بلجيكا ليست مستعدة بعدُ للتخلص من ماضيها الاستعماري

لاتزال محاولات بلجيكا لمواجهة ماضيها الاستعماري تواجه مشكلات، وبعد عامين من عمل لجنة برلمانية متخصصة، تم إعداد تقرير في وقت سابق من هذا العام، إلى جانب توصيات سياسية بشأن الخطوات التالية التي يجب على البلاد اتخاذها، لكن التقرير الكامل، وكذلك توصياته، لم يتم نشرها للعامة.

نقطة الخلاف هي الاعتذار للمستعمرات السابقة، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية الحالية وبوروندي ورواندا، ويأتي ذلك على خلفية الانتخابات الوطنية التي تلوح في الأفق، ومحاولات لتعزيز الوعي ووضع سياق - ولكن ليس إزالة - الآثار الاستعمارية العديدة التي لاتزال موجودة.

وفي أحدث مثال على هذه الجهود، كشفت السلطات هذا الشهر عن تركيب فني يهدف إلى وضع سياق للنصب التذكاري الاستعماري في «بارك دو سينكوانتنير» في بروكسل، والذي يمجد المستعمرين البلجيكيين الذين غزوا الكونغو. وكان النصب التذكاري في كثير من الأحيان هدفاً للتخريب في السنوات الأخيرة، ويمكن لزوار الحديقة الآن قراءة السياق الموجود على اللوحات الموجودة أمام النصب التذكاري والوصول إلى معلومات إضافية من خلال رمز الاستجابة السريعة «كيو آر».

ومع ذلك يظل تقديم اعتذار رسمي عن الفظائع التي ارتكبتها بلجيكا خلال عهد ليوبولد الثاني تحظى بالرفض، وظهرت اللجنة البرلمانية إلى حيز الوجود في يونيو 2020 في أعقاب احتجاجات «حياة السود مهمة»، وكان من المتوقع أن تتقدم بتوصيات حول أفضل السبل للتعامل مع إرث الاستعمار، وكذلك العنصرية والتمييز في البلاد. وكان في اللجنة نواب من مختلف الأطياف السياسية.

لقد كانت مشكلة منذ البداية، وفي ذلك قالت المؤرخة فاليري روسو التي عملت على التقرير: «لم يكن بعض أعضاء اللجنة يؤيدون وجودها (اللجنة). عندما يكون الأمر سياسياً للغاية فإنه ينطوي على مخاطرة».

وكسر العاهل البلجيكي، الملك فيليب، صمت العائلة المالكة بشأن هذا الموضوع في عام 2020، عندما أعرب عن «أسفه العميق» لجراح الماضي الاستعماري و«أعمال العنف والقسوة» التي ارتكبت في ظل الاحتلال البلجيكي، بمناسبة الذكرى الـ60 لاستقلال الكونغو.

وبعد سنوات عدة، لاتزال فكرة الاعتذار الرسمي مثيرة للجدل، وكانت في النهاية السبب وراء فشل اللجنة. وتساءلت الليبرالية ماجي دي بلوك، في ديسمبر 2022، عندما أنهت اللجنة عملها، قائلة: «لماذا يجب على جميع البلجيكيين اليوم أن يعتذروا؟».

إرادة سياسية

اندلعت التوترات مرة أخرى في وقت سابق من هذا العام بعد أن حاول المشرعون المؤيدون للاعتذار إعادة مسألة نشر التقرير إلى جدول الأعمال، ولكن لم يتغير شيء، فقد عارض النواب الذين كانوا في اللجنة من الليبراليين الناطقين بالفرنسية، واليمين المتطرف الفلمنكي (فلامس بيلانغ)، والقوميين الفلمنكيين، هذه الفكرة.

وقال عضو البرلمان عن الحركة الليبرالية، بينوا بييدبويف، لصحيفة «لوسوار»: «لا يمكننا نشر تقرير لجنة لم تعد موجودة»، مضيفاً: «ما حدث هو أن اللجنة تم حلها بعد فشلنا في الاتفاق على التوصيات».

ولكن بحسب المؤرخة سارة فان بوردن التي شاركت في كتابة التقرير الأولي، فإن البرلمان يختبئ وراء إجراء تقني، وقالت: «إذا كانت هناك إرادة سياسية كافية فيمكنهم إيجاد طريقة لتحقيق ذلك»، مضيفة أن عدم نشر التقرير يمثل «فشلاً سياسياً عميقاً».

