الاحتلال هجّرها وأبعد زوجها وأسر أولادها وقتل اثنين من أحفادها

«نظمية مزهر».. رحيل مسنة فلسطينية يخشاها «الشاباك» الإسرائيلي

صورة

يوم الإثنين الموافق الخامس عشر من شهر أغسطس الجاري، كان مخيم الدهيشة للاجئين، إلى الجنوب الشرقي من محافظة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، على موعد مع الحزن والفراق، إذ ودّع سكانه أيقونة الصبر والنضال في المخيم، الحاجة الفلسطينية نظمية عبدالفتاح مزهر .

وعلى مدار ثمانية عقود ونيف، واجهت المُسنة الفلسطينية (أم خالد) عواصف جمة من مآسي الحرمان والفراق، فزوجها أبعده الاحتلال إلى الأردن منذ عشرات السنين، وأبناؤها الخمسة أسرى خلف قضبان السجان، إلى جانب مقتل اثنين من أحفادها على أيدي القوات الإسرائيلية .

ورحلت الحاجة نظمية إلى جوار الخالق عن عمر يناهز (86) عاماً، قضت جلّهم بين التهجير من قريتها الأصلية (خُلْدَة) قضاء مدينة الرملة المحتلة، غرب مدينة القدس الشريف، في أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، ومقاومة المحتل الذي قتل أحفادها، واعتقل أولادها، وحرمها وإياهم من والدهم، الذي وافته المنية قبل رحيلها عن الحياة الدنيا، إلى جانب شهرتها بالذود عن مخيم الدهيشة وسكانه أمام بطش الاحتلال .

مشاهد التهجير والإبعاد

انتقلت «الإمارات اليوم» إلى مخيم الدهيشة للاجئين، لتوثيق محطات حياة الحاجة الراحلة (أم خالد)، حيث أقيم بيت العزاء لها في القاعة المخصصة لأسر الشهداء، بعد أن أقيمت صلاة جنازتها في مسجد الدهيشة الكبير، ودفن جثمانها الطاهر في مقبرة «العبيات» داخل المخيم .

ويسرد أحد أقرباء الحاجة نظمية، معتز مزهر، الذي يقطن هو الآخر بين أزقة مخيم اللجوء والتهجير، ففي السادس من شهر أبريل عام 1948، بدأت حكاية (أم خالد)، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك (12) عاماً، مع اللجوء والحرمان، حيث احتلت القوات الإسرائيلية قريتها (خُلْدَة)، لتدمرها عن بكرة أبيها بعد أسبوعين من المعارك التي كانت تدور حول القرية المهجرة، وهنا اضطرت عائلة الحاجة نظمية قسراً للتهجير، أمام شلال القتل والتدمير .

وفي مخيم الدهيشة حطت عائلة مزهر رحالها، لتكمل بداخله حياتها، وفي عام 1963 تزوجت من ابن عمها حلمي خليل مزهر، وعاشا حياة اللجوء بين الأزقة والخيام .

وأنجبت الراحلة نظمية مزهر كلاً من، خالد، وعبدالحكيم، وعبدالحميد، وهدى، تيمناً بأسماء أبناء الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ورزقت بثائر، في دلالة إلى الثورة الفلسطينية، ومن ثم ياسر، الذي سمّي على اسم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) .

وفي عام 1969 اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي (أبوخالد) لمدة عامين، ومن ثم أبعدته إلى الأُردن، التي قضى داخلها مُبعداً في المنفى عقدين وثلاثة أعوام من الزمن، إذ عاد إلى أرض الوطن فلسطين، وتحديداً مخيم الدهيشة، مع عودة طلائع الثورة الفلسطينية، بعد اتفاق أُوسلو في عام 1994، وذلك بحسب مزهر .

بين السجون والمنفى

معاناة (أم خالد) ازدادت حدتها قسوة عندما أُسر أبناؤها الخمسة على التوالي، فمنهم من قضى أحكاماً طويلة بالسجن الفعلي، ومنهم من فُرضت عليه سياسة الاعتقال الإداري (السجن دون محاكمة)، لتقضي أيام عمرها متنقلة بين سجون الاحتلال لزيارة فلذات كبدها خلف قضبان السجون الإسرائيلية .

