الكتلة الصدرية تنوي تشكيل حكومة أغلبية وطنية في العراق

في جلسة برلمانية دراماتيكية في التاسع من يناير الجاري، أعاد البرلمان العراقي انتخاب محمد الحلبوسي لفترة أخرى رئيساً للبرلمان. وعلى الرغم من أن هذا التصويت أدى إلى زيادة الانقسام الداخلي بين الشيعة، لكنه كشف عن قدرة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، على تغيير الديناميكة السياسية في العراق. وحضر الجلسة كل من الكتلة الصدرية، وحركة التقدم السنية، وتحالف عزم، والحزب الديمقراطي الكردستاني، إضافة إلى مجموعات صغيرة أخرى، وصوتوا لمصلحة الحلبوسي ونائبيه.

ترتيبات لتقاسم السلطة بعد 2003

ووفق الدستور العراقي، فإن البرلمان لديه مهلة 30 يوماً من تاريخ أول جلسة لانتخاب الرئيس الجديد للعراق، الذي سيطلب من أكبر كتلة في البرلمان تشكيل الحكومة. وحتى الآن لا يوجد اتفاق بين الكتل الأساسية السياسية في العراق، وركز النظام السياسي الذي جاء في أعقاب 2003 في العراق على الترتيبات غير الرسمية لتقاسم السلطة بين الشيعة العرب، والسنة العرب، والأكراد. وبموجب هذا النظام، فإن منصب رئيس الحكومة مخصص للشيعة، ومنصب رئيس البرلمان للسنة، في حين أن منصب رئيس الدولة للأكراد.

التمثيل الشيعي منقسم إلى كتلتين

ويمكن اعتبار انتخاب الحلبوسي نصراً للكتلة الصدرية على كتلة «الإطار والتنسيق» المتحالفة مع إيران. ويبدو في هذه الأيام التمثيل السياسي للشيعة العراقيين منقسماً إلى كتلتين كبيرتين، الأولى هي الكتلة الصدرية التي يقودها مقتدى الصدر، وهو أحد أشهر القادة الذين ظهروا في مرحلة ما بعد 2003. أما الكتلة الشيعية الأخرى فهي «الإطار التنسيقي»، وهي ائتلاف فضفاض، يتشكل معظمه من الأحزاب الشيعية التي تتضمن اثنين من رؤساء الحكومات السابقين، وشخصيات شيعية سياسية متنفذة.

الكتلة الصدرية

حصلت الكتلة الصدرية على نحو 40% من المقاعد التي فاز بها الشيعة في انتخابات أكتوبر 2021. وبالنظر إلى الطبيعة المعقدة لائتلاف الإطار التنسيقي، لايزال من غير الواضح عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها في البرلمان، ولكن على الأغلب فإنهم يمكن أن يحصلوا على نحو 70 مقعداً.

وباعتبارها أضخم حزب في البرلمان، أعادت الحركة الصدرية التصويت على الحلبوسي، في حين قاطعته كتلة الإطار التنسيقي، وظهر انقسام مشابه بين الأكراد أيضاً. وحضر الحزب الديمقراطي الكردي الذي يقوده موسى البرزاني التصويت، في حين انضم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الإطار التنسيقي في مقاطعة التصويت.

حكومة أغلبية أو توافقية

ووصف الصدر التصويت باعتباره خطوة مهمة نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية. ومنذ انتخابات أكتوبر 2021، كانت الحركة الصدرية أمام خيارين، محاولة تشكيل حكومة أغلبية وطنية في ائتلاف مع أحزاب غير شيعية، أو إيجاد تفاهم مع أحزاب المعارضة السياسية العراقية. واقترحت أحزاب الإطار التنسيقي خياراً واحداً فقط، تمثل في تشكيل حكومة توافقية، ولكن الصدر كان يرى أن تشكيل حكومة أغلبية يعني الوصول إلى الفائزين الرئيسين في الانتخابات من السنة والأكراد، واستثناء القوى السياسية الأخرى في الطيف السياسي. وبالطبع يمكن لحكومة الأغلبية أن تكون مسؤولة وفعالة في ما يتعلق بالمهمات، والتوقعات، والمسؤوليات الواضحة، ولكن هذه الفكرة ترفضها كتلة الإطار التنسيقي، وكل حزب كبير، باستثناء الحركة الصدرية.

ويبدو الصدر جاداً في تشكيل حكومة أغلبية، والتي ستمثل تحدياً للوضع الراهن في العراق ما بعد 2003. وفي الوقت ذاته، فهو يدرك أنه لا يملك الدعم المضمون من الأحزاب الأخرى. وعلى الرغم من أن السنة والحزب الوطني الكردستاني انضموا إلى الحركة الصدرية في انتخابات رئيس البرلمان، إلا أن موضوع انتخاب الرئيس ورئيس الحكومة مسألة أكثر تعقيداً. وستعتمد أي حكومة أغلبية صدرية وطنية على دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والتحالف الجديد الذي يعرف بـ«تقدم وعزم»، وهما الفائزان السياسيان الرئيسان من بين الأكراد والسنة. ويستطيع الصدر تشكيل حكومة جديدة، بالاتفاق مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. من ناحية أخرى، يمكن أن يشكل الصدر حكومة أغلبية وطنية عن طريق شق كتلة الإطار التنسيقي، والحصول على دعم تحالفات شيعية، مثل «السلطة الوطنية»، و«ائتلاف الدولة» و«تحالف الفتح».

