الاستجابة الإنسانية الدولية تُبقي السوريين في حلقة العجز والضعف

يقول الجراح العام ومدير الصحة في إدلب شمال غرب سورية، زهير القراط: «يريدون منا أن نظل تابعين وعاجزين»، متابعاً: «قلنا منذ 12 عاماً إننا لا نريد مساعدات إنسانية، بل نريد مشاريع تنموية، ونريد مشاريع إنعاش مبكر، ونريد مصانع».

ويشير الطبيب السوري في كلامه إلى الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والدول الغربية الأخرى وتركيا: البلدان التي تسمي نفسها «أصدقاء سورية»، ولكن لها مصالحها الخاصة في صميم سياساتها تجاه هذا البلد. كما أن روسيا وإيران والدول العربية هي التي تعمل على «تطبيع» العلاقات مع دمشق.

أعرف هذه المنطقة جيداً، إذ سافرت إلى هناك مرات لا حصر لها كمراسلة لشبكة «سي إن إن»، ولكن هذه الرحلة، في مارس، بعد الزلازل التي دمرت هذه المنطقة، كانت مختلفة. ولم أكن هناك لأراقب فقط، بل كنت في مهمة إنسانية مع مؤسستي الخيرية، الشبكة الدولية للمساعدات والإغاثة والمساعدة (إينارا).

لقد أدى إلقاء نظرة ثاقبة على عالم المساعدات وكيفية عمله إلى تفاقم إحباطاتي. ووجدت نفسي أكرر: «لقد انهار كل شيء. هذا لا يصدق».

لقد مر أكثر من عشر سنوات منذ أن استقر أول نازحين سوريين في هذه التلال والحقول في شمال غرب سورية. وكانوا من سكان جسر الشغور الذي تم قصفه في يونيو عام 2011. وفي كل مرة أزورها، أتذكر مقابلة هؤلاء الوافدين الأوائل وهم يمدون قماشاً بين أشجار الزيتون بحثاً عن مأوى، والفتاة الصغيرة التي قابلتها نائمة في الجزء الخلفي من شاحنة عائلتها، يخبرونني بأنهم جاؤوا لتوهم لبضعة أيام. ومع مرور الوقت، تضخم عدد السكان مع أولئك الذين فروا من حلب وحمص وحماة ودمشق وأماكن أخرى.

سلال غذائية

وتضاعف عدد السكان في محافظة إدلب بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ أن خرج الناس إلى الشوارع لأول مرة قبل 12 عاماً، من أقل من مليون إلى أكثر من ثلاثة ملايين. وقُصفت المستشفيات والمدارس ولم تتم إعادة بنائها. وتوقفت المصانع عن العمل أو أصبحت، الآن، في مناطق سيطرة النظام، ما يعني أنه يتعذر الوصول إلى فرص العمل والمنتجات في شمال غرب البلاد الذي يسيطر عليه المتمردون. وبعض الحقول مزروعة، لكن الكثير منها لا يزال غير مزروع. وهناك إمكانية ولكن لا توجد فرصة.

وفي كل عام، كما كان الحال منذ أكثر من عشر سنوات، هناك نداءات لمزيد من التمويل للسلال الغذائية، لحملات الشتاء مع صور لوجوه صغيرة ترتجف في درجات حرارة تحت الصفر. وفي كل عام، تفشل جهود التمويل في تحقيق أهدافها وتذهب هذه المناشدات سدى. ومن العدل أم لا، الشعور السائد في إدلب هو أن وكالات الأمم المتحدة المسؤولة عن المأوى تريد إبقاء السكان في خيام.

التقيت أحلام الأحمد وهي تشق طريقها في الوحل حتى الركبتين. وكانت السيول قد دمرت لتوها مخيمها الصغير على حافة الحقول الزراعية في إدلب، وكانت المياه شديدة القوة وجرفت كل شيء في بعض الخيام، وأتلفت الملابس وأدوات المطبخ والمراتب والبطانيات وأكياس الطعام.

ومثل مئات الآلاف هنا، نزحت أحلام بسبب الحرب، وهربت وهي لا تحمل شيئاً سوى الملابس التي كانت ترتديها. لقد كان من المستحيل على عائلتها الوقوف على أقدامهم، وإعادة بناء حتى أصغر جزء مما فقدوه.

«لماذا نعيش هنا؟» تسأل أحلام، «إنه للعمل. نحن النساء نعمل في الحقول، هذا هو الشيء الوحيد المتاح».

وتضيف النازحة السورية: «أعني أننا قمنا بتنظيم أنفسنا، نوعاً ما»، وهي تشير إلى ما كان بإمكانهم إنقاذه من الوحل. واستغرق الأمر من عائلتها سنوات لتحقيق هذا التقدم الضئيل: ثلاث خيام، واحدة منها تعمل كمطبخ. ولكن حتى مع وجود أربعة منهم يعملون في الحقول، فإن العائلة لا تستطيع تحمل تكاليف بناء منزل بجدران. ويُدر عملهم ثلاثة دولارات فقط في اليوم. ويتوق البالغون إلى الاتكاء على الحائط، في حين أن العديد من الأطفال الصغار لا يعرفون حتى ما هو العيش داخل هيكل مستقر.

خطوط مستقرة

أدى التضخم المتصاعد - إلى جانب ارتفاع الأسعار العالمية - إلى دفع هؤلاء السكان إلى مزيد من الفقر. ومع ذلك، حققت الأمم المتحدة في العام الماضي، بالكاد، نصف هدفها التمويلي لسورية. ولطالما كان الجدل هو أن تمويل أنواع المشاريع التي من شأنها أن تسمح بقدر أكبر من الحكم الذاتي للمنطقة الشمالية الغربية - مثل بناء الملاجئ والمصانع والمدارس - كان محفوفاً بالمخاطر، وهو ما حدث مع حملات القصف الروسية والنظامية المستمرة وغير المتوقعة.

ومع ذلك، ولأكثر من ثلاث سنوات حتى الآن، ظلت خطوط المعركة مستقرة، ولم تعد السماء تعج بالطائرات المقاتلة التي تمطر الموت والدمار. ومع ذلك، لا يزال يُنظر إلى الإطار الإنساني حول إدلب من منظور الاستجابة الطارئة، وهذا يحتاج إلى تغيير.

وبصرف النظر عن الاستجابة الطارئة للزلزال الأخير، فإن الجزء الأكبر من فرص التمويل للمشاريع في سورية، مخصص للتنمية على نطاق صغير - جهود مثل التدريب المهني والقروض الصغيرة - وتدخلات المشاركة المدنية. وهذه الأنشطة لا تقدم سوى القليل من المساعدة للسكان. وبدلاً من ذلك، تسمح للاعبين الخارجيين بالادعاء أنهم يدعمون التنمية.

وفي غضون ذلك، تبقى المشاركة المدنية مهمة ويمكن أن تجمع العقول الملهمة، لكنها ممارسة غير مثمرة على أساس رغبات المانحين وليس الحقائق على أرض الواقع.

«لا يمكنك أن تتوقع من شخص يركز على مجرد البقاء على قيد الحياة، وينتظر الوجبة التالية، أن تكون لديه القدرة العقلية للتركيز على أي شيء آخر. هكذا يبقوننا ضعفاء»، يشرح حسن الموسى، وهو سوري نشط في المجال الإنساني والتنموي.

ويُعد التدريب المهني والمنشآت الصغيرة أمراً مهماً، ولكن يجب توسيع نطاقهما بشكل كبير ليكون لهما تأثير حقيقي.

وفي الوقت نفسه، هناك انقسام بين أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليس فقط بشأن الوصول عبر الحدود، ولكن أيضاً حول ما إذا كان ينبغي التركيز على الطوارئ أو التعافي المبكر أو التنمية. ويبدو أن دورة الطوارئ التي علق بها شمال غرب سورية لأكثر من عقد من الزمن تخلق التبعية، وتديم الفقر والجهل وخيبة الأمل، وحتى هذه الاستجابة لا تفي بالاحتياجات. ومشاريع الإنعاش والتنمية المبكرة التي من شأنها أن تضع الإطار لكسر الحلقة، قليلة جداً، وصغيرة جداً، وقصيرة المدى جداً. ونمط النهج الحالي يشل السكان في حالة من العجز.

وعلى الأرض، يمكن أن يبدو الوضع الكئيب متعمداً تقريباً، في محاولة لإبقاء السكان عاطلين عن العمل وغير متعلمين. ويجب تخصيص مزيد من الأموال لتمويل المشاريع التي تخلق فرص عمل واسعة النطاق، وتتيح الوصول إلى التعليم لمن ليست لديهم أي فرص عمل.

سوف تتطلب مساعدة الشعب السوري الشجاعة الأخلاقية التي كانت تفتقر إليها منذ فترة طويلة، وسوف يتطلب الأمر من أولئك الذين يمسكون بزمام الأمور والسلطة في شمال غرب سورية، تنحية سياساتهم ومصالحهم جانباً. ويستحق الناس فرصة استعادة زمام التحكم في حياتهم. وهذا هو الشيء الإنساني الحقيقي الذي يجب القيام به.

• هناك انقسام بين أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليس فقط بشأن الوصول عبر الحدود، ولكن أيضاً حول ما إذا كان ينبغي التركيز على الطوارئ أو التعافي المبكر أو التنمية.

• 3 ملايين شخص يعيشون حالياً في إدلب.

أروى ديمون ■ زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي ورئيسة ومؤسِّسة الشبكة الدولية للمعونة والإغاثة والمساعدة (إينارا).

الأكثر مشاركة