ويشير ابن عائلة الحاجة نظمية إلى أنها عقب الانتهاء من زيارة أولادها الأسرى، تذهب مباشرة للقاء زوجها في منفاه داخل المملكة الأردنية الهاشمية، لتخبره عن أوضاع أبنائها .

ويواصل مزهر حديثه: «عند انتهاء كل زيارة لزوجها في الأردن، كانت تحتجز الحاجة المرحومة (أم خالد) من قبل قوات الاحتلال، بعد تخطيها الجسر الفاصل بين الضفة الغربية والأراضي الأردنية، لتخضع لتحقيق طويل وقاسٍ حول ما شاهدته في المنفى، أو ما حملته من رسائل من زوجها» .

نضال المرأة الصابرة

في عام 2019 كانت المسنة (أم خالد) على موعد مع وجع الرحيل، حيث رحل زوجها حلمي مزهر إلى جوار ربه، والتي حُرمت منه لسنوات طويلة، ليستقر الحزن بقلبها إلى ما لا نهاية .

لم يتوقف مسلسل الرحيل المفجع في حياة الراحلة نظمية عند هذا الحد، وفقاً لحديث مزهر، فقد ودعت في العام ذاته اثنين من أحفادها شهيدين، واللذين تعرضا للقتل والاغتيال من قبل القوات الإسرائيلية، فقد استشهد حفيدها الأول (أركان) من نجلها (ثائر) عن عمر يناهز (15) عاماً، أثناء اقتحام جنود الاحتلال مخيم الدهيشة، وبعد نحو ثمانية أشهر استشهد حفيدها الثاني (ساجد) من ابنها (عبدالحكيم)، والذي كان يبلغ من العمر (17) عاماً .

ويقول قريب الحاجة (أم خالد): «على الرغم من الآلام التي لم تفارق قلبها، كانت الحاجة نظمية تتقدم صفوف المواجهة الشعبية في (الدهيشة) منذ سنوات وعقود زمنية عدة، فكانت واحدة من أبرز النساء اللواتي يساندن الأشبال، والشباب، والرجال، عندما كانوا يتعرضون للاعتداء أو الاعتقال من قبل قوات جيش الاحتلال، فتسرع إلى الشارع لتواجه الجنود، وتحرر أبناء المخيم من قبضتهم» .

ويلفت إلى أنه على إثر تضحيات المُسنة (أم خالد) الجمة، ومأساتها الصعبة، إلا أنها تعرضت للضرب المبرح والاعتقال والاستجواب مرات كثيرة من قبل جنود جيش الاحتلال، وضباط جهازَي المخابرات والأمن الداخلي العام (الشاباك) الإسرائيليين .

كما عُرفت المُسنة (أم خالد) بخشية الاحتلال لها، خصوصاً جهازه الأمني (الشاباك)، فقد كان يصرح أحد ضباطه جهراً بأنه «يخشى عند اقتحام مخيم الدهيشة من ثلاث نساء، على رأسهن الحاجة نظمية مزهر»، ومن نساء «الدهيشة» المناضلات أيضاً السيدتان الراحلتان عائشة عبيد، وفاطمة الجعفري.

• تعرضت «أم خالد» للضرب المبرح والاعتقال والاستجواب مرات كثيرة من قبل جنود جيش الاحتلال.

• في عام 2019 كانت المسنّة «أم خالد» على موعد مع وجع الرحيل، حيث رحل زوجها حلمي مزهر، وقد حُرمت منه لسنوات طويلة. ولم يتوقف مسلسل الرحيل المفجع في حياة الراحلة نظمية، فقد ودّعت في العام ذاته اثنين من أحفادها، اللذين تعرّضا للقتل والاغتيال على يد القوات الإسرائيلية.

• معاناة «أم خالد» ازدادت حدتها قسوة عندما أُسر أبناؤها الخمسة على التوالي، فمنهم من قضى أحكاماً طويلة بالسجن الفعلي، ومنهم من فُرضت عليه سياسة الاعتقال الإداري (السجن دون محاكمة).

تويتر