الرئيس التايواني السابق يثق بحكمة شي جينبينغ في إحلال السلام بين الشعبين الشقيقين

التقى رئيس تايوان السابق ما ينغ-جيو، الرئيس الصيني شي جينبينغ الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في بكين، يوم الأربعاء الماضي، في أول لقاء لهما منذ أن التقيا في سنغافورة في نوفمبر 2015.

وجاء لقاء الزعيمين قبيل القمة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في واشنطن، لكن في اليوم ذاته، أي الأربعاء الماضي. وقال ينغ-جيو، خلال اللقاء، إن الدولة الصينية لا يمكنها تحمل اندلاع حرب في مضيق تايوان. وقال إنه يعتقد أن قادة الطرفين يمتلكان من الحكمة ما يكفي للحفاظ على بيئة من السلام والاستقرار في المنطقة من أجل التنمية الاقتصادية.

من جهته، قال شي: إنه ليس هناك أي شيء بين شعبي الطرفين لا يمكن مناقشته والتفاوض حوله، وإنه ليس هناك أي قوة يمكنها أن تفصل بينهما. وأضاف شي: «يشتاق الشعبان على طرفي مضيق تايوان إلى السلام والانسجام والتعايش مع عائلاتهم. ولتحقيق هذا الهدف علينا الترويج للسلام، وتطوير العلاقات بين طرفي المضيق. ولطالما أن الدولة ليست مقسمة وأننا نعترف بأن كلا طرفي مضيق تايوان هما شعب صيني وعائلة واحدة، نستطيع الجلوس والتواصل مع بعضنا».

وأضاف شي أن التواصل في العلاقات بين طرفي المضيق يجب أن يستند على التوافق الذي تم التوصل إليه عام 1992.

وتم إنجاز توافق عام 1992 خلال لقاء بين الممثلين شبه الرسميين لجمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني في البر الصيني، «جمهورية الصين الشعبية» وجمهورية الصين بقيادة حزب الكومنتانغ في تايوان.

وقال الحزب الشيوعي الصيني، إن توافق 1992 يعني أن كلا الطرفين على جانبي مضيق تايوان ينتميان إلى «الصين الواحدة» التي تمثلها جمهورية الصين الشعبية. ويفهم حزب الكومنتانغ هذا التوافق على أن «الصين واحدة، ولكن بتفسير مختلف» أي أن الصين يمكن أن تكون إما الصين الشعبية وإما جمهورية الصين.

ولكن الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم حالياً في تايوان لم يعترف بتوافق عام 1992. وفاز زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي لاي تشينغ تي بالرئاسة في جزيرة تايوان خلال انتخابات 13 يناير الماضي، وسيحل مكان الرئيس الحالي تساي انغ يون باعتباره رئيس تايوان الجديد في 20 مايو المقبل.

موقف حزب الكومنتانغ

في الثامن من يناير الماضي قال ينغ-جيو، في مقابلة مع تلفزيون «دي دبليو» الألماني، إن أفضل أسلوب يمكن أن ننتهجه هو التواصل والتعاون مع الصين، لأن تايوان لا يمكن مطلقاً أن تفوز بحرب ضد الصين. وقال في ما يتعلق بالعلاقات بين طرفي المضيق، إنه يثق بالرئيس الصيني الذي أكد أنه ليس لديه أي خطة لغزو الجزيرة. وقال أيضاً إن تايوان يجب أن تتجنب زيادة نفقاتها الدفاعية لأن ذلك من شأنه استفزاز الصين.

ولكن إثر تصريحات ينغ-جيو، قال المرشح لرئاسة حزب الكومنتانغ هاو يو ايه، إن لديه وجهة نظر مختلفة عمّا قاله ينغ-جيو، فهو لم يطرح تفاؤلاً حقيقياً بشأن «دولة واحدة ونظامي حكم مختلفين».

وأثارت زيارة ينغ-جيو الأخيرة إلى الصين الجدل بين قادة حزب الكومنتانغ. ووفق الأخبار فقد أخذ رئيس حزب الكومنتانغ الحالي أريك تشو إجازة عائلية، وقام برحلة إلى الولايات المتحدة في مارس الماضي. وقال نائب رئيس حزب الكومنتانغ اندرو هسيا الذي ترأس اجتماعاً للجنة الدائمة للحزب في 27 مارس الماضي، إن الحزب يقدر عالياً زيارة ينغ-جيو لبكين ويأمل أن يحقق النجاح. ولكن هسيا، يترأس وفد حزب الكومنتانغ لعقد لقاءات مع مراكز البحث والمشرعين في واشنطن هذا الأسبوع.

وقال أحد الكتّاب الذين يقيمون في إقليم جيجيانغ، ويستخدم اسماً مستعاراً هو «تشيا جي»، في مقالة تم نشرها يوم الأربعاء الماضي «زيارة ينغ-جيو إلى الصين ليست مجرد حدث سياسي كبير فقط، وإنما معركة بين الأيديولوجيات والمواقف. وستؤدي ردود فعل بين الحزبين الديمقراطي التقدمي، والكومنتانغ (لرحلة السلام هذه) إلى مواقف مختلفة في تايوان».

وقال كاتب صيني مقيم في إقليم هوبي الصيني ويدعى «داباي هو» في مقالة: « في الماضي كان أريك تشو يمتلك موقفاً ودوداً إزاء الصين الشعبية. ولكن في السنوات الأخيرة يبدو أن تشو يريد تجنب التعليقات على زيارة ينغ-جيو للصين عن طريق مغادرة تايوان سراً».

وقال هذا الكاتب: إن تشو واجه انتقادات حادة داخل حزبه بعد أن أغلق فرع مدينة هوانغ فوشينغ التابع لحزب الكومنتانغ، أو اللجنة الوطنية للمحاربين القدامى، الذي عارض بشدة استقلال تايوان الشهر الماضي.

وأضاف الكاتب أنه من المُلح الآن بالنسبة لبكين إيصال رسالة مفادها أنها بذلت قصارى جهدها لتحقيق إعادة التوحيد السلمي ولن تسمح لأي شخص بفصل تايوان عن الصين.

ويقول المعلق المقيم في تايوان وأصله من هونغ كونغ ياو تشينغ يوين، على قناته على موقع يوتيوب، إن بكين ربما بالغت في تقدير تأثير ينغ-جيو على السياسة التايوانية. وأضاف نقلاً عن إحصائية أجرتها جامعة تشينغشي الوطنية، أن 2.4% فقط من سكان تايوان يعرفون أنفسهم بأنهم صينيون. ويقول: إن معظم سكان تايوان يعارضون النهج القائل «بدولة واحدة ونظامين» الذي تتبناه بكين، بعد رؤية فشله في هونغ كونغ.

ذاكرة الشعب

في زيارته الأخيرة إلى بكين لم يحمل ينغ-جيو أي ألقاب رسمية، وكان شي يدعوه بـ«السيد ما» وبالمقابل كان يرد عليه بـ«الأمين العام» و«السيد شي».

وقبل زيارته إلى بكين قاد ينغ-جيو مجموعة من الشبان التايوانيين لزيارة مناطق في الصين منها بكين في الفترة ما بين الأول والتاسع من أبريل. وزار متحف الصين المعادي لليابان في بكين يوم الإثنين الماضي.

ووصف اللواء المتقاعد في تايوان وعميد كلية الدفاع الوطني في تايوان يو تسانغ تشي، رئيس تايوان السابق ينغ-جيو بأنه «أحمق مفيد» ويرى اللواء يو بأن ما تستخدمه بكين هو لإثارة المشاعر المناهضة لليابان والترويج للواحدة مع تايوان.

ويقول يو: إن بكين تريد استغلال ذاكرة الشعب المتعلقة بحرب المقاومة التي امتدت لثماني سنوات التي خاضها حزب الكومنتانغ ضد اليابان في الفترة ما بين 1937 و1945 لإثارة شعور التضامن مع حزب الكومنتانغ الحديث، وتقويض علاقة تايوان مع اليابان والولايات المتحدة.

وسواء استحق ينغ-جيو تهمة «الأحمق» أم لا، فإنه ارتكب خطأ طائشاً خلال لقائه الأخير مع شي وفق ما ذكرته وسائل الإعلام التايوانية.

وخلال حديثه الافتتاحي أراد ينغ-جيو أن يقول في الأصل إن «الأمة الصينية، وهي بالصينية (جينغوا مينزو)» واجهت قرناً من المهانة في الماضي، لكنها تزحف الآن إلى الأمام في طريق التقدم والحضارة، لكنه أخطأ ولفظ الكلمات بـ(جنغوا مينغوو) وهو ما يرمز إلى شيء آخر لم يكن قادة الحزب الشيوعي الصيني يتوقعون سماعه منه خلال اللقاء، لكنه سارع إلى تصحيح ما قاله في الحال.

زيارة ما ينغ-جيو إلى الصين ليست مجرد حدث سياسي كبير فحسب، وإنما معركة بين الأيديولوجيات والمواقف. وسينجم عن ردود الفعل بين الحزبين الديمقراطي التقدمي، والكومنتانغ «لرحلة السلام هذه» مواقف مختلفة في تايوان.

تم إنجاز توافق عام 1992 خلال لقاء بين الممثلين شبه الرسميين لجمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني في البر الصيني، «جمهورية الصين الشعبية» وجمهورية الصين بقيادة حزب الكومنتانغ في تايوان.

الأكثر مشاركة