أصحاب متاجر مستقلة في برايتون البريطانية يُحذّرون من اختفاء محالهم

حلّ وقت الغداء في متجر «دورميتوري»، وهو متجر مستقل لبيع أغطية الأسرّة يقع في شارع غلوستر رود في مدينة برايتون البريطانية.

تقف مالكتاه، سو غراهام وكاثي ماريوت، تراقبان المشهد عبر الشارع المقابل، حيث يقع متجر «برايتون سوسيغ كو» المتخصص في بيع النقانق.

اعتادتا الاستدلال بعدد لفائف النقانق المتبقية في واجهة المتجر، على مدى إقبال الناس على الخروج للتسوق أو بقائهم في منازلهم، لاسيما أن هذه الأيام تسبق عيد الميلاد، ويُفترض أن تكون من أكثر فترات العام ازدحاماً.

ومع ذلك، لاتزال كمية كبيرة من اللفائف مكدّسة في الواجهة، في إشارة مقلقة إلى تراجع الحركة التجارية.

وتعلق ماريوت بقلق قائلة: «خلال 10 أيام فقط، سنتساءل جميعاً: أين اختفت المتاجر؟»، ويجسد هذا التصريح المخاوف المتنامية التي تنتاب العديد من أصحاب المتاجر في برايتون، المدينة التي لطالما عُرفت عالمياً بمتاجرها المستقلة وطابعها الفريد.

 شريان حياة

وتُعدّ المتاجر المستقلة والصغيرة بمثابة شريان الحياة لمنطقة نورث لاين، وهي شبكة من الشوارع المزخرفة المحيطة بمتجر «دورميتوري»، والمليئة بمحال الهدايا المميزة والمقاهي التي تمتد طاولاتها إلى الأرصفة.

كما تمتد هذه الحيوية إلى منطقة لينز المجاورة المشهورة بممراتها الضيقة، وساحاتها الخفية التي تحتضن متاجر المجوهرات والتحف.

وقد كشف بحث، أُجري الشهر الماضي، من قبل شركتي «أميركان إكسبريس» و«غلوبال داتا»، أن نورث لاين تُعدّ الوجهة الأكثر شعبية في المملكة المتحدة للمتاجر المستقلة بين أفراد الجيل «زد».

ومع ذلك، وحتى في هذا المكان الراقي لبعض أشهر المتاجر المستقلة في البلاد، يواجه الجيل الجديد من أصحاب هذه المتاجر خطراً حقيقياً يُهدّد استمراريتهم، فقد تراكمت تحديات متعددة، من بينها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وجائحة «كورونا»، والنمو المتسارع للتسوق الإلكتروني، فضلاً عن تراجع الإقبال والإنفاق الاستهلاكي، وارتفاع تكاليف التشغيل، إلى جانب المخاوف المتعلقة بالجريمة.

ويرى كثيرون أن الميزانية الحكومية الأخيرة لم تعالج هذه الإشكاليات بالقدر الكافي.

تخفيف الأعباء

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة المالية البريطانية، عن خطط تهدف إلى تخفيف الأعباء الضريبية عن متاجر التجزئة، وعلى الرغم من أن بعض المتاجر المستقلة قد تكون صغيرة بما يكفي للإعفاء الكامل من الضرائب، فإن متاجر أخرى قد تجد نفسها في نهاية المطاف مطالبة بدفع فواتير أعلى، نتيجة تقليص الخصومات وارتفاع قيمة عقاراتها.

ويؤكد عدد من أصحاب الأعمال المستقلة في برايتون أن أي خصومات دائمة تُمنح لهم، غالباً ما تقابل بزيادات في إسهامات التأمين الوطني، ورفع الحد الأدنى للأجور، مشيرين إلى أنهم لا يلمسون فائدة حقيقية تتناسب مع الرسوم التي يدفعونها حالياً.

نقطة حرجة

وكانت ماريوت وغراهام افتتحتا متجر «دورميتوري»، قبل خمس سنوات، بعد مسيرة مهنية طويلة في قطاع التجزئة، وحرصتا على الحفاظ على نشاطهما في مجالي البيع بالجملة والاستشارات دعماً لعلامتهما التجارية.

إلا أن السنوات الخمس الماضية كشفت عن نقطة حرجة في ملكية المتاجر التقليدية، حيث باتت تكاليف التشغيل تفوق العائدات.

وترى غراهام أن اختفاء هذه المتاجر يعني غياب جيل جديد من أصحاب المتاجر المستقلين، مضيفة: «ستسيطر السلاسل التجارية الكبرى بدلاً من هذه المتاجر».

وتتابع غراهام حديثها قائلة، إن «الحصول على ما يريده المستهلك أو تلقّي النصائح عبر الإنترنت أصبح أمراً بالغ الصعوبة، في ظل كثرة المعلومات المضللة»، محذرة من فقدان كمّ هائل من الخبرات المتخصصة.

