«القتل الرحيم» يلقى قبولاً اجتماعياً في الهند
توجّه مايكل إلى عمله في مطحنة للنسيج، تاركاً زوجته وأطفاله، وأمه المريضة الضعيفة، في المنزل، في هذه المنطقة الفقيرة من جنوب الهند. ولدى عودته بعد بضع ساعات، كان جسد أمه مسجّى على كرسي ومزيناً بالزهور، ويحيط به القرويون، بعد أن قامت زوجته بقتلها عن طريق دس السم لها، وهي طريقة محلية للقتل الرحيم تعرف محلياً باسم «تاليكوثال».
والآن وبعد ثلاثة عقود، لا يحمل هذا الرجل أي ضغينة نحو زوجته، ويقول مايكل البالغ من العمر الآن 62 عاماً، وهو مثل الكثيرين في جنوب الهند لا يستخدم إلا اسماً واحداً «كانت أمي مريضة لـ20 يوماً، ولم تكن تأكل بصورة ملائمة، وكنت أفكر في القيام بذلك بنفسي، فقد كبرت في السن كما أنه ليس لدينا ما يكفي من الطعام».
وعلى الرغم من الجدل الدائر بشأن الموت الرحيم في الهند، إلا أنه توجد ثلاث مقاطعات في جنوبها ينفذون ذلك بهدوء في منازلهم منذ عقود، أو ربما قرون. وتراجعت هذه الممارسة بعد حدوث ضجة كبيرة على حالة استثنائية عام 2010، وبعد تنامي المعارضة من قبل جماعات حقوق الإنسان من كبار السن. ولكن حتى الآن تحدث مئات الحالات سنوياً، كما يقول السكان.
ويقول رئيس الحماية الاجتماعية في جماعة «ساعدوا الكبار» الهندية، المعنية بكبار السن، راجشوار ديفاكوندا «البعض يسمي ذلك القتل الرحيم، في حين أن آخرين يقولون انه عمليات إبادة».
ولهذا القتل «الرحيم» أنواع عدة، إلا أن الشكل الشائع يحدث كالتالي: عندما يكبر أحد أفراد الأسرة بصورة خطيرة ويصبح من الصعب تحمله، يتم تحديد موعد لقتله، ومن ثم يتم إعطاؤه كمية كبيرة جداً من حليب جوز الهند تؤدي الى موته.
ويجري هذا النوع من القتل بصورة تدريجية على من هم في سن الـ50 فما فوق، كما أن الأصغر سناً يمكن استهدافهم بهذا النوع من القتل إذا أصيبوا بأمراض خطرة. ويقول البعض إن هذا النوع من القتل مسألة طبيعية مثل عيد الميلاد أو الزواج. ويقول كاليموثو (60 عاماً)، وهو مزارع من قرية بيرايير «إنها دورة الحياة».
وعلى الرغم من أن أنصار هذا النوع من القتل يقولون إنه يستخدم في الحالات الميؤوس منها، إلا أن القبول الاجتماعي لهذا القتل أدى الى إساءة استخدامه، كما يقول خبراء الرعاية، حيث يقوم افراد الأسرة أحياناً بالتسرع في التخلص من رب الأسرة الطاعن في السن كي يرثوا العقارات والأراضي التي يملكها بمساعدة طبيب متواطئ معهم. ويقول مدير مؤسسة خاصة برعاية كبار السن «في أيامنا، ونظراً للطمع في إرث الشخص، يتم قتله لمجرد اصابته بنوبة برد، او مرض بسيط جداً».
وأحياناً عندما يشعر هؤلاء كبار السن بأنه جاء دورهم يبادرون للهرب، لكن آخرين يقبلون مصيرهم كما يقول الخبراء، حتى انهم يطلبون القتل لأنهم مستعدون للموت قبل ان يشعرهم المحيطون بهم بأنهم بلا فائدة.
ويقول بونوسامي الذي يعمل في التمديدات الصحية، والذي عانى أخيراً من أزمتين قلبيتين، الأمر الذي جعله يشعر بأن ساعته قد اقتربت «أثق بزوجتي وبأنها لا تفكر بهذه الطريقة، واذا حاولت أسرتي تنفيذ القتل الرحيم بي فإني سأسألهم لماذا، واذا لم يجيبوا فإني يمكن أن أنزل عند رغبتهم».
ويبدو تاريخ القتل الرحيم غير واضح تماماً، لكن البعض يقول إنه بدأ قبل مجيء الاستعمار البريطاني، عندما ساعد احد الأمراء أم زوجته على الموت بهدوء، لكن آخرين يعتقدون أنه بدأ حديثاً ربما في خمسينات القرن الماضي، بسبب التزايد الكبير في عدد السكان وفقر الاقتصاد المحلي. وقال ديفاراكوندا «الهند جيدة جداً في استنباط القصص». وعلى الرغم من أن وضع المرأة في المجتمع الهندي غير مهم فإن الرجال هم أكثر ضحايا الموت الرحيم، حسبما يقول الخبراء، نظراً إلى الأموال والعقارات التي تشكل حافزاً بالنسبة لقتلهم، إضافة إلى أن زوجة الابن التي تعتني عادة بكبير العائلة، تشعر بأنها مكرهة على مواصلة القيام بهذا العمل. واضافة الى ذلك فإن البعض يرى ان الرجال يفتقرون الى مهارات الحفاظ على المنزل. ويقول ديفاراكوندا «الرجل العجوز لا يقوى على صنع الشاي لنفسه او العناية بأحفاده، في حين أن النساء كبيرات السن لديهن القدرة على العناية بالمنزل، إنهن مفيدات أكثر من الرجل».