5 سنوات من المعاناة منذ تصويت البريطانيين لمصلحة الـ«بريكست»

مرت خمس سنوات على تصويت البريطانيين لمصلحة خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، في يونيو 2016، ونحو 200 يوم على تنفيذ هذا القرار الذي يبدو على السطح أنه مفيد لبريطانيا.

فالاقتصاد البريطاني سينمو بمعدل 6.4% خلال العام الجاري، ليكون ثاني أعلى معدل نمو بين مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، ثم ينمو في العام المقبل بمعدل 5.4% ليكون الأعلى بين دول المجموعة، التي تتكون من الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا، وإيطاليا وألمانيا، وكندا واليابان، وروسيا، بحسب متوسط توقعات 60 محللاً اقتصادياً استطلعت وكالة بلومبيرغ للأنباء رأيهم.

وبحسب بيانات بلومبيرغ أيضاً، فإن قيمة الأموال - التي تدفقت للاستثمار في الأوراق المالية البريطانية، عبر «آي شيرز كور إف.تي.إس.إي 100 يو.سي.آي.تي.إس إي.تي.إف»، وهو أكبر صندوق استثمار قابل للتداول في البورصة ببريطانيا - ارتفعت بنسبة 126% منذ 2016، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة على الإطلاق.

وفي ديسمبر الماضي، وبعد توقيع الاتفاق النهائي للخروج من الاتحاد الأوروبي، قال رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، إن «هذا البلد سيزدهر بقوة».

تناقض

لكن رؤية جونسون الوردية، وكل التدفقات النقدية لصناديق الاستثمار البريطانية، تتناقضان مع تدهور إنتاجية الاقتصاد البريطاني، وتراجع التجارة الخارجية، وغياب أي مؤشرات إلى إمكانية تعافي الجنيه الإسترليني بما يكفي لتعويض التدهور الكبير في قيمته، بعد أن أصبح الأسوأ أداء بين العملات الـ10 الرئيسة في العالم، منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا في 23 يونيو 2016.

ويرى الرئيس الفخري لوكالة بلومبيرغ للأنباء، الكاتب الأميركي، ماثيو وينكلر، أنه مهما كانت القوة التي يمكن أن تجمعها بريطانيا، حتى نهاية العام المقبل، فتكون مؤقتة لأن الاقتصاد مازال تحت تأثير قوته السابقة في قرار الخروج من الاتحاد.

في الساعة الأولى بعد إغلاق صناديق الاقتراع بالاستفتاء البريطاني، يوم الخميس قبل الأخير من يونيو 2016، ارتفع الجنيه الإسترليني إلى 1.50 دولار مقابل 1.48 دولار في اليوم السابق، في ظل تكهنات بأن أغلبية البريطانيين ستستجيب لرأي رؤساء الوزراء البريطانيين ووزراء المالية ورؤساء الدول، وكبار رجال الأعمال والاقتصاد في بريطانيا وخارجها، من أجل التصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي.

كانت الأسواق تتوقع بقاء بريطانيا داخل الاتحاد، لأن هذه كانت النتيجة الأفضل لها، وبمجرد حصول خيار الخروج على أغلبية الأصوات، تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 8.05% ليصل إلى 1.3229 دولار، وهو أقل مستوى له منذ 31 عاماً في ذلك الوقت.

وجاء تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار في أعقاب الاستفتاء، لتصبح العملة البريطانية بمثابة الرجل المريض بين العملات الرئيسة، كما تعثرت علاقات بريطانيا، التي اعتادت تاريخياً القيام بدور تجاري عالمي مع شركائها التجاريين الأساسيين، بعد الخروج من الاتحاد. ومنذ 2018 تراجع حجم التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بنسبة 21% إلى 38.7 مليار دولار، وهو أقل مستوى له منذ 11 عاماً، في المقابل زادت حركة التجارة لكل من إيرلندا والدنمارك مع الاتحاد الأوروبي، بنسبة 24% و5% على الترتيب، كما تراجعت تجارة بريطانيا مع دول العالم بنسبة 14% منذ 2018.

