القضاء الأميركي متهم بالتحيز وسوء التقدير والتمييز العنصري

قال القاضي الأميركي، ليرند هاند، عام 1923، إن النظام القضائي الأميركي «يطارده دائماً شبح الرجل البريء المدان»، في إشارة إلى أن القضاء الأميركي دائماً يتحرى العدالة، وأن الإدانة الخاطئة هي «أضغاث أحلام». وبدأت دراسة جادة لظاهرة الإدانة الخاطئة، بعد أقل من عقد من الزمان من إدلاء هذا القاضي بتصريحاته الخبيثة. وعلى العكس من عباراته البليغة، كشف الوقت والتكنولوجيا أن عدداً كبيراً من الأشخاص المدانين خطأً قد قضوا عقوبات بالسجن، وحتى تعرضوا للإعدام بسبب جرائم ارتكبها آخرون، حتى إن بعض هذه الجرائم لم يقع قط.

وتصل نسبة المتهمين المدانين بالخطأ في الولايات المتحدة لما يراوح بين 2 و10%. وقد تبدو هذه النسبة منخفضة، لكن عندما تتم مقارنتها بعدد السجناء المقدر بـ2.3 مليون سجين، فإن هذه النسبة تصبح مذهلة. وبناء عليه يمكن أن يكون في أميركا ما بين 46 إلى 230 ألفاً من الأبرياء خلف القضبان. وتتم معالجة الملايين من قضايا المتهمين من خلال المحاكم الأميركية كل عام، ويكاد يكون من المستحيل تحديد عدد هؤلاء الأبرياء بالفعل بمجرد إدانتهم. وهناك القليل من الوسائل لفحص الحالات والخلفيات للمدانين الذين يدعون أنهم أدينوا خطأ. وبمجرد إدانة شخص بريء، يكون من المستحيل إخراجه من السجن. وعلى مدى السنوات الـ25 الماضية، أمّن ما يسمى «مشروع البراءة»، الذي يفحص المدانين من خلال اختبار الحمض النووي - إطلاق سراح 349 رجلاً وامرأة أبرياء، وتعرض 20 منهم للإعدام قبل أن تتم تبرئتهم.

فساد الشرطة وسلوك الادعاء

هناك العديد من الأسباب التي أدت وتؤدي إلى إرسال هؤلاء الأبرياء خلف القضبان. ومن بين هذه الأسباب فساد بعض رجال الشرطة. ومعظم رجال الشرطة صادقون ومهنيون يعملون بجد، إلا أن البعض منهم يخفي أو يغير أو يختلق الأدلة، أو يكذب أو يعقد صفقات مقابل شهادة مزورة؛ أو يرهب الشهود ويهددهم؛ أو يكره المتهم على الاعتراف؛ أو يتلاعب بهويات شهود العيان.

كما أن هناك سوء سلوك الادعاء. ومعظم المدعين العامين هم أيضاً مهنيون صادقون يعملون بجد. لكن من المعروف أن البعض منهم يخفي أدلة من شأنها أن تبرئ المتهم، أو يشجع الشهود على النطق بشهادة زور؛ أو يكذب على المحلفين والقضاة ومحامي الدفاع؛ أو يستخدم شهادة خبراء وهمية، أو يتجاهل الأدلة ذات الصلة، والتي تصب في صالح المتهم.

اعترافات زائفة وشهود لا يتذكرون

يجد معظم المحلفين أنه من المستحيل تصديق متهم يعترف بجريمة خطيرة لم يرتكبها. ومع ذلك، قد يفاجأ المحلف بما سيقوله المتهم إذا تم نقله إلى غرفة الطابق السفلي وتعرض لمدة 10 ساعات متتالية لأساليب الاستجواب المسيئة من قبل رجال الشرطة ذوي الخبرة. ومن بين 330 شخصاً تمت تبرئتهم بأدلة الحمض النووي، خلال الفترة من 1989 إلى 2015، قدم نحو 25% منهم اعترافات زائفة بعد استجوابات مطولة، لكن تراجع كل واحد منهم تقريباً بعد فترة وجيزة من الإدلاء بالاعترافات الزائفة. وفي أكثر الأحيان، يجد الشهود مشكلة في تذكر الحقائق بدقة وتحديد هوية المتورطين. وقد تختلط عليهم الصورة البدنية خلال تحديد المتهمين، لأن الشرطة تتلاعب بالصور لتركيز الشك على المشتبه فيهم الذين تفضلهم.