3 تحديات أمام الصدر

وسيواجه الصدر ثلاثة تحديات أساسية في أي محاولة لتشكيل تحالف مع الأكراد والسنة. الأول، على الرغم من أن التفاهم بين الصدر والأكراد والحلبوسي موجود قبل الانتخاب، إلا أن الحزب الوطني الكردستاني والأحزاب السنية ترفض حتى الآن فكرة تشكيل تحالف مع كتلة شيعية واحدة. وثانياً، فقد حاول رئيس الحكومة العراقي السابق، نوري المالكي، قائد كتلة الإطار التنسيقي، تشكيل تحالفات جديدة، في محاولة لزيادة مقاعد الإطار التنسيقي. وأدى ذلك إلى تشكيل توازن بعدد المقاعد بين كتلتين سنيتين، الأمر الذي عقّد الأمور على الحلبوسي، الذي يطرح نفسه كزعيم أو ممثل للسنة في العراق. وثالثاً، إذا تمكن الصدر من الحصول على دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحلبوسي، فإن المكون الصدري الشيعي في الائتلاف الحكومي لن يشكل الأغلبية، الأمر الذي يجعلها أول حكومة لا يسيطر عليها الشيعة، في فترة ما بعد 2003، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب نيل دعم الوسط الشيعي.

قوة معارضة

وعلى الأرجح، فإن هذه التحديات ستدفع الصدر إلى مد اليد إلى القوى الشيعية، ضمن الإطار التنسيقي، لتشكيل حكومة توافق بقيادة الكتلة الصدرية. وربما تنظر الكتلة الصدرية إلى إيجاد تفاهم مع المعارضة، وهذا الخيار الأخير ربما يروق للصدر الذي قدم نفسه دائماً باعتباره متمرداً، ويريد إخضاع حكومة بغداد للمحاسبة. وربما ينظر أنصار الصدر، الذين لا يناقشون أياً من خياراته، إليه باعتباره القائد الذي ضحى بالسلطة السياسية من أجل مصلحة بلده، وهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الصدر بمغادرة الحكومة وينضم إلى المعارضة، ولكن الأمر المختلف في هذه الأيام أن الصدريين يسيطرون على نحو 70 مقعداً في البرلمان، ويمكن أن ينالوا دعم المجموعات الصغيرة لتشكيل كتلة معارضة ضخمة، وإذا قرر الصدر تنفيذ هذه الفكرة، فإنه سيشكل أهم قوة معارضة في النظام السياسي العراقي فيما بعد 2003.

ولكن ثمة عوائق لتشكيل ائتلاف معارض، وإذا شكل الصدر هذا الائتلاف المعارض، سيكون ذلك بسبب منعه من تشكيل حكومة أغلبية. وبالنظر إلى المنافسة الشخصية بين المالكي والصدر، فستنطوي هذه النتيجة على آثار كبيرة تتعلق بصورة الصدر وصدقيته.

والحقيقة فإن فقدان القدرة على تعيين آلاف المناصب العليا والخاصة في الحكومة العراقية سيجعل الصدر يتردد في تشكيل ائتلاف معارض، ويمكن عند السيطرة على هذه التعيينات السماح للسياسيين توجيه السياسة الوطنية، وتطوير مصالحهم السياسية، والعرقية -الطائفية، والاقتصادية، ولكن إذا كان الصدر في موقع المعارضة، سيحرمه ذلك من هذه الفرصة.

وإذا لم يكن الصدر موجوداً في الحكومة المقبلة، فستسيطر كتلة الإطار التنسيقي والميليشيات المتحالفة معها على العراق، ما يسمح للميليشيات بمواصلة العمل دون ضغط من الحكومة، ولن تتم مصادرة الأسلحة الموجودة لدى جهات عدة بصورة غير شرعية، التي ينوي الصدر مصادرتها، وسيصاب أنصار الصدر الدوليون بخيبة أمل.

 • فقدان القدرة على تعيين آلاف المناصب العليا والخاصة في الحكومة العراقية سيجعل الصدر يتردد في تشكيل ائتلاف معارض.

• إذا لم يكن الصدر موجوداً في الحكومة المقبلة، فستسيطر كتلة الإطار التنسيقي والميليشيات المتحالفة معها على العراق، ما سيسمح للميليشيات بمواصلة العمل خارج قوات الأمن العراقية دون مواجهة الضغط من الحكومة.

كاماران بالاني ■ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة صلاح الدين بأربيل

الأكثر مشاركة