20 عاماً على حرب العراق.. أسوأ ورطة لبريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية

بعد أيام تصادف ذكرى مرور 20 عاماً على الغزو الأميركي للعراق، وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات على الحرب إلا أن أثارها لاتزال ممتدة ليس فقط على العراق لوحده الذي دمرته الحرب ولم يذق طعم الاستقرار منذ تلك اللحظة، وغرق في مستنقع من الفساد والحرب الأهلية، وإنما في سائر المنطقة. ولاتزال الشعوب العربية عموماً، والشعب العراقي خصوصاً، يدفعون ثمن تلك الحرب التي شنت بناء على ادعاءات كاذبة مفادها أن العراق يملك أسلحة دمار شامل، وأثبت التفتيش المتكرر بعد الحرب أن العراق لا يملك أية أسلحة ذرية ولا بيولوجية ولا كيماوية، وأن الغرض من الحرب كان تدمير العراق ليس إلا.

ينال رئيس حزب العمال، كير ستارمر، الكثير من الإلهام من فوز حزبه الكاسح في انتخابات عام 1997، وهو دائم التجول بانتظام على محطات التلفزة والراديو. وعثر رئيس الحكومة السابق، غوردون براون، على دور يتمثل في كونه الضمير الهادر للسياسة البريطانية. وهناك بعض السمات العمالية في شخصية رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك، مثل أسلوبه غير الطبقي في التحدث، ومحاولاته تسويق نفسه باعتباره سيد الفعالية التكنوقراطية، كما أنه مصمم على جذب حزبه نحو المسار الرئيس.

ولكن وصلنا الآن إلى ذكرى سنوية مضطربة، ففي الـ20 من مارس يصادف مرور 20 عاماً على الغزو الأميركي للعراق، وهو ما يذكر ليس بمسؤولية بلير عن أفظع كارثة سياسية وإنسانية تورطت فيها المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، وإنما هي لحظة ارتكبت فيها المؤسسة السياسية كارثة متهورة. وعلينا ألا ننسى أن دعم الغزو شمل حزب المحافظين، والغالبية العظمى للصحافة البريطانية. وبهذا المعنى، فإن هذه الذكرى تمثل تذكيراً حياً بالمخاطر الناجمة عن التفكير الجماعي السريع، والنتائج السلبية الناجمة عن حصر الحقائق المعقدة في رواية بسيطة.

أزمات متعددة في العراق

لايزال الناس في العراق الذي يعاني أزمات متعددة، وكذلك المنطقة برمتها، يعيشون نتائج هذه الحرب في حياتهم اليومية. وبالمقارنة يفكر معظمنا بالحرب باعتبارها بعيدة عنا، وعلى أساس أنها مجموعة من الأحداث المتلاشية. وفي الأسبوع الماضي فقط، قال أحد الكتاب في صحيفة فايننشيال تايمز «لم تترك حرب العراق أثراً كبيراً في العالم الغربي»، ولكن ذلك الغزو «لم يؤدِّ إلى زعزعة السياسة»، ولكن حلقة تتسم بالأهمية مثل هذه كانت تنطوي دائماً على آثار عميقة على المملكة المتحدة بسبب الوضع الكارثي المحض للحرب. واتضح سريعاً أن حقيقة مشاركتنا فيها ليس لها أي أساس من الحقيقة، مما أدى إلى أزمة ثقة عموماً لاتزال تتفاقم.

وكان هناك شعور لعدم مشروعية الحرب مبكراً، لهذا في فبراير 2003، عندما وصل نحو مليون شخص في تظاهرة في لندن، يعلنون معارضتهم للحرب التي يزداد احتمال اندلاعها مع مرور الساعات. وعندما تقرأ أي تقرير إخباري يخالجك شعور بأن السياسة والسلطة ابتعدتا كثيراً عن العامة، وتركتا فجوة مضطربة. وثمة اقتباس يمكن ذكره حيث يقول «يبدو أن شيئاً ما بدأ يحدث في هذه الدولة، أخيراً، ونحن ندرك أن ثمة شيئاً خاطئاً يحدث في الدولة، ولم يتم استشارة أحد»، وهذا يعني ببساطة ثمة شعور بأنه تم نسيان الديمقراطية.

سقوط بغداد

وبعد مرور نحو شهر على الغزو سقطت العاصمة العراقية بيد القوات الأميركية، وتم إبلاغ الملايين منا مرة أخرى أننا كنا مخطئين. ولكن أي شخص يتذكر الحرب سيعرف تماماً ما الذي حدث لاحقاً، فقد وقعت أعمال عنف بلا نهاية، وأعداد كبيرة جداً من الوفيات، ناهيك عن أعمال الرعب التي ارتكبتها القوات الأميركية في سجن أبوغريب، والكثير الكثير. وقالت محطة «بي بي سي» بإيجاز «لا يوجد أسلحة نووية في العراق، ولا كيماوية، ولا بيولوجية، وفق ما خلص إليه مفتش الأسلحة الأميركي».

وفي عام 2005 فاز بلير بالانتخابات بدعم أقل من ربع الناخبين. وقالت صحيفة الغارديان «ليس هناك أدنى شك بأن المؤرخين سيذكرون أن هذه الانتخابات هي انتخابات العراق»، وعندما تغلب الحزب الوطني الإسكتلندي على حزب العمال في الانتخابات الإسكتلندية عام 2007 وتعرضت سياسة الدولة للتغيير، تنازل بلير عن السلطة.

الانهيار المالي

وحدث الانهيار المالي بعد عام من ذلك، تلاه إثبات آخر على أن السياسة أصبحت الآن في حالة متطايرة ومضطربة: فقد شهد عام 2010 دعماً متقلباً لحزب الديمقراطيين الليبراليين المعروف بـ«كليغمانيا»، وانتخاب برلمان معلق. وبعدها جاءت سلسلة من التحولات الزلزالية: فقد برز حزب استقلال المملكة المتحدة الرافض للاتحاد الأوروبي، واستفتاء استقلال إسكتلندا في عام 2014، ومن ثم انتخاب القائد العمالي جيرمي كوربين، الذي عرف بمعارضته القوية للحرب في العراق. وكان اليمين يسارع في تحركه نحو الانعزالية وضيق الأفق مما أدى إلى انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي «بريكست» في حين تقبل اليسار الأفكار التي طالما حذر منها بلير. وبغض النظر عن الموضوع السياسي الذي كنت أغطيه خلال هذه الفترة، كنت أسمع الشيء ذاته عند الناخبين: أحكام مريرة بشأن فترة وجود بلير في السلطة، ورفض جميع السياسيين باعتبارهم كاذبين. ولم يكن العراق هو السبب الوحيد وراء ذلك، ولكنها كانت دائماً حاضرة.

السياسة تجارة كاذبة

وتعتبر فكرة السياسة كتجارة كاذبة، فكرة قديمة، ولكن في هذه الحالة لم يكن الناس مخطئين، إذ إن الذكرى التي ستمر في الـ20 من مارس ستكون بمثابة تذكير بحالات الخداع الثلاث المركزية للغاية في سياسة الحرب، والسخط العام الذي تسببت فيه. ولكن ذلك لم يكن واضحاً، إلا أنه في عام 2016 أكدها تقرير تشيلكوت، حيث قال إن بلير ومساعديه قدموا معلومات ضعيفة، وغير مكتملة باعتبارها دليلاً موثوقاً على أسلحة الدمار الشامل العراقية. وأكد للدولة مراراً وتكراراً أنه لم يتم اتخاذ قرار بشأن الذهاب إلى الحرب من عدمه، ولكنه أكد للرئيس الأميركي جورج بوش الابن في يوليو 2002 أنه «سنكون معك، مهما حدث»، مما يشير إلى أنه قرر المشاركة في هذه الحرب منذ أمد بعيد.

موقف فرنسا

ومع قرب حدوث الغزو، كان مجلس الأمن الدولي يناقش خياراته، وقال بلير إن «الموقف الفرنسي يفيد بأن فرنسا ستصوت بالرفض، مهما كانت الظروف» في حين قال الرئيس الفرنسي حينها، جاك شيراك، شيئاً مختلفاً، حيث قال إن مفتشي الأمم المتحدة للأسلحة يريدون منحهم مزيداً من الوقت، وأن العراق لم يتعاون «وربما ستكون الحرب حتمية ولكن ليس اليوم».

وربما تكون هذه الخدع قد تلاشت عن ذاكرتنا، ولكن تأثيراتها تستمر، ولطخ العراق السجل المحلي لبلير ونائبه براون إلى حد كبير، وشكلت نهاية لرؤية حزب العمال الجديد لبريطانيا كدولة شابة، وواثقة بنفسها.

وربما يرى المسؤولون عن الحزبين الرئيسين في البرلمان إن ثمة بعض الراحة في فكرة أنه يمكننا العودة إلى حالة الهدوء، والنظام النسبي، التي كنا عليها قبل 20 عاماً. ولكن لن تكون هناك عودة إلى تلك الحالة، وأن الرعب والجروح السياسية للحرب هي أحد الأسباب الرئيسة لذلك.

جون هاريس كاتب في «الغارديان»

لايزال الناس في العراق الذي يعاني أزمات متعددة، وكذلك المنطقة برمتها، يعيشون نتائج هذه الحرب في حياتهم اليومية.

أي شخص يتذكر الحرب سيعرف تماماً ما الذي حدث لاحقاً، فقد وقعت أعمال عنف بلا نهاية، وأعداد كبيرة جداً من الوفيات، ناهيك عن أعمال الرعب التي ارتكبتها القوات الأميركية في سجن أبوغريب، والكثير الكثير.

الأكثر مشاركة