120 ألف فلسطيني في غزة يعيشون داخل «علب سردين»

في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، إلى الغرب من مدينة غزة، يعيش المواطن أحمد الفتياني (58 عاماً)، وعائلته، البالغ عددها ستة أفراد، داخل منزل مكون من غرفة واحدة وصالة صغيرة فقط، فيما يقاسمه ابنه البكر وأسرته، البالغ عددها خمسة أفراد، الطابق الثاني، المكون أيضاً من غرفة وصالة، من المنزل الصغير الضيق.

الفتياني الذي يعاني أمراضاً مزمنة، ولا يمتلك مصدر دخل ثابتاً يواجه من خلاله تدهور حالته المعيشية، يعيش في بيته هذا منذ 38 عاماً، والذي يضيق به وبأفراد أسرته مع تتابع سنوات العمر، حتى باتت أمنيته إضافة غرفة واحدة إلى منزله، ليتحرر من «علبة السردين» التي يعيش بداخلها، على حد وصفه، خلال حديثه مع «الإمارات اليوم».

ويجاور منزل الفتياني بيوت صغيرة متلاصقة، في منطقة «التموين»، داخل أزقة المخيم الضيقة، الأمر الذي يحول دون توافر نوافذ كثيرة العدد وكبيرة الحجم، تسمح بوصول أشعة الشمس والهواء لأفراد عائلته، وأسرة ولده، أما باب البيت فهو من الحديد المتآكل، الذي لا يقف مانعاً أمام تسرب الجرذان والحشرات إلى أركان مأواه الوحيد.

منازل غير محمية

ما يشكو منه الفتياني، ينطبق على 120 ألف فلسطيني داخل حدود غزة، يعيشون في منازل غير آمنة، بلا أسقف أو أبواب أو نوافذ، بحسب المجلس النرويجي للاجئين، ويعيشون داخل مساحة قدرها 360 كيلومتراً مربعاً، وهي منطقة شديدة الاكتظاظ، نظراً لعدد سكانها البالغ مليونين ونصف المليون فلسطيني.

ووفقاً لمعطيات بيان تفصيلي، أصدره المجلس النرويجي حول واقع المنازل غير المحمية في غزة، فإن نحو 2000 منزل مازالت مدمرة، بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة على مدار السنوات الماضية.

ويؤكد مدير منطقة غزة في المجلس النرويجي للاجئين، حذيفة اليازجي، أن مواد البناء متوافرة بصعوبة في السوق المحلية، ولا يمتلك معظم السكان تكاليف الإصلاحات الضرورية في منازلهم، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

بؤس دائم

مخيم الشاطئ الذي يعد ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، يسكنه ما يزيد على 85 ألف لاجئ، فيما يقضي الغالبية العظمى من سكانه حياتهم اليومية على النسق ذاته الذي أدلى به المجلس النرويجي، داخل أكثر المخيمات اكتظاظاً سكانياً، ما يفقدهم العيش الآمن الكريم.

المواطن محمد أبوعرب (61 عاماً)، الذي يسكن على مقربة من الشارع الرئيس لشاطئ البحر، يعيش وأفراد عائلته، البالغ عددها تسعة أفراد، داخل منزل يعلوه القرميد القديم المتآكل، أما نوافذه الخشبية المتهالكة فلم تعد قادرة على أن تقيه برد الشتاء وأمطاره، وكذلك حرارة الصيف المرتفعة.

ولا يمتلك أبوعرب ثمن سقف ونوافذ جديدة، الأمر الذي يدفع به إلى تركيب النايلون، كبديل لنوافذ الخشب العتيقة، التي مر عليها 20 عاماً من الزمن، على حد قوله.

ويقول أبوعرب لـ«الإمارات اليوم»، بصوت غاضب «إنني بالكاد أوفر الطعام والشراب لأسرتي، وكذلك الدواء لوالدتي المريضة، وبالتالي يعد امتلاك ثمن نوافذ الخشب الجديدة، أو الألمنيوم والزجاج، أمراً غاية في الصعوبة، وحتى النايلون البديل، فإن ثمنه البالغ قدره 70 شيكلا يكفي لتأمين لقمة عيش أسرتي على مدار أسبوع كامل، والذي لا أمتلكه إلا بشق الأنفس، حيث أقضي نهاراً كاملاً أعمل في مجال البناء».

ويمضي اللاجئ الفلسطيني بالقول «إن عملي غير منتظم، نظراً لأزمة مواد البناء في غزة المحاصرة، لأحصل في نهاية المطاف على 20 شيكلا فقط، مقابل العمل على مدار 12 ساعة متواصلة، وأكثر، في معظم الأحيان».

حياة أكثر صعوبة

إلى الشمال من قطاع غزة، يقع مخيم جباليا للاجئين أكبر مخيمات اللجوء الغزية، يسكنه أكثر من 114 ألف لاجئ، داخل مساحة قدرها 1.4 كيلومتر مربع.

وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن الحصار الإسرائيلي على غزة جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لجميع اللاجئين في مخيم جباليا تقريباً، إذ ارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير بين أفراد سكانه، فيما يستطيع القليل من العائلات إعالة أنفسهم.

وتشير «أونروا» على موقعها الرسمي إلى أن نسبة كبيرة من سكان مخيم جباليا، ممن كانوا قادرين على إعالة أنفسهم، أصبحوا يعتمدون على المساعدات الغذائية والنقدية التي تقدمها للاجئين، لتغطية احتياجات الغذاء الأساسية، في مختلف مخيمات ومناطق غزة، التي تعاني حالة بؤس دائمة، دون انقطاع.

ويعاني مخيم جباليا، كبقية مخيمات اللجوء في غزة، أزمة انقطاع التيار الكهربائي، والكثافة السكانية المرتفعة، التي تجبر السكان على البناء غير المنظم، إلى جانب تلوث 90% من مصادر المياه، ما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري، وذلك بحسب «أونروا».

وفقاً لمعطيات بيان تفصيلي أصدره المجلس النرويجي حول واقع المنازل غير المحمية في غزة، فإن نحو 2000 منزل مازالت مدمرة، بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة على مدار السنوات الماضية.

محمد أبوعرب:

«إنني بالكاد أوفر الطعام والشراب لأسرتي، وكذلك الدواء لوالدتي المريضة، وبالتالي يعد امتلاك ثمن نوافذ الخشب الجديدة غاية في الصعوبة».

الأكثر مشاركة