الطوارق.. قبائل قهرت الصحراء وعانـــت التهميش
طفا اسمهم على سطح الأحداث بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس جمهورية مالي ونظامه، أخيراً، ليصبح بؤرة جذب اعلامي قوية، محلياً وافريقياً وعالمياً، إنهم قبائل الطوارق، المجموعة الأمازيغية الأكثر توغلاً في الصحراء الافريقية الكبرى والأكثر انفصالاً عن السكان العرب في الشمال الإفريقي، ومن المفارقة المثيرة أنهم في أسلوب عيشهم ونمط حياتهم أقرب إلى البدو العرب.
| مجتمع الطوارق ينقسم المجتمع الطارقي - شأنه في ذلك شأن المجتمعات البدوية التقليدية - انقساماً وظيفياً، حيث تحدد مكانة الشخص حسب انتمائه إلى طبقات اجتماعية محددة، فهناك: ** إيماجغن: طبقة السادة. ويليهم: ** إينسلمن: الطبقة المهتمة بالتعليم والتعلم والدين. ** إيمغاد: الطبقة الغارمة. ** إينادن: طبقة الصناع التقليديين. ** بلاس أو بزوس: الأرقاء المحررون. ** إكلان: طبقة العبيد. اللثام تشبث الطوارق بتقاليدهم قروناً عدة، خصوصاً في اللباس، إذ يتلثم الرجال غطاءً للوجه دائماً عند تجولهم في الخارج، قد يكون هذا التقليد ناتجاً عن الظروف القاسية للبيئة الصحراوية التي يعيشون فيها، لكن له دلالات ثقافية أكبر. ويسمى اللثام بـ«تاكلموست»، إذ إنه من العيب على الرجل ان يظهر فمه للآخرين، وقد يصل طول اللثام إلى أربعة أو خمسة أمتار. |
وقد درج المهتمون بالطوارق على كتابة اسمهم بالطاء، وكان الأولى أن يكتب بالتاء لأن الاسم - طبقاً لبعض الباحثين - مشتق من كلمة «تاركة»، وهو واد في منطقة فزان بليبيا، والنسبة إليها «تاركي»، فالاسم مأخوذ من مكان بليبيا وليس من اسم القائد المسلم طارق بن زياد، كما تردد بعض المصادر
وفي الكتابات الأوروبية يطلق عليهم اسم «الرجال الزرق»، لكثرة استعمالهم القماش الأزرق لباسا. ويفضل الطوارق أن يطلق عليهم اسم «إيماجغن» أو «تماشق»، وهما مرادفان لأمازيغ ومعناها الرجال الأحرار، وبحكم مجاورتهم للعرب في الشمال وللأفارقة الزنوج في الجنوب، صار الطوارق شعبا هجينا يجمع في دمائه أعراقا طارقية وعربية وافريقية.
منبع الماء
والطوارق ينفردون باسمهم المعروف لدى الأوروبيين والعرب، والتفسير الأكثر منطقية هو أن اسمهم مشتق من الكلمة الأمازيغية «تارجة» التي تعني «الساقية» او «منبع الماء». ويفضل الطوارق تسميتهم بـ«ايماجغن»، أو «إيموهاغ»، ومعناها بالعربية «الرجال الشرفاء الأحرار». ومعظم الطوارق يرفضون تسميتهم بالبربر، لأنها تسمية مختلفة عنهم قليلاً، لذلك يفضلون تسميتهم بـ«اكيل تمشاق »، أو «ايموهاغ».
وفي غياب إحصاءات دقيقة وموثقة لا يمكن إعطاء رقم صحيح او دقيق عن عدد الطوارق، لكن ثمة تقديرات غير رسمية تذهب إلى أن عددهم الإجمالي يناهز 3.5 ملايين، 85٪ منهم في مالي والنيجر والبقية موزعة بين الجزائر وليبيا. وتذهب التقديرات نفسها إلى أنهم يشكلون من 10٪ إلى 20٪ من إجمالي سكان كل من النيجر ومالي، وفي حين تذهب مصادر أخرى الى ان عددهم يناهر 5.5 ملايين يوجد معظمهم في مناطق صحراوية تمتد من الجنوب الليبي حتى شمال مالي والجزائر.