وأوضحت المؤرخة: «ليس لدي كلمات تقريباً لذلك، وأعتقد أن هذا عمل غير مسؤول على المستوى السياسي، لكنه أيضاً غير مسؤول إلى حد ما على المستوى الإنساني. إنه مهين للغاية على المستوى الإنساني لأولئك الذين خصصوا وقتهم للإدلاء بالشهادات وجلسات الاستماع».

وقالت جينيفيف كانيندا، منسقة مجموعة الذاكرة الاستعمارية ومكافحة التمييز، وهي حركة تهدف إلى توعية المجتمع، إن نشر التقرير مسألة أخلاقية. وأوضحت: «كان الاستعمار قصة مروعة حقاً، ولم يعد الأمر يتعلق بإنهاء الاستعمار بعد الآن، بل يتعلق بكيفية قيام حزبين سياسيين باحتجاز البرلمان كرهينة».

تقرير مفصل

يعتمد التقرير المكون من 700 صفحة تقريباً، والذي تمت مشاركته مع مجلة «بوليتيكو»، على شهادات من نحو 300 أكاديمي ودبلوماسي وشاهد، بالإضافة إلى زيارات إلى المستعمرات السابقة، وتم نشر أجزاء من التقرير على الموقع الإلكتروني للبرلمان، ولكن ليس من السهل العثور على الوثائق.

وقال النائب توماس روجمان، من القوميين الفلمنكيين: «ليس لدي مشكلة في نشر التقرير، وما أعارضه هو نشر التوصيات السياسية»، مضيفاً أن اللجنة اتخذت منعطفاً مختلفاً على مر السنين، «في النهاية كان الأمر يتعلق فقط بالحصول على الأصوات في المجتمعات الإفريقية، ولا علاقة له بالماضي التاريخي».

وفي عام 2022 فشل العاملون على التقرير في التوصل إلى إجماع حول فكرة الاعتذار الذي يجب تقديمه للمستعمرات السابقة. وادعى البعض أن ذلك كان سيؤدي إلى تعويضات مالية على الرغم من أن إحدى التوصيات السياسية تنص على أن «الاعتراف بدور بلجيكا هو أمر صادق وضروري»، ومع ذلك فإنه لا ينطوي على أي مسؤولية قانونية، وبالتالي لا يمكن أن يؤدي إلى أي تعويض مالي.

وتشمل التوصيات الأخرى التي يبلغ مجموعها 128 توصية: إنشاء يوم لإحياء الذكرى، وإنشاء مركز للمعرفة، وتسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة أسهل للباحثين في بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا.

مسؤولية أخلاقية

هذه ليست المرة الأولى التي تنشئ فيها بلجيكا لجنة تهدف إلى التعامل مع ماضيها الاستعماري، وكانت لجنة لومومبا من أبرز تلك اللجان التي خلصت إلى أن بلجيكا كانت «مسؤولة أخلاقياً» عن اغتيال باتريس لومومبا، أول رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً في الكونغو.

لقد كانت مناورات بلجيكية، كما ترى فان بوردن (المؤرخة): «هذا ما يحب الكونغوليون تسميته بالقضية البلجيكية - البلجيكية»، متابعة: «إنهم يقولون: سيناقش البلجيكيون هذا الأمر في ما بينهم، ثم سيصدرون أحكاماً بشأن الماضي الاستعماري الذي يهمنا جميعاً». وتابعت: «لذلك كانت هناك شكوك منذ البداية بشأن العملية».

وكانت رئيسة الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية نيانشاما أوكيموا التي تعيش في بلجيكا منذ 30 عاماً، متشككة أيضاً بشأن الفكرة من البداية.

وقالت: «كنت متأكدة تماماً من أن الأمر لن ينجح، حتى عندما بدأ». وتوضح أوكيموا: «لأنه كيف تبدأ وأنت لم تفهم بعد أن قوانينك عفا عليها الزمن؟». وقالت إن سياسة بلجيكا ترتكز على طرق تفكير عفا عليها الزمن.

ووفقاً لأوكيموا، فإن العقلية الاستعمارية متأصلة في بلجيكا، وسيستغرق تغيير ذلك وقتاً طويلاً. وأوضحت: «إن بلجيكا الآن شديدة التنوع، لكن هذا التنوع لا ينعكس في القانون»، إلا أنها أضافت أنه مقارنة بما كانت عليه قبل 30 عاماً، فقد تغيرت البلاد. عن «بوليتيكو»

. كسر العاهل البلجيكي الصمت عندما أعرب عن «أسفه العميق» لجراح الماضي الاستعماري.

الأكثر مشاركة