دمار «حرب الأيام الـ 5» يشرّد عائلات غزية منكوبة

صمت أزيز طائرات الاحتلال المحلقة في سماء قطاع غزة، وغاب أثر المدفعية على تخوم الحدود الشرقية، لتتكشف مآس جمة أحدثتها سلسلة عمليات القصف الحربي على مدار خمسة أيام متتالية من الشمال، حتى أقصى الجنوب، إلى جانب إطلاق البوارج البحرية الإسرائيلية نيرانها على طول امتداد شاطئ القطاع.

الكم الكبير من جولات القصف المتتابعة، التي بدأت في الساعات الأولى من فجر يوم الثلاثاء الماضي، حتى مساء يوم 13 من الشهر الجاري، خلف دماراً كبيراً طال المنازل والمنشآت بأصنافها، حيث بلغ إجمالي الوحدات السكنية المتضررة جراء العدوان الإسرائيلي الأخير 2041 وحدة سكنية، منها 31 منزلاً هدموا كلياً، و128 وحدة سكنية غير صالحة للسكن، إلى جانب 1820 وحدة سكنية تضررت جزئياً، لتصل قيمة الخسائر إلى تسعة ملايين دولار.

وأزهقت صواريخ الطائرات الإسرائيلية أرواح 33 فلسطينياً، من بينهم سبعة أطفال، وأربع سيدات، إلى جانب إصابة 190 مواطناً بجراح مختلفة، من بينهم 48 طفلاً و26 سيدة.

أوجاع مضاعفة

شقت «الإمارات اليوم» طريقها إلى مدينة جباليا شمال قطاع غزة، حيث مشاهد الدمار تبدو واضحة على جانبي الطريق، ولكن أشدها ضراوة، شهدها شطر المدينة الغربي، حيث حي «بئر النعجة»، إذ قصفت الطائرات الإسرائيلية في اليوم الأخير من العدوان ضد غزة منزلاً يتكون من أربعة طوابق، تعود ملكيته إلى عائلة نبهان، الذي يعد ملاذاً لثلاث فتيات، وشابين، وطفلة، من أصحاب الهمم، أحد أفراد ثماني عائلات تقطن داخل البناية السكنية.

وتقول (نجاح) زوجة خالد نبهان صاحب البيت المستهدف: «إنه بعد محو صواريخ الاحتلال منزلنا عن الأرض، تضاعف حجم الأوجاع التي تستقر في أجساد أفراد العائلة من أصحاب الهمم، فبناتي (أريج - 18 عاماً) مصابة بمرض الصرع، فيما تعاني شقيقتاها (آيات - 22 عاماً)، و(حنين 16 - عاماً) مشكلات صحية في ساقيهما، تعطل قدرتهما على الحركة مطلقاً.

وتشير إلى أن (بلال - 30 عاماً) يعاني الصرع، فيما يعاني الشاب (جلال) من مشكلات صحية في ساقيه، أما شقيقتهم رزان جمال نبهان، التي لم تتجاوز ربيعها الرابع، فتعاني إصابات بالغة في ساقيها.

ويقول جمال نبهان صارخاً: «إن الكرسي المتحرك الخاص بطفلتي (رزان) دفنته الطائرات تحت أنقاض منزلنا المدمر، إلى جانب جميع المستلزمات الطبية الخاصة بحركة بقية أفراد العائلة، وأدوية علاجهم من الأمراض، التي تلازمهم منذ زمن بعيد».

ونتيجة لكل ذلك، أصبح أصحاب الهمم من عائلة نبهان في مهب ريح التشرد، فلم يعد منزل خالد وجمال قائماً، لتتشتت حياة 50 فرداً، ما بين الأقارب والجيران، فيما تسابقت عيون آيات وأريج وحنين لذرف الدموع، بعد أن أصبحن برفقة أصغرهن سناً، (رزان)، بلا مأوى.

درّاجة «زين» وحصالة نقوده

بالانتقال إلى مدينة بيت حانون أقصى الحدود الشمالية لقطاع غزة، لم يتوقف الأمر عند قصف الاحتلال منزل عائلة المصري، وتسويته بالأرض، لتغتال هذه الغارة الجوية أحلام الطفل (زين سبعة أعوام)، وتدفنها أسفل ركام مأوى عائلته الوحيد.

وعقب ذلك مباشرة، هرع الطفل (زين) إلى أنقاض منزله المدمر، باحثاً عن مقتنيات عائلته التي تحولت إلى كومة من الركام، إلى جانب ألعابه، وحصالته، ودرّاجته الهوائية، لينجح في استخراج حصالة نقوده، وشهادة تخرجه من رياض الأطفال، أما درّاجته فقد مزقتها صواريخ الاحتلال، مع ألعابه، ليدفن الاحتلال بذلك أحلام البراءة المحاصرة.

وأثناء ذلك، يقول الطفل (زين) صارخاً، وقد غطى غبار منزله المدمر جسده النحيل: «كما فعل بنا الاحتلال اليوم، حتماً سنرد إليهم ذلك يوم القيامة».

وكان الاحتلال قد استهدف منزل الطفل المصري بصواريخ عدة، حيث أطلقت صوبه الطائرة المسيّرة بدون طيار (الزنانة) صاروخاً واحداً، لتتبعه الطائرات الحربية بصاروخين تكفلا بإزالة المنزل عن وجه الأرض.

حقيبة «ابتسام» الدراسية

من شمال القطاع، وبالاتجاه إلى شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وفي صبيحة اليوم الثاني من انتهاء العدوان الإسرائيلي، عادت الطفلة (ابتسام) برفقة عائلتها إلى منزلهم، الذي حولته صواريخ طائرات الاحتلال إلى كومة ركام.

ولكن (ابتسام) التي تدرس الصف الثالث الابتدائي، لن تتمكن من العودة إلى مدرستها حالياً، فقد استقرت وعائلتها في العراء بعد تدمير المأوى الوحيد، إلى جانب تمزق الكتب المدرسية، وحقائب الدراسة.

وتقول الطفلة (ابتسام) بعيون دامعة، وصوت خافت مرتجف: «إن الاحتلال هدم منزلنا، ولم أعد قادرة على ارتداء الزي المدرسي، الذي أصبح كما البيت أثراً بعد عين، حيث بحثت عنه طويلاً بين الأنقاض».

وتضيف: «لم أجد الزي المدرسي، إلى جانب كتبي ودفاتر الدراسة، وألعابي أيضاً، ولم أجد إلا حقيبتي المدرسية، والتي غطى الغبار لونها الزاهي، ومزقتها شظايا الصواريخ، ولم أعد أمتلك القدرة النفسية استعدادا للاختبارات المدرسية النهائية».

• بلغ إجمالي الوحدات السكنية المتضررة جراء العدوان الإسرائيلي الأخير 2041 وحدة سكنية، لتصل قيمة الخسائر إلى تسعة ملايين دولار.

• أصبح أصاب الهمم من عائلة نبهان في مهب ريح التشرد، فلم يعد منزل خالد وجمال قائماً، لتتشتت حياة 50 فرداً، ما بين الأقارب والجيران، فيما تسابقت عيون آيات وأريج وحنين لذرف الدموع، بعد أن أصبحن برفقة أصغرهن سناً، رزان، بلا مأوى.

الأكثر مشاركة