العراق.. استمرار  العنف وفشل في السياسة 

يعيش العراق منذ عام كامل أزمة سياسية خانقة، على خلفية نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر 2021، وأظهرت تقدم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بـ73 مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان العراقي البالغ 329 مقعداً.

وتوجه ملايين العراقيين، في العاشر من أكتوبر من العام الماضي، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات برلمانية هي الخامسة منذ الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، عام 2003 لانتخاب برلمان عراقي جديد بعد حركة احتجاجات شعبية عاصفة أطاحت برئيس الحكومة العراقية السابق عادل عبد المهدي، حيث بلغت نسبة المشاركة 44% من أصل إجمالي عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت، البالغ نحو 25 مليون ناخب، حسب إحصائية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق.

احتجاج منذ البداية

ومنذ الإعلان الأولي لنتائج الانتخابات البرلمانية، عارضت قوى الإطار التنسيقي الشيعي، التي خسرت غالبية مقاعدها في هذه الانتخابات، هذه النتائج، ودعت جماهيرها إلى اعتصامات شعبية عند بوابات المنطقة الخضراء الحكومية استمرت لغاية 30 نوفمبر من العام نفسه، بعد أن استجابت المفوضية العليا لطلبات قوى الإطار التنسيقي بإعادة عمليات العد والفرز يدوياً، وهو ما تم بالفعل وأظهر تطابقاً في النتائج التي أبقت التيار الصدري في المقدمة.

وقاد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بنفسه جولات مفاوضات شملت جميع الكتل الفائزة بالانتخابات لتشكيل حكومة أغلبية وطنية تضم كبار الفائزين مع عدد محدود من نواب كتل الإطار التنسيقي الشيعي، التي توجت فيما بعد بتشكيل كتلة برلمانية كبيرة من التيار الصدري، وتيار سني بزعامة محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني.

وشكّل «الإطار التنسيقي الشيعي» تياراً مضاداً لفكرة تشكيل حكومة أغلبية وطنية، ضمت حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ونواباً من السنة ومستقلين مؤيدين لمطالب تشكيل حكومة توافق وطني تسير على نهج الحكومات التي تشكلت في العراق بعد الدورات الانتخابية منذ عام 2005.

الثلث المعطل

وعمل هذا التحالف الذي أُطلق عليه (الثلث المعطل) على عدم السماح للبرلمان العراقي بعقد جلساته لاستكمال تشكيل العملية السياسية في البلاد، ما دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في 12 يونيو 2022 إلى استقالة جميع نوابه من البرلمان العراقي، ما فتح الأبواب أمام كتل الإطار التنسيقي الشيعي للهيمنة على مقاعد التيار الصدري، وتصدرهم كتل البرلمان بـ130 نائباً، وأصبحوا فيما بعد الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، ما فتح الأبواب للانفراد بتسمية المرشح لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

وغاب المستقلون، الذين حققوا أكثر من 40 مقعداً في البرلمان العراقي، عن المشهد، ولم يشكلوا أية قوة أو أي تأثير واضح في المشهد السياسي، بل أصبحوا جزءاً من الأزمة بسبب تشتت أفكارهم وعدم توحيد مواقفهم تجاه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وبالتالي ضياع دورهم في ظل اشتداد حالة الانسداد السياسي.

وقاد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، منتصف العام الجاري، أوسع تظاهرات شعبية في العراق تمثلت بالتجمعات الجماهيرية وأداء صلوات الجمعة الموحدة التي توجت فيما بعد بعملية اقتحام جماهير التيار الصدري للمنطقة الخضراء الحكومية والسيطرة على مبنى البرلمان العراقي أواخر شهر يوليو الماضي، بعد أن أعلن الإطار التنسيقي الشيعي تسمية محمد شياع السوداني مرشحاً لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

وبلغت اعتصامات أتباع الصدر ذروتها، بعد أن اندلعت معارك بين القوات المسلحة العراقية وأتباع الصدر إثر قيامهم باقتحام المقر الحكومي الذي يضم مكاتب رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في 29 يوليو الماضي استمرت ليومين، وأوقعت المئات بين قتيل وجريح.

ولم تتوقف المعارك المسلحة إلا بعد أن طلب الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، من أنصاره الانسحاب خلال 60 دقيقة وإنهاء حالة الاعتصام والقتال داخل المنطقة الخضراء، وهو ما تحقق بالفعل.

وأجبرت حالة القتال بين القوات الأمنية وأتباع التيار الصدري، القوى السياسية على الدخول في حوارات وطنية لحلحلة الأزمة ومعالجة الانسداد السياسي، لكنها لم تتكلل بالنجاح بسبب مقاطعة التيار الصدري حضور هذه الجلسات.

وتلوح في الأفق حالياً دعوات حكومية وسياسية لعقد جلسة حوار وطني ثالثة حاسمة برعاية الحكومة العراقية للوصول إلى تفاهمات ومعالجة الانسداد لاستكمال تشكيل العملية الإنتخابية.