وتتميز مناطق تواجدهم بأنها الأكثر جفافاً والأقل سكاناً من غيرها في الدول المذكورة. وقد ظل الطوارق إلى عهد قريب خبراء هذه الصحراء الكبرى العارفين بمسالكها المؤمنين لحركة القوافل بها، وقد أعانهم على ذلك صبرهم وشجاعتهم ومعرفتهم بأماكن الماء وإتقانهم الاهتداء بالنجوم. ويتميز ابناء الطوارق عن غيرهم من الأمازيغ باعتزازهم بثقافتهم وحفاظهم على لهجتهم الأمازيغية «تماشق»، وكتابتها بحرفهم الخاص «تيفيناغ»، الذي يكتب من اليمين إلى الشمال، ويحكمهم نظام كبير وعريق ومحكم من العادات والتقاليد توارثوه جيلا بعد آخر، كما أسهم العامل البيئي من حر في الصيف وبرد في الشتاء في غلبة اللثام على الطوارق، إذ غالباً ما يضع الطارقي لثاما يبلغ طوله أحيانا أربعة أو خمسة أمتار، ويلازمه في الحل والترحال ويلفه بإحكام على جميع وجهه حتى لا يظهر سوى العينين. ولا يرفع الطارقي لثامه ولو عند تناول الطعام، وغالبا ما كان من القماش الأسود. ويشترك الطوارق في وضع اللثام مع بعض المجموعات الصحراوية مثل قبائل صنهاجة الذين عرفوا بالملثمين، وقد تعددت تفاسير تمسكهم باللثام، ومنها الحياء الغالب على تلك الشعوب.
فتش عن المرأة
للمرأة مكانة عظيمة لدى الطوارق، فهي تتمتع باستقلالية كبيرة ولو كانت متزوجة رغم أن معظم شعوب العالم تحولت إلى شعوب أبوية ذكورية، كما انها لا تحجب وجهها، وعندما تهرع المرأة الطارقية إلى الخارج وهي تحمل آنية مملوءة بحليب الناقة فهذه علامة على الترحيب بالقادم سواء كان فرداً من العائلة جاء بعد سفر أو ضيفاً عابر سبيل، والمرأة عند الطوارق لا تحجب وجهها، ومن أشهر الشخصيات في تاريخ الطوارق امرأة اسمها تينهنان وهي زعيمة أسست مملكة هقار في الجزائر.
ويعيش الطوارق في خيام لكن جزءا كبيرا منهم يستقر في بيوت طينية، وتوفر الخيام التي تصنع من أثواب خشنة تغزل من شعر الماعز وتشد إلى ركائز (أوتاد) يتم تثبيتها بحبال تزرع في باطن الأرض في معاقف، مأوى آمناً ضد حر الصحراء والمناخ القاسي، ويبدو في وسط الخيمة دائماً طاولة صغيرة لشرب الشاي، وطاولة أطول تخصص عموماً للضيوف وعابري السبيل، وهذه من عاداتهم
تاريخ نضالي
قاوم الطوارق الاستعمار الفرنسي ببسالة واشتهر قتل الفرنسيين عام 1916 لرئيسهم الأمنوكال الشيخ فهرون. ومنذ استقلال الدول التي يوجد بها الطوارق وعلاقتهم بالأنظمة المتعاقبة غير ودية خصوصاً مع مالي والنيجر، وكان أول تحرك سياسي للطوارق سنة 1963 مطالبين بحقوقهم السياسية في مالي، إلا أن حكومة الرئيس السابق موديبو كيتا قمعتهم بشدة وزجت بمعظم نشطائهم في السجون.