سوء أداء المحامين ومصلحة القضاة السياسية

نادراً ما يمتلك المتهمون بارتكاب جرائم خطيرة المال لدفعه لمحامين ذوي خبرة يستطيعون الدفاع عنهم. والكثيرون منهم تعين لهم المحكمة محامين للدفاع عنهم، لكنَّ الكثيرين منهم أيضاً يوقعهم حظهم العاثر في محامين تعينهم المحكمة ولا يتمتعون بخبرة جيدة، أو لا توجد لديهم خبرة أصلاً. وفي الأغلب الأعم يتغلب عليهم محامو الدفاع ذوو الخبرة العالية. ومن المفترض أن يتحرى القضاة النزاهة، وأن يحرصوا على ضمان محاكمات عادلة. وينبغي أن يستبعدوا الاعترافات التي لا تتفق مع الأدلة المادية، والتي يتم الحصول عليها بوسائل مشكوك فيها؛ واستبعاد شهادة المجرمين التي تكون دوافعها مشكوكاً فيها؛ ومطالبة المدعين العامين بتقديم أدلة تبرئة؛ وتمحيص وثائق وشهادة جميع الخبراء غير الأعضاء في هيئة المحلفين. ولسوء الحظ، لا يفعل القضاة دائماً ما ينبغي عليهم فعله. الأسباب كثيرة ومتنوعة، وفي الحقيقة إن تصرفات العديد من القضاة المنتخبين لا تساعد على تحسين الوضع. لأنهم يضعون في اعتبارهم حملات إعادة الانتخاب القادمة، وكيف تؤثر القرارات التي يتخذونها في نتائج تلك الانتخابات.

خبراء مشكوك في مؤهلاتهم

على مدار العقود الخمسة الماضية، غصت قاعات المحاكم في أميركا بمجموعة من الخبراء غير الموثوق بهم، الذين لديهم مؤهلات مشكوك فيها، والذين يتقاضون رسوماً مقابل كل أنواع النظريات التي يستنبطونها من تحليلهم العلمي المزعوم للشعر والألياف وعلامات الجروح والحروق والبصمات وبقع الدم والقذائف. ومن أصل 330 شخصاً برأتهم اختبارات الحمض النووي بين عامي 1989 و2015، تعرض 71% منهم للإدانة بناءً على شهادة أطباء شرعيين خاطئة، وكان الكثير من مثل هذه الشهادات معيباً أو غير موثوق به أو مبالغاً فيه أو ملفقاً في بعض الأحيان.

سلوك معيب

درس أستاذ القانون بجامعة فرجينيا، براندون إل. غاريت، جميع نصوص الإدانات الخاطئة تقريباً، والتي كشف عنها لاحقاً في أحكام التبرئة المرتكزة على فحوص الحمض النووي. وقد كتب العام الماضي، في صحيفة «ذي بافلر»، قائلاً: «هناك وباء وطني ناجم عن شهادة الطب الشرعي المبالغ في تقديرها، فهناك سيل من الإدانات الجنائية التي انقلبت إلى براءات بعد التخلص من الأدلة المادية المعيبة لعقود من الزمن». ويضيف «النطاق الحقيقي للمشكلة أصبح واضحاً للعيان، في الوقت الحالي».

ويروي كتاب جديد، ألفه رادلي بالكو وتاكر كارينجتون، بعنوان «ملك الجثث وطبيب الأسنان الريفي»، قصة عن اثنين من أكثر الخبراء جرأة شهدتهما قاعة المحكمة. كان ستيفن هاين أخصائياً مثيراً للجدل في علم الطب الشرعي، وتفاخر ذات مرة بإنجاز أكثر من 2000 تشريح في عام واحد. وكان صديقه، ميخائيل ويست، طبيب الأسنان في بلدة صغيرة، قد تولى دور خبير في عدد من المجالات الأخرى. وتعاونا معاً في قضايا اغتصاب وقتل في مسيسيبي ولويزيانا، ما أدى إلى إدانة أعداد كبيرة من المتهمين، الكثير من هذه الإدانات تم نقضه، ولايزال البعض الآخر يأخذ طريقه مرة أخرى في أروقة المحاكم بحثاً عن البراءة.

ويعتبر هذا الكتاب إدانة قوية لنظام القضاء الجنائي الأميركي المتهالك، الذي يتم فيه السماح للمدعين العامين – أو حتى تشجيعهم – بالأخذ بشهادة الطب الشرعي المعيبة، لأنه تم تفصيلها لتناسب نظرية الجرم التي يعتقدونها. الفظائع التي وقعت في ولايتي مسيسيبي ولويزيانا لا تنطبق على وقت أو مكان محددين، فقد فشل المحققون الطبيون وضباط الشرطة والمدعون العامون والقضاة، وغيرهم ممن يسيطرون على نظام العدالة الجنائية في جميع أنحاء البلاد، في تحقيق العدالة إلى حد كبير.

• نادراً ما يمتلك المتهمون بارتكاب جرائم خطيرة المال لدفعه إلى محامين ذوي خبرة يستطيعون الدفاع عنهم.

الأكثر مشاركة