بنما استغرقت 10 أيام. وخلال جولتنا التي استمرت ستة أيام، شاهدنا 139 نوعاً، لم نرها من قبل.

لكن اليوم الذي قضيناه في مشاهدة الأقفال التي ترفع السفن إلى مستوى 85 قدماً فوق مستوى سطح البحر، ثم تقوم أقفال أخرى بإنزالها، كان بلا شكّ أبرز ما في الرحلة.

وخلال استعدادنا للرحلة، قمنا بقراءة كتاب من تأليف المؤرخ الأميركي، ديفيد ماكولوغ، الصادر عام 1977 بعنوان «الطريق بين البحار: إنشاء قناة بنما 1870-1914».

ويبدأ ماكولوغ روايته الملحمية بسرد مفصل لمحاولة فرنسا الفاشلة التي استمرت 20 عاماً لبناء القناة، والمعركة السياسية في واشنطن حول موقعها ونوعها، ثم ينتقل إلى سرد تفاصيل السنوات الـ10 الشاقة التي استغرقتها القناة لتصبح حقيقة واقعة.

وخلال الفترة ما بين عامي 1904 و1914، قام الأميركيون بحفر أكثر من 232 مليون ياردة مكعبة من التراب والصخور. واضطر عمال الحفر في إحدى المراحل إلى الحفر لعمق يقارب 300 قدم.

وتمثل مجموعات الأقفال الثلاث التي بناها الأميركيون إنجازاً هندسياً باهراً، وهي بمثابة مصاعد مائية ضخمة تعمل بالجاذبية، لا بالمضخات، مستخدمة الأنفاق لنقل المياه. ويمكن فتح بواباتها المائلة الضخمة وإغلاقها في غضون دقيقتين فقط.

وكلف المشروع نحو 352 مليون دولار في ذلك الزمن، أي ما يعادل 10.8 مليارات دولار في هذه الأيام، ولقي نحو 5600 عامل حتفهم ومعظمهم من العمال السود الذين تم جلبهم من جزر الكاريبي.

وعلى الرغم من فداحة تلك الخسائر، فقد أودى الجهد الفرنسي بحياة 20 ألف شخص. وكان هذا العدد الهائل من القتلى سبباً رئيساً لفشل فرنسا.

وثمة أسباب أخرى وراء فشل فرنسا، مثل خطتها غير الواقعية لإنشاء قناة بمستوى سطح البحر، دون أقفال، عبر تضاريس بنما الجبلية.

ومن أسباب النجاح الأميركي قدرة الطبيب، ويليام جورجاس، القادم من ولاية ألاباما، على استئصال الحمى الصفراء والسيطرة على حمى الملاريا.

وبفضل الكفاءة التنظيمية للواء، جورج واشنطن جوثالز، كبير مهندسي المشروع، تم إنجاز القناة قبل الموعد المحدد وبتكلفة أقل من الميزانية المرصودة بمقدار 23 مليون دولار. وكان العمل متقناً لدرجة أن الأقفال الأصلية ونظام التحكم لايزالان قيد الاستخدام حتى اليوم.

وإضافة إلى القناة، أسهمت الولايات المتحدة في بناء دولة بنما.

وكانت بنما جزءاً من كولومبيا، وعندما أبدى الكولومبيون تصلباً في المفاوضات مع الولايات المتحدة، أرسل الرئيس الأميركي، ثيودور روزفلت، بعد أن نفد صبره، سفناً حربية لدعم إعلان بنما استقلالها.

وأراد العديد من أعضاء الكونغرس، بمن فيهم رئيس لجنة مجلس الشيوخ، بناء القناة في نيكاراغوا. لكن تدخل، المحامي الأميركي، ويليام كرومويل، الذي يمثل المصالح الفرنسية، والمستثمر الفرنسي الرئيس، فيليب جان بونو فاريلا، لدى روزفلت لإتمام المشروع في بنما.

وأنقذت هذه الخطوة الحاسمة التي قام بها كل من المحامي الأميركي والمستثمر الفرنسي، الشركة الفرنسية من الإفلاس، حيث قامت الولايات المتحدة بشراء أصولها في بنما.

*أوربان ليهنر

*مراسل «وول ستريت جورنال» في آسيا

عن «آسيا تايمز»

الأكثر مشاركة