وتوضح أن أصحاب المتاجر المستقلة قادرون على تزويد الزبائن بمعلومات دقيقة، مثل أسماء الشركات الإيطالية التي تُنتج الخيوط المستخدمة في أغطية الأسرّة، أو حتى اسم المشغل الذي تُحاك وتطرز فيه الأقمشة يدوياً.

تآكل الأرباح

وفي شارع لندن القريب، يواصل مقهى «بروزمينغ إدز» تقديم المشروبات ودعم الفنانين والموسيقيين داخل مبنى بنك «إتش إس بي سي» منذ 11 عاماً، ويشير مالكه، ريتشارد غريلز، إلى أن مزيجاً من ارتفاع ضرائب الأعمال، وضريبة القيمة المضافة، وتكاليف الموظفين، ورسوم المجلس الإضافية، أدى إلى تآكل هوامش الربح بشكل كبير.

وباعتباره منشأة تعمل في قطاع الضيافة، استفاد المقهى في السابق من إعفاءات ضريبية على الأعمال، إلا أن إعادة تقييم المبنى وتقليص الإعفاء الذي كان يحصل عليه أدّيا إلى قفزة هائلة في فاتورته السنوية، التي ارتفعت من 1200 جنيه إسترليني إلى 12 ألف جنيه إسترليني.

ويرى غريلز أن نظام الإعفاءات يُخفي مشكلة أعمق، تتمثّل في عدم حصول الشركات على الخدمات الأساسية من المجلس المحلي مقابل ما تدفعه من رسوم، ويضيف: «كلما توسعنا في العمل، احتجنا إلى مزيد من الموظفين، وارتفعت التكاليف، فلا جدوى حقيقية من التوسع، أما من يفكر في بدء مشروع جديد اليوم، فغالباً لا تتوافر له الفرصة المناسبة»، ويختتم حديثه بالقول: «الكثير من أصحاب المتاجر سيلجؤون إلى إعانات البطالة، لأنها أسهل من إدارة متجر».

ضغوط

أما في شارع سيدني المجاور، فتعمل البريطانية كيت تورنبول في متجر لبيع الزهور.

وبينما كانت تصنع إكليلاً من الورود في الجزء الخلفي من متجر «غانز» العائلي، الذي يعود تاريخه إلى عام 1875، ويدار اليوم من الجيل الرابع في برايتون، تقول وهي تضيف زهور الأقحوان إلى الإسفنج المثبت للزهور: «لقد غير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الأمور بشكل واضح».

ويستورد متجر «غانز» الزهور من هولندا، ما يعني أن كل شحنة باتت تخضع لرسوم جمركية إضافية، ومع وجود ثلاثة فروع للمتجر، تفرض رسوم على كل عملية توصيل.

كما تتعرض الشحنات لتأخيرات متكررة بسبب إجراءات التفتيش الجمركي في فرنسا، أو عند دخولها إلى المملكة المتحدة، الأمر الذي يفرض على تورنبول تخصيص وقت إضافي لتلبية طلبات الزبائن.

وإلى جانب الضغوط الناتجة عن ارتفاع تكاليف الموظفين وفواتير الخدمات، تُبدي تورنبول قلقها المتزايد من تفشي الجريمة.

فقد تعرضت دراجاتها للسرقة، كما حطم أشخاص واجهة متجرها، وتؤكد أن الشرطة لم تتخذ إجراءات تذكر على الرغم من تقديمها بلاغات رسمية بشأن أعمال السرقة والتخريب.

منتدى

وفي مواجهة هذه التحديات، بادر التجار المحليون إلى إنشاء مجموعة على تطبيق «واتس أب» لتبادل التحذيرات بشأن المشتبه فيهم، وعندما تعرضت نافذة متجر غانز للتحطيم، سارع أحد الجيران إلى تغطيتها بألواح خشبية خلال الليل، وتقول تورنبول: «إنه مجتمع لطيف ومتعاون»، وقد أُنشئت هذه المجموعة في الصيف الماضي للتصدّي لتزايد سرقات المتاجر، ومخاطر أعمال الشغب اليمينية المتطرفة، ثم تطورت لاحقاً إلى سلسلة من الاجتماعات مع المجلس البلدي تحت اسم مبدئي هو «منتدى برايتون للمستقلين»، بمبادرة من عضو المجلس إيلين ماكلي، عن حزب الخضر في منطقتي ويست هيل ونورث لاين، ويؤكد عضو المجلس ونائب رئيس مجلس مدينة برايتون، جاكوب تايلور، أن المنتدى يُمثّل إحدى الوسائل التي يسعى من خلالها المجلس إلى إصلاح علاقته مع الشركات الصغيرة التي يراها جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد المحلي وهوية المدينة، ويضيف: «لم تكن هناك في السابق علاقة قوية ومتبادلة تعترف بأهمية قطاع التجزئة المستقل للمدينة، قد لا يكون بمقدور المجلس حل جميع المشكلات، لكنه يستطيع أن يكون أكثر استجابة، وأن يعمل على تحسين الخدمات المحلية التي تقع ضمن نطاق صلاحياته». عن «الغارديان»

فشل المشروع وعدم الاستمرار

برايتون تُعدّ من المدن البريطانية الأدنى في الشواغر بقطاع التجزئة. من المصدر

تُعدّ مدينة برايتون البريطانية ضمن المدن التي تسجل أدنى نسب شواغر في قطاع التجزئة على مستوى البلاد، حيث تبلغ نسبة المتاجر الشاغرة فيها نحو 9% فقط.

وأظهر تقرير حديث صادر عن مركز المدن للأبحاث، أن برايتون تحتل المرتبة الخامسة بين المدن الأقل من حيث معدلات الشواغر، بعد لندن وكامبريدج وأكسفورد ويورك.

كما يلاحظ أن نسبة الشواغر تنخفض بشكل أكبر داخل منطقة تحسين الأعمال المركزية، لتصل إلى نحو 4% فقط، وهو رقم يقل كثيراً عن المتوسط الوطني الذي يراوح بين 13 و14%، بحسب بيانات اتحاد التجزئة البريطاني.

وقال عضو مجلس المدينة نائب رئيس مجلس مدينة برايتون، جاكوب تايلور، إن «معدل دوران الأعمال في المدينة أعلى من المعدل العام، وهو ما يعكس وجود رغبة واضحة في ريادة الأعمال والاستثمار التجاري في برايتون، غير أن هذا المؤشر يكشف في الوقت نفسه، عن تحدٍ قائم، حيث إن عدداً كبيراً من المتاجر يفشل ولا ينجح في الاستمرار، ويضطر إلى الإغلاق بعد فترة قصيرة من افتتاحه، على الرغم من الإقبال الظاهري على إنشاء المشروعات الجديدة».

أما على مستوى التغيرات التي يشهدها المشهد التجاري في بعض الشوارع الرئيسة، فيبرز شارع بوند الواقع جنوب شارع سيدني، كنموذج واضح لذلك، ففي أغسطس الماضي، استحوذت سلسلة متاجر «ماونتن ويرهاوس» على أحد المحال التي كانت تشغلها سابقاً سلسلة «أنيمال» المتخصصة في مستلزمات ركوب الأمواج، كما شهد الشارع نفسه، في أكتوبر الماضي، افتتاح فرع جديد لمتجر «بن آند جيري».

وقالت عضو مجلس المدينة، إيلين ماكلي، إن تركيبة الشركات والمتاجر المحلية تشهد تحولات ملحوظة، حيث بدأت سلاسل المتاجر الكبرى بالتسلل تدريجياً إلى مناطق كانت تُعرف سابقاً بكثرة المتاجر المستقلة.

وحذّرت ماكلي من أن استمرار فقدان هذا العدد من المتاجر المستقلة قد يؤدي إلى عواقب سلبية على حركة التسوق في الشارع الرئيس، موضحة أن تراجع التنوع التجاري قد يُضعف جاذبية المنطقة للمتسوقين، وأضافت أن هذا الوضع قد ينتهي بإغلاق مزيد من المتاجر، الأمر الذي سيجعل استعادة حركة المتسوقين لاحقاً عملية طويلة وصعبة.

تراجع تدريجي

تُدير البريطانية سوزانا داوس متجر «داوس»، وهو متجر مستقل للأدوات المنزلية بشارع غاردنر في برايتون، وتسعى جاهدة إلى توسيع نشاطها مع نمو العمل وحاجته إلى مساحة أكبر، لكنها تشير إلى أن المُلاك الخصوصيين ووكلاء العقارات، بمن فيهم العاملون لمصلحة المجلس البلدي، غالباً ما يفضلون السلاسل التجارية الكبرى، ما يقيد فرص التجار المستقلين ويحد من إمكاناتهم.

وتقول سوزانا: «يزور الناس برايتون من أجل المتاجر المستقلة، لكن هذا المجتمع في تراجع تدريجي بسبب انتشار السلاسل التجارية، في المناطق التي كانت ملاذاً للإبداع والتجارة المستقلة».

من جهتها، تؤكد عضو المجلس، إيلين ماكلي، أهمية إجراء تغييرات من أعلى المستويات، داعية الشركات إلى دفع حصتها الكبرى من الضرائب لدعم اقتصاد أكثر توازناً، مع تقدير قيمة التجار الصغار والمستقلين في المجتمع. وتضيف: «من دون هذه الإصلاحات، قد يكون عيد الميلاد المقبل الأخير لبعض الشركات في نورث لاين، ما يعني فقدان الوظائف وتدهور المجتمع بالكامل».

. المتاجر المستقلة الصغيرة تُعدّ شريان حياة لمنطقة «نورث لاين»، الوجهة الأكثر شعبية في المملكة المتحدة بين أفراد الجيل «زد».

. وزارة المالية أعلنت عن خطط تهدف إلى تخفيف الأعباء الضريبية عن متاجر التجزئة.

الأكثر مشاركة