ملوك أوروبيون يعتذرون عن المآسي الاستعمارية لبلادهم في حق الشعوب

لا تزال الدول الاستعمارية التي نهبت خيرات الشعوب التي استعمرتها، تتردد في اتخاذ خطوة شجاعة للاعتذار عن مرارات الماضي، وترفض بريطانيا الاعتراف بالظلم الذي ارتكبته في حق الشعوب الإفريقية التي أذلتها، وكذلك الحال مع فرنسا التي ترفض الاعتراف بارتكابها مجازر في الجزائر فاق عدد ضحاياها المليون شهيد، وينسحب الأمر أيضاً على ألمانيا التي أصبحت ثالث دولة استعمارية في إفريقيا، بعد بريطانيا وفرنسا، في بداية الحرب العالمية الأولى، حيث ارتكبت ما عرف بأول تطهير عرقي في القرن الـ20 بمنطقة جنوب غرب إفريقيا، في ما يعرف الآن بناميبيا. وعلى أميركا التي ترفض الاعتذار عن هجوم هيروشيما النووي ضد اليابان، خلال الحرب العالمية الثانية، وما خلّفه من دمار وفظائع لايزال اليابانيون يدفعون ثمنها حتى الآن. لكن هناك أمثلة ساطعة للاعتراف بذلك من بعض ملوك وقادة الدول الاستعمارية، ففي يوليو 2015، أصدر وزير الخارجية الألماني في ذلك الوقت، الرئيس الحالي فرانك فالتر شتاينماير، مبادئ توجيهية دبلوماسية تشير إلى أن مذبحة 1904-1908 لشعبي هيريرو وناماكوا بأنها «جريمة حرب وإبادة جماعية».

وفي مارس من هذا العام، زار ملك هولندا، فيليب - الكساندر إندونيسيا للاعتذار عن «العنف المفرط» الذي اقترفته بلاده في حق سكان هذه المستعمرة الهولندية القديمة، قائلاً «إن الماضي لا يمكن محوه، لكن يمكن الاعتراف به».

اعتذار

هذا الأسبوع، اعتذر أيضاً ملك بلجيكا لجمهورية الكونغو الديمقراطية عن «أعمال العنف والفظائع» التي ارتكبها الاستعماريون البلجيكيون السابقون، وأعرب الملك فيليبي عن «أسفه» للحكم القاسي الذي مارسته بلاده على الكونغو. ويجيئ هذا الاعتذار ضمن رسالة أرسلها الملك فيليبي إلى رئيس جمهورية الكونغو، فليكس تشيسكيدي، بمناسبة الذكرى الـ60 لاستقلال بلاده. وكانت العائلة المالكة البلجيكية متورطة بشكل مباشر خلال واحدة من أكثر فترات الحقبة الاستعمارية قسوة في المظالم التي عانتها هذه البلاد.

وقال الملك في رسالته: «في الوقت الذي تنعم دولة الكونغو بالحرية، فإن أعمال العنف والفظائع التي ارتكبت هناك مازالت، تلقي بثقلها على ذاكرتنا الجماعية»، وأضاف: «خلال تلك الفترة الاستعمارية لحقت المعاناة والإذلال بالشعب الكونغولي».

وكان الجد الأكبر للملك فليبي، ليوبولد الثاني، اتخذ من إفريقيا الوسطى مستعمرة شخصية له من عام 1885 إلى عام 1908، وأسفر الحكم الإرهابي الوحشي عن مقتل 10 ملايين كونغولي (نصف السكان)، وأدى إلى ما يطلق عليه مصطلح «جريمة ضد الإنسانية»، وفرض الحكم الاستعماري عقاباً جماعياً يتمثل في تنظيم المذابح وقتل الأبرياء وتعذيبهم، وبتر الأطراف والعمل الجبري في مزارع المطاط.

وتجاوز الملك فيليبي الاعتذارات التقليدية، ليربط ماضي بلاده الدموي بالعنصرية في القرن الـ21، ما يعني أنه يتعاطف مع دعوات نشطاء بلجيكيين إلى إزالة تماثيل ليوبولد الثاني من بلجيكا، بعد الاحتجاجات التي تلت مقتل الأميركي الأسود، جورج فلويد، على يد شرطي أبيض في الولايات المتحدة.

وكتب الملك (60 عاماً)، الذي ولد خلال الأسابيع المضطربة قبل استقلال الكونغو، في رسالته: «مازلت أعبّر عن أسفي العميق لتلك الجروح العميقة، تلك الجروح التي نكّأتها هذه الأيام أعمال التمييز في مجتمعنا»، ومضى قائلاً «سأواصل الكفاح ضد جميع أشكال العنصرية، وأشجع على المفاهيم التي راجت في برلماننا للتصالح مع الماضي».

وقالت رئيسة الوزراء البلجيكية، صوفي ويلميس، إن تعبير الملك عن الأسف يعد خطوة حيوية لالتئام جراح الماضي، وأضافت: «بلجيكا لها تاريخ مشترك مع الكونغو، وفي عام 2020، يجب أن نكون قادرين على النظر إلى هذا الماضي المشترك بوضوح، إنه ماضٍ يتصف بعدم المساواة والعنف ضد الكونغوليين»، واسترسلت: «لحظة الحقيقة تبدأ بالاعتراف».

وكان حكم ليوبولد الثاني مصدر إلهام للكاتب، جوزيف كونراد، في روايته المأساوية «قلب الظلام»، إلا أن ليوبولد الثاني لايزال يلقى الترحيب من قِبل الكثيرين باعتباره «باني بلجيكا» بالنظر لمخططه الحضري.

وأشاد الأمير لوران (56 سنة)، الأخ الأصغر للملك، بجده الأكبر لأعماله العامة. تلك الأعمال التي أنشأها بالأموال التي نهبها من الكونغو، ويقول الأمير مدافعاً عن جده ومتسائلاً: «لم يسبق له أن ذهب إلى الكونغو بنفسه، فكيف يجعل الناس هناك يعانون؟».

حصلت الكونغو على الاستقلال عام 1960 تحت القائد الكاريزمي لومومبا، لكنه اغتيل بعد ذلك بعام على يد الحكومة البلجيكية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية. وظلت البلاد مستعمرة بلجيكية رسمية لمدة 52 عاماً منذ عام 1908، وكانت قبل ذلك ملكية شخصية لليوبولد الثاني لمدة 23 عاماً.

الأكثر مشاركة