ومع بداية تسعينات القرن الماضي نشطت حركات مسلحة طارقية في مالي والنيجر، وقامت الجزائر بوساطة بين مالي والمسلحين، وتم توقيع اتفاق سلام بتمنراست في يناير ،1991 لكن لم يحترمه الطرفان المتنازعان. وقد تزايد العنف بين الجيش المالي وحركة التمرد، ما دفع الآلاف من الأسر للجوء إلى موريتانيا والجزائر وبوركينا فاسو. كما قام طوارق النيجر بهجرة واسعة إلى ليبيا في عهد الرئيس السابق حسين كونتشي، وبعد وفاته 1987 حاول خلفه الرئيس علي سيبو، أن يتصالح مع المعارضة الطارقية في ليبيا، غير أن مواجهات دامية بين الطوارق والجيش النيجري اشتعلت بعد القمع الدموي الذي تعرض له الثوار المعارضون على ايدي الشرطة والامن الداخلي في النيجر.
ورغم رعاية الجزائر وبوركينا فاسو اتفاقات سلام عدة بين مسلحي الطوارق وكل من مالي والنيجر، لم يتم الوصول بعد إلى السلام والوئام، فلا الطوارق حصلوا على حكم ذاتي أو الانفصال، ولا استطاعت مالي والنيجر السيطرة على مناطق الطوارق الواسعة الأرجاء.
وتشهد المناطق الشمالية من جمهورية مالي قتالا ضاريا، إذ يواصل متمردو الطوارق تقدمهم محرزين انتصارات على القوات الحكومية، وقد تمكنوا من دخول مدينة غاو، عقب استيلائهم على مدينة كيدال ذات الموقع الاستراتيجي في الشمال. وتضم صفوف المتمردين تنوعا واسعا من الحركات بما فيها حركات اسلامية، لكن الطوارق ذوي الميول الانفصالية يشكلون الغالبية العظمى من خلال الحركة الوطنية لتحرير أزاواد وحركة انصار الدين التي تفيد معلومات بأنها ترتبط بتنظيم القاعدة في المغرب.
ليس الأول
وعرف الطوارق تاريخياً بأنهم شعب شديد الصبر والشجاعة ومقاتل وجيد التسليح، فهم يحملون معهم في ترحالهم السكاكين والسيوف والخناجر والرماح، وليست هذه اول حركة عصيان يقوم بها الطوارق، فقد سبق ان انتفضوا على حكومات تشاد والنيجر وغيرها مطالبين بإنهاء التهميش الذي يتعرضون له، وبحصولهم على حصة اكبر من عوائد بيع المعادن الثمينة التي تزخر بها دول المنطقة كاليورانيوم وغيره.
غير أن العصيان الحالي في مالي يختلف عن الحركات السابقة، نظراً لمستوى التسليح الذي يتمتعون به، فقد عاد كثير من المشاركين في العصيان من ليبيا إذ شاركوا في القتال في صفوف قوات معمر القذافي والثوار المعارضين له على السواء. وقد جلب هؤلاء معهم الى مالي كميات من الاسلحة المتطورة، ما اضفى مزيدا من الخطورة على العصيان، كما لا يخفي الطوارق غايتهم من الحرب بأنهم يسعون الى تأسيس دولة خاصة بهم يطلقون عليها «أزاواد»، لكن من غير المرجح انهم سينجحون في تحقيق حلمهم هذا سواء في مالي او في النيجر أو أي بلـد آخر.
تمبكتو التاريخية
تعتبر تمبكتو هي العاصمة التاريخية والسابقة لمالي وهي مدينة قديمة يتجاوز عمرها 1000 سنة، وتقع على حافة الصحراء الافريقية الكبرى الى الشمال من نهر النيجر، وأضفى عليها المؤرخون هالة من السحر، إذ وصفها أحدهم بمدينة الذهب، لكثرة ما فيها من حلي ومجوهرات، وأن نساءها من الجمال بحيث كان لابد للزائر أن يقع في حب إحداهن فور وصوله ويتزوج بها. وكانت مركزا تجاريا مهما، إذ تقصدها قوافل الملح الثمين من الصحراء، وازدهرت فيها تجارة الرقيق والعاج، كما اشتهرت بكونها مركزا ثقافيا، وقبلة للعلوم الاسلامية، حيث تحتفظ مكتباتها بـ700 مخطوطة تاريخية على الاقل، لكن تمبكتو المعاصرة تختلف عما كانت عليه في عصرها الذهبي، إذ يغلب عليها طابع الفقر، وأصبحت مهددة بالتصحر.