تراجع

وظلت بريطانيا في أغلب سنوات العقدين الأولين من القرن الـ21، في مقدمة دول مجموعة الثماني من حيث النمو الاقتصادي، حيث كانت الدولة رقم واحد في 2014، ثم رقم (2) عامَي 2015 و2016، وبعد الاستفتاء تراجع ترتيب بريطانيا إلى المركز السادس عامَي 2017 و2018، ثم المركز الخامس في 2019، ومن الممكن أن يكون المركز أسوأ في 2020.

وحتى في ظل توقعات بتغير الوضع، خلال العامين الحالي والمقبل، لتحتل بريطانيا المركز الثاني بين دول مجموعة الثماني من حيث معدل النمو خلال العام الجاري، ثم المركز الأول خلال العام المقبل، فمن المنتظر أن تتراجع إلى المركز قبل الأخير في 2023 بمعدل نمو يبلغ 1.3% متقدمة فقط على اليابان، المنتظر نمو اقتصادها بمعدل 1.2% خلال 2023، بحسب توقعات المحللين الذين استطلعت وكالة بلومبيرغ للأنباء رأيهم.

وفي أول تصريح علني له منذ استكمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بنهاية العام الماضي، قال محافظ بنك إنجلترا المركزي، أندرو بيلي، أمام مجلس العموم (النواب) البريطاني، في يناير الماضي، إن إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا سيكون خلال السنوات المقبلة أقل بنحو أربع نقاط مئوية من حجمه المفترض لو لم تخرج بريطانيا من الاتحاد.

وسجل أداء أسهم شركات العقارات في البورصة البريطانية، التي عادة ما تكون في المقدمة بين 16 دولة في أوروبا الغربية، تراجعاً منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد، وخلال السنوات الخمس التي سبقت استفتاء 2016، كانت مكاسب الشركات البريطانية 154% في المتوسط، واحتلت المركز الرابع من حيث العائد على الاستثمار من بين 124 شركة مسجلة في بورصات الدول الغربية، لكن خلال السنوات الخمس الماضية تراجع ترتيب الشركات البريطانية إلى المركز السادس، وتراجعت أرباحها إلى 74% فقط، بحسب بيانات بلومبيرغ.

من ناحيتها، قالت محللة العقارات الأوروبية في خدمة بلومبرغ إنتليجنس، سو موندن: «قد يكون أحد أسباب هذا التباين أن المستثمرين يتوقعون تعافياً في إيجار العقارات بالدول الأوروبية الأخرى، بدرجة أكبر مما عليها الحال في بريطانيا».

في الوقت نفسه، فإن القدرة التنافسية للشركات البريطانية تواصل تراجعها، كما أن مبيعات الشركات البريطانية، وهي مقياس إنتاجية الموظف، كانت في عام 2015 تبلغ 2.4 مليون دولار، لتحتل المركز السادس بين شركات 20 دولة في أوروبا الغربية، لكن هذه القيمة تراجعت خلال السنوات الأخيرة إلى 1.3 مليون دولار، لتحتل بريطانيا المركز الـ12 على هذا المقياس.

ويختتم وينكلر تعليقه بالقول إن بريطانيا لم تجنِ من خروجها من الاتحاد الأوروبي أي مكاسب، وإنما فقط عانت من الآلام في الغالب.

• بريطانيا لم تجنِ من خروجها من الاتحاد الأوروبي أي مكاسب، وإنما فقط عانت الآلام في الغالب.

• رؤية جونسون الوردية، وكل التدفقات النقدية لصناديق الاستثمار البريطانية، تتناقضان مع تدهور إنتاجية الاقتصاد البريطاني، وتراجع التجارة الخارجية، وغياب أي مؤشرات إلى إمكانية تعافي الجنيه الإسترليني بما يكفي لتعويض التدهور الكبير في قيمته، بعد أن أصبح الأسوأ أداء بين العملات الـ10 الرئيسة في العالم منذ الاستفتاء على الخروج.

الأكثر مشاركة