تصاعد الجريمة في سان فرانسيسـكو يدفع رواد التكنولوجيا إلى النزوح الجماعي

في وقت يحلم فيه الكثيرون بالهجرة إلى الولايات المتحدة، والعمل في مجال التكنولوجيا بوادي السيليكون، يغادر العديد من رواد التقنية سان فرانسيسكو باتجاه أوروبا، من أجل العمل والعيش هناك. وفي هذا السياق، حذر بنك «كوتس» الخاص سكان سان فرانسيسكو من أن مدينتهم، التي كانت في يوم ما نابضة بالحياة، قد تغير بها الحال، و«خاب أملهم»، لما أصاب المدينة في السنوات الأخيرة. وانتشر استخدام المواد الأفيونية فيها، والمعدل غير المتناسب للتشرد والجرائم المتزايدة، بشكل مقلق. وكنتيجة لهذا الوضع، ترك عدد غير محدد من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، العاملين في سان فرانسيسكو، المدينة متجهين إلى لندن، وسط ارتفاع معدلات الجريمة في وادي السيليكون.

وأحصت دائرة شرطة سان فرانسيسكو 20 جريمة قتل، حتى الآن، في عام 2023، بزيادة 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما ارتفعت السرقات بنسبة 15%. وكانت أحدث جريمة رفيعة المستوى تتعلق بمؤسس «كاش أب»، بوب لي، الذي يُزعم أنه تعرض للطعن حتى الموت.

وبعد وفاة لي، وصف رئيس «تويتر»، الملياردير إيلون ماسك، «جريمة العنف» في سان فرانسيسكو بأنها «مروعة». ويقع المقر الرئيس لشركة «تويتر» في سان فرانسيسكو، جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل «أوبر» و«أير بي أن بي» و«سايلس فورس»، بينما تقع شركة «ميتا» مالكة «فيس بوك» و«إنستغرام»، في منطقة خليج سان فرانسيسكو.

وفي العام الماضي، أصبح المشترون الأميركيون أكبر مجموعة من المشترين الأجانب في وسط لندن، حيث انتزعوا المركز الأول من المشترين الصينيين، والفرنسيين في عام 2020. وفي العام المنتهي في أبريل 2023، حاز المشترون الأميركيون 7.6% من إجمالي المبيعات الخارجية. وكان هذا ارتفاعاً من 3.9% في فترة الـ12 شهراً السابقة، وفقاً لوكالة العقارات «نايت فرانك».

أقل أماناً

وقال بنك «كوتس» و«نايت فرانك»، إن تدفق عمال التكنولوجيا من سان فرانسيسكو كان أحد الأسباب الرئيسة لازدهار عمليات الشراء الأميركية في لندن. وفي ذلك تقول آني إنغرام، وهي خبيرة مصرفية في «كوتس»: «لقد أصبح عمال التكنولوجيا محبطين من سان فرانسيسكو»

. وأرجعت الخبيرة ذلك إلى مزيج من معدلات الجريمة في المناطق الأكثر ثراءً، والتشرد المزمن، الذي يفوق المعدل في بقية أميركا، إضافة إلى مستوى البطالة المتزايد، الذي ارتفع بنحو 1% خلال العام الماضي.

وبحسب التقارير، عثرت الشرطة على مؤسس تطبيق «كاش أب» مطعوناً وفاقداً للوعي خارج مبنى سكني فاخر في «رينكون هيل»، وهي منطقة في سان فرانسيسكو، حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة نحو 208 آلاف دولار.

وقالت إنغرام إن العيش في سان فرانسيسكو الآن «يبدو أقل أماناً» لعملاء «كوتس» ذوي الدخل المرتفع، الذين قالت إنهم «يتطلعون إلى ما وراء الولايات المتحدة، الآن». وقال الخبراء إن سوق العقارات الرئيس الواسع في لندن، وستة مطارات، ونظام التعليم المطلوب بشدة لمن لديهم أطفال، ليست سوى بعض عوامل الجذب لعمال التكنولوجيا في سان فرانسيسكو.

وترى إنغرام أن «التحديات السياسية» في الولايات المتحدة يمكن أن يكون لها دور في هذا النزوح. وأوضحت «تبدو الصعوبات في المملكة المتحدة، الآن، بسيطة، مقارنة بتحديات البلدان الأخرى».

من جهته، قال رئيس شركة «نايت فرانك» للتطوير العقاري في وسط لندن، روبرت دي فورج، إن مجمع «غرفزنور سكوير» في «ماي فير»، وسط العاصمة البريطانية، كان أحد المواقع الشهيرة بين مشتري التكنولوجيا الأميركيين. والشقة ذات غرفتي نوم وحمامين، في المجمع، معروضة حالياً في السوق مقابل 11.5 مليون جنيه إسترليني.

إقبال متزايد

وتشمل الوجهات الشهيرة الأخرى لمشتري التكنولوجيا كلاً من «ساينت وود» و«ريجنتس بارك» و«كسينغتون» و«بلغرافيا». وأوضح دي فورج أن «إقبال مشترين من الساحل الغربي لأميركا هو بالتأكيد عامل في سوق العقارات الرئيسة، في لندن، بطريقة لم تكن قبل خمس سنوات. وبمجرد أن تحصل على مجموعة من المالكين في لندن، يأتي أصدقاؤهم».

وأوضح دي فورج «في الواقع، الكثير من المشترين من مستويات أدنى من الرؤساء التنفيذيين، أيضاً. ويمكن للمطورين الأفضل أداءً جني ثروات في وقت مبكر جداً، مقارنة بالأسهم». وتابع: «في حين أن الاقتراض لشراء الممتلكات مجدٍ عندما يتعلق الأمر بالضرائب، يمكن لجميع هؤلاء المشترين (الأميركيين) إجراء هذه المعاملات نقداً».

وكان أصغر عضو في مجموعة المشترين، من رواد التكنولوجيا، الذين أتوا إلى لندن، عن طريق وساطة «نايت فرانك»، يبلغ من العمر 21 عاماً فقط.

وفي العام الماضي، انتقل المدير التنفيذي لـ«إنستغرام»، آدم موسري، إلى «كسينغتون» للعمل في مكاتب «ميتا» الجديدة في «كينغز كروس»، ويقال إنه مدفوع بالرغبة في العيش في لندن. وفي وقت لاحق، طلب منه صاحب العمل العودة إلى الولايات المتحدة. وقال مؤسس وكيل العقارات «دي دي أر إي جلوبل»، دنيل داغرز، إنه رأى الكثير من الأشخاص يغادرون سان فرانسيسكو متجهين إلى بريطانيا. ولندن هي أول ميناء للاتصال خارج الولايات المتحدة.

• 7.6٪ من إجمالي المبيعات الخارجية، في لندن، كانت من نصيب الأميركيين في العام المنتهي في أبريل 2023.

مزايا هائلة

وفقاً لمراقبين، فقد أصبح رواد الأعمال الدوليون في مجال التكنولوجيا أكثر قدرة على التنقل من أي وقت مضى. وقد حصلوا على فرصة، ومزايا هائلة، لتربية أطفالهم في محيط عالمي، ويبدو أن لندن هي نقطة تنقلهم المثالية إلى أوروبا.

وقال مؤسس وكيل العقارات «دي دي أر إي جلوبل»، دنيل داغرز، إن العديد من رؤساء التكنولوجيا في سان فرانسيسكو قلقون من احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقال إن هذا من شأنه أن «يُسرع» قرارات عمال التكنولوجيا الليبراليين بالخروج من أميركا.

مدينة في مأزق

تشير التقارير الأخيرة إلى أن وسط مدينة سان فرانسيسكو الصاخب في السابق قد دخل في «حلقة الهلاك»، وهو مصطلح اقتصادي عندما تغذي قوى منفصلة، ولكنها مترابطة مع بعضها في حالة ركود لا يمكن إيقافه. وأدى الافتقار إلى الموارد العامة لسكان سان فرانسيسكو الذين يعانون التشرد وتعاطي المخدرات، إلى تكثيف تلك الأزمات في السنوات الأخيرة، مع استمرار ارتفاع كلفة المعيشة، وإغراق المدينة بالعقاقير القوية، مثل «الفنتانيل».

وفي غضون ذلك، حذرت صحيفة «ذا سان فرانسيسكو كرونكل»، أخيراً، من أن المدينة يمكن أن تكون في دوامة سلبية، وأوضحت كيف يمكن أن «تموت» المدينة.

ومع مغادرة الشركات، توضح الصحيفة، فإن عائدات الضرائب تنخفض، ويقل استخدام الناس لوسائل النقل الجماعي حتى يُفلس، ما يزيد من صعوبة وصول العمال ذوي الدخل المنخفض والمتوسط إلى العمل. ولاتزال تكاليف العمالة ترتفع أكثر، والمدينة لديها أموال أقل لمعالجة مشكلات مثل الجريمة والسلوك غير المنضبط.

ورد عمدة المدينة قائلاً إن من السهل طرح تنبؤات رهيبة حول موت وسط المدينة، ولكن «هذا ليس واقعنا، ولن يحدث».

وتفتخر المدينة بموهبة لا تصدق، وفق المسؤولين فيها. ومن نواحٍ كثيرة، لديها الكثير من الميزات. ومع ذلك، لايزال الكثير من الناس يغادرون. وفي العام الماضي، وجد مسح الإسكان الأميركي أن نحو 18% من سكان سان فرانسيسكو يخططون للانتقال في عام 2023. وقال نصفهم تقريباً إنهم يعتزمون الانتقال إلى مدينة مختلفة. وما لم تتمكن سان فرانسيسكو من وقف هذا المد، فإنها في مأزق.

طريق طويل

اعترفت المدعي العام لمقاطعة سان فرانسيسكو، بروك جنكينز، الشهر الماضي، بأن إحصاءات الجريمة لا تروي القصة الكاملة عن السلامة العامة. وقالت «أعتقد أن سكان سان فرنسيسكو لايزالون قلقين للغاية بشأن السلامة العامة، ولايزال أمامنا طريق طويل لنقطعه لجعل سان فرانسيسكو آمنة كما يجب أن تكون».

ولا يتعلق الأمر دائماً بالبيانات، وفقاً لجنكينز، بل «يتعلق الأمر بالطريقة التي يشعر بها سكاننا وأصحاب الأعمال وحتى الزوار».

كما أن مشاهد تعاطي المخدرات في الهواء الطلق والمخيمات القذرة للمشردين لاتزال شائعة بشكل مأساوي في مدينة البوابة الذهبية. وكشفت البيانات الأخيرة من الهيئة الطبية بالمدينة عن زيادة بنسبة 41% في عدد الوفيات المرتبطة بالمخدرات، في الربع الأول من عام 2023، مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي، حيث دمر «الفنتانيل» السكان المشردين في المدينة.

وشهدت سان فرانسيسكو وفاة 200 شخص بسبب الجرعات الزائدة بين يناير ومارس، مقارنة بـ142 حالة وفاة في عام 2022. ويعني هذا وفاة بجرعة زائدة كل 10 ساعات. وكان الضحايا من الرجال السود واللاتينيين بشكل غير متناسب، وكانوا يقيمون في كثير من الأحيان في منطقة تندرلوين، وهو حي وسط المدينة، حيث تم إغلاق مركز للعلاج من المخدرات في ديسمبر.

الأكثر مشاركة