أطفال غزة ينتفضون من بين الأنقاض.. ليعودوا إلى الحياة مجدداً

بحركة ثقيلة، ترفع الطفلة سيلا بشير، جسدها إلى الأعلى، لتنزله مباشرة مرة أخرى، عوضاً عن القفز في الهواء كبقية الأطفال، الذين تتشابك أيديهم مع يديها، فحجم المآسي التي استقرت في قلبها، جرّاء تدمير مأواها الوحيد في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. أفقدتها القدرة على التحليق عالياً فوق أنقاضه.

على وجه السرعة، فارق الأطفال أعلى الركام، صوب الأرض، في محاولة لتمكين سيلا (ستة أعوام) من استعادة توازنها، بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة السبت 13 مايو الجاري، وبالتالي واصلوا اللعب، وتبادلوا الضحكات، لاستبدال حزن الطفلة بأجواء المرح.

ولا تعد مهمة إخفاء حالة البؤس التي تعيشها الطفلة سيلا سهلة، وفي الوقت ذاته لن تكون مستحيلة على أطفال حارتها، الذين تمكنوا قدر المستطاع من مؤازرتها ومواساتها، ليكرروا المشهد ذاته ثانية، بجانب انقاض منزلها، حتى تزول مأساتها من دون رجعة.

العلاج بالترفيه

المشاهد السابقة رسمها أبطالها من البراعم، الذين ذاقوا ويلات الغارات الجوية، الموجّهة صوب أجسادهم النحيلة، وأعمارهم البريئة، أثناء مشاركتهم في فعاليات ترفيهية تنفذها مؤسسات حكومية، وأخرى أهلية، للأطفال المتضررين من العدوان الإسرائيلي الأخير بحق سكان قطاع غزة، والذين نسفت طائرات الاحتلال منازلهم، أو فقدوا والديهم، أو أحدهم، أو كامل أفراد عائلاتهم، كما هي الحال مع الطفلة (ميرال خصوان - تسعة أعوام)، التي أزهق الاحتلال روح والديها وشقيقها يوسف، جرّاء تدمير منزلهم فوق رؤوسهم، بينما كانوا نياماً، في أولى لحظات العدوان ضد غزة المحاصرة.

وفوق أنقاض المنازل المدمرة في مدينة دير البلح، نظمت طواقم الهيئة العامة للشباب والثقافة، وهي منظمة حكومية، بالتعاون مع مركز سواعد الشبابي، والمركز الثقافي الماليزي (الأهليين)، برنامجهم الإنساني، للتخفيف قدر المستطاع من الأزمات النفسية التي رافقت الأطفال، أثناء استمرار جولات القصف، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وعلاجها بواسطة اللعب والترفيه.

ويوضح المدير العام للطفولة والطلائع في الهيئة العامة للشباب والثقافة، عصام الهبيل، أن «البرنامج يسعى إلى الإسهام في التفريغ النفسي والانفعالي عن الأطفال ضحايا عدوان الاحتلال، وتخفيف القلق والتوتر لديهم، من خلال أنشطة ألعاب وترفيه».

ويشير الهبيل لـ«الإمارات اليوم» إلى أن أعداداً كبيرة من الأطفال تعرّضوا لأضرار واضطرابات نفسية عميقة، نتيجة مجازر الاحتلال البشعة، وجرائم استهدافه المدنيين والأطفال.

ويسرد مدير عام الطفولة والطلائع محتويات البرنامج الترفيهي، حيث قدم خلاله فقرات الفن واللعب والترفيه، منها: الرسم على وجوه الأطفال، وعروض الأناشيد الوطنية، إلى جانب تقديم هدايا لهم.

ويشدد على أهمية جهود مؤسسات الطفولة، للعمل على معالجة الضغوط النفسية، التي يتعرض لها أطفال غزة، من خلال تنفيذ برامج متكاملة لدعمهم اجتماعياً ونفسياً، وتوفير الحماية الكاملة لهم، وإيصال صوت معاناتهم، وفضح انتهاكات الاحتلال وجرائمه بحقهم أمام دول العالم.

«على هذه الأرض ما يستحق الحياة»

بعد انتهاء فعاليات الترفيه، انصرف الجميع، ولكن سيلا لم تفارق ركام منزلها المدمر، بينما تحتضن دميتها، التي نجت برفقتها من القصف الإسرائيلي.

وتقول سيلا متسائلة لـ«الإمارات اليوم»، بصوت متقطع: «كيف لي أن أفرح وقد اغتال الاحتلال حياة عائلتي كاملة؟ أين هي أجواء السعادة وقد دفنت الطائرات الحربية أحلام مستقبلي؟».

وأثناء ذلك، شاركتها الحديث ابنة عمها (حلا - 11 عاماً)، التي تقطن في المنزل المدمر ذاته، المكون من أربعة طوابق، فتقول: «إن الطائرات باغتت منزلنا على حين غرة، إذ أطلقت مسيّرة بدون طيار صاروخاً على المنزل أولاً، لنغادره ونحن بحالة ذعر شديد، وبعد خمس دقائق نسفت طائرة حربية مأوانا الوحيد، لنصبح في غمضة عين عرضة للتشرد».

وتواصل حديثها: «أثناء الهروب من المنزل لم نتمكن من اصطحاب أمتعتنا، وكل ما نمتلكه، لننجو من موت محقق، إلا أن الطائرات مزقت كل ذلك، وأصبح هباءً منثوراً أسفل الأنقاض، لأحرم من كل مقتنيات طفولتي من ألعاب، ومقتنيات دراستي».

صمتت حلا قليلاً، بينما تمسك لافتة كتب عليها «سنفرح من بين الكلام»، لتستدرك قائلة: «إن الحياة يجب أن تستمر، ولابد أن نواجه جرائم القتل والتدمير، بالإقبال عليها (الحياة) مجدداً، رغم أوجاع التشرد، لنزيل الركام بأيدينا، ونعمره مرة أخرى، تماماً كما قال الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: (على هذه الأرض ما يستحق الحياة)».

والقصف الذي حول منزل عائلة الطفلة إلى أكوام من الركام، يعد الثاني خلال تسعة أعوام، إذ إنه في الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة عام 2014، شنت الطائرات الإسرائيلية غاراتها ضد المنزل، وتشرّدت العائلة فترة زمنية طويلة، إلى أن أعادوا ترميمه ثانية، خلال السنوات القليلة الماضية.

• أعداد كبيرة من الأطفال تعرّضوا لأضرار واضطرابات نفسية عميقة، نتيجة مجازر الاحتلال البشعة، وجرائم استهدفت المدنيين والأطفال.

• فوق أنقاض المنازل المدمّرة في مدينة دير البلح، نظمت طواقم الهيئة العامة للشباب والثقافة، بالتعاون مع مركز سواعد الشبابي، والمركز الثقافي الماليزي (الأهليين)، برنامجهم الإنساني، للتخفيف قدر المستطاع من الأزمات النفسية التي رافقت الأطفال، أثناء استمرار جولات القصف، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وعلاجها عن طريق اللعب والترفيه.

الأكثر مشاركة