وقال الرئيس العراقي، برهم صالح، خلال احتفالية لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف: «مرّ عام كامل على إجراءِ الانتخابات من دون إِكمال استحقاقاتها الدستورية، وهو أمر غير مقبول بالمرة». وأضاف: «لم يعد مقبولاً استمرار الوضع القائم، حيث تواجِه منظومة الحكم أزمات خطيرة، وتشكيل الحكومات بات يطولُ أكثر، وبنودٌ دستوريةٌ تُعطَّل أكثر، وسوءٌ في أحوال المعيشة والخدمات أكثر، ولا يمكن المراهنة على صبر العراقيين أكثر».

فشل الجميع

وبعد مرور عام على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق فشل الجميع في إتمام العملية السياسية، ونجح الجميع في جر البلاد إلى العنف والاقتتال وتعريض السلم الأهلي للخطر جراء تمسك كل طرف بقراره.

ولم تتفق القوى الكردية على تسمية مرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية، فيما يقف التيار الصدري بالضد من مساعي الإطار التنسيقي الشيعي لتشكيل الحكومة، ويطالب بأن تكون الحكومة العراقية الجديدة حكومة يشكلها المستقلون تمهد لإجراء انتخابات مبكرة في غضون عام ونصف العام، وهو ما يرفضه الإطار التنسيقي الذي يطالب بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات بزعامة مرشحه محمد شياع السوداني.

وحذر رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، من «أننا نعيش زمناً تلاشت فيه القيم والأخلاق في عالمِ السياسة، وغُلّبت لغةُ الاتهام والتخوين، على لغة التهدئة والحوارِ وصولاً إلى الحل».

وقال الكاظمي: «علينا التمسّك بالحوار ولا شيءَ غيرَه، فهو سبيلُنا الوحيد لحلّ الأزمة، وإلا فالنار ستحرق الجميع، وأن مصالح العراقيين هي الغايات التي يجب أن تكونَ أمامَنا جميعاً، والهدف الذي يجب أن يتقدمَ الجميع إلى طاولة الحوارِ الوطني».

دائرة مُفرغة

ورغم أن الفترة من إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة وحتى الآن رافقتها عشرات المبادرات والاجتماعات من جميع الأطراف، إلا أن الموقف السياسي لايزال يدور في دائرة مفرغة، ما يعكس حالة عدم الانسجام السياسي، ما يفسح المجال لدخول البلاد في منعطف خطير قد يمهد لاستمرار خروج العراقيين في تظاهرات شعبية ترهق كاهل الحكومة والقوات الأمنية التي تحملت بمشقة أعباء الخلافات السياسية وحالة التناحر بين جميع الأطراف.

وألمح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إمكانية مشاركة تياره في جلسة الحوار الوطني المقبلة إذا عقدت. وقال: «علينا إبعاد كل المشاركين في العملية السياسية والانتخابية السابقة، ومحاسبة الفاسدين تحت غطاء قضاء نزيه وبمساعدة الأمم المتحدة».

ويترقب العراقيون، هذه الأيام، خروج تظاهرتين شعبيتين، الأولى لقوى تشرين في الخامس والعشرين من الشهر الجاري في ساحة التحرير وسط بغداد، لتأكيد مطالبهم برفض العملية السياسية الحالية، والدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

وتستعد جماهير «الإطار التنسيقي الشيعي»، صاحب الأغلبية الشيعية في البرلمان، للخروج في تظاهرات شعبية لم يحدد موعدها للمطالبة بالاسراع في تشكيل حكومة عراقية جديدة كاملة الصلاحيات بزعامة محمد شياع السوداني.

وتواصل القوات العراقية عمليات إغلاق عدد من الجسور ببغداد كلما اقتضت الضرورة، وجهزت عدداً من الشوارع والساحات بمئات الكتل الأسمنتية تمهيداً لاستخدامها في حال انطلقت تظاهرات شعبية، فيما ترابط قوات من الجيش والشرطة في نقاط تفتيش تحسباً لأي طارئ.

 المرجعيات

ابتعدت المرجعية الدينية العليا في العراق، بزعامة المرجع الأعلى علي السيستاني، عن المشهد السياسي منذ أكثر من عام ولم تزجّ بنفسها في معترك الخلافات السياسية في البلاد على خلفية الانتخابات المبكرة.

وكانت المرجعية طرحت خارطة طريق واضحة المعالم منذ انطلاق التظاهرات الاحتجاحية في العراق في أكتوبر عام 2019 وما تلاها لدعم مطالب المتظاهرين، وإجراء إنتخابات برلمانية مبكرة، وتشكيل حكومة تستجيب لمطالب المتظاهرين.

غاب المستقلون، الذين حققوا أكثر من 40 مقعداً في البرلمان العراقي، عن المشهد ولم يشكلوا أية قوة أو أي تأثير واضح في المشهد السياسي، بل أصبحوا جزءاً من الأزمة بسبب تشتت أفكارهم، وعدم توحيد مواقفهم تجاه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وبالتالي ضياع دورهم في ظل اشتداد حالة الانسداد السياسي.

الأكثر